«يقطع نهر "الفرات" في محافظة "الرقة"، نحو /186/كم، وهو يشكل مع مجموعة المسطحات المائية الكبيرة الموجودة في أراضيها بؤرة خصبة لإنتاج وتربية الأسماك فيها، حيث تبلغ مساحة بحيرة الأسد نحو /640/كم2، معظمها في "الرقة"، إضافة لبحيرة سد "البعث" التنظيمي، التي تبلغ مساحتها نحو /100/كم2، وعدد من البحيرات الصغيرة، أكبرها بحيرة "العلي باجلية"، البالغة مساحتها نحو /100/ دونم، وبحيرة "الدلحة" و"معدان"، إضافة لمئات الكيلو مترات من الأقنية والسواقي والمصارف الزراعية.

هذه المساحات الواسعة من المسطحات المائية، يمكن استثمارها في إنتاجية وتربية الأسماك، بالتوافق، مع ما تنتجه المزارع السمكية، التي تلعب دوراً بارزاً في الإنتاج السمكي، التي تشكل ما نسبته /50%/ من الإنتاج الكلي لهذه الثروة المهمة».

إن استخدام هذه الوسائط المدمرة، يقضي على أغلب حلقات السلسلة الغذائية في الوسط المائي، إضافة لقضائها على بيوض الأسماك ويرقاتها وصغارها، غير المستهدفة في عمليات الصيد، والتي تضيع هباءً، مخلفة بيئة مائية معدومة أسباب التجدد والحياة، وما يتبع ذلك من مشاكل بيئية واجتماعية واقتصادية لا حصر لها

هذا ما ذكره لموقع eRaqqa بتاريخ (14/11/2009) المهندس "محمد الطاهر"، معاون رئيس شعبة الثروة السمكية في "الرقة"، في معرض حديثه حول أهمية الثروة السمكية، وكيفية الحفاظ عليها وتنميتها بالطرق السليمة.

صيد بواسطة الكهرباء

وعن أشكال الصيد، وسبل الحفاظ على الثروة السمكية وتنميتها، يقول "الطاهر": «في ظل ضعف حماية هذه الثروة الوطنية الهامة، وتعذر وضع قوانين صارمة لمنع الصيد الجائر، وعدم وجود ضابطة عدلية، تكون قادرة على تنظيم الضبوط اللازمة بحق المخالفين، وإحالتهم إلى القضاء المختص، إضافة إلى عدم توفر العدد الوافي من العناصر المؤهلين لحمايتها، والمستلزمات الكافية من الزوارق والآليات، والمحروقات، مع انعدام حالة الاطمئنان لدى عناصر الحماية، الذين يحتاجون للحماية أصلاً، وفي ظل تنامي قدرات الصيادين الفنية والمادية، مع ما يمتلكوه من مظلات حماية، تساعدهم في أداء أعمالهم الجائرة بحق النهر والمسطحات المائية، وما تحتويه من أحياء مائية، بدأت تضيع هذه الثروة هباءً.

يمكننا وصف الصيد المخالف، بوسائل الصيد المدمرة للأحياء المائية، التي يلجأ من خلالها ضعاف النفوس إلى استخدام وسائل صيد غير مشروعة، لجني أكبر قدر ممكن من الصيد دون عناء، ودون النظر بما تخلفه من كوارث طرائقهم المدمرة، وتتمثل أشكال الصيد الجائر من خلال الصيد بواسطة الصعق الكهربائي، واستخدام المتفجرات (الديناميت)، والسموم والمبيدات الحشرية والزراعية، كاللانيت وزهر الكبريت والكلور، وغيرها من المواد السامة.

سد الفرات وتبدو بحيرة الأسد

وبالنسبة للصعق الكهربائي وآثاره المدمرة على الأحياء المائية، فهو يقوم بشل حركة الأحياء السابحة في الماء بتيار متناوب، مما يؤدي إلى اختلاجات في القلب، وتشنجات في العضلات، الأمر الذي يؤدي إلى نفوق هذه الأحياء في أغلب الحالات، في محيط دائرة يصل نصف قطرها إلى أكثر من خمسة أمتار، حسب قوة المحرك، وهو يأتي على الأحياء المائية الدقيقة، أما الأحياء التي نفذت ونجت من النفوق السريع، فإنها تصاب بتمزقات عضلية، ونزوفات موضعية، وبعض التشوهات في الأجهزة التناسلية، مما يؤدي إلى عدم قدرتها على التكاثر من جديد.

أما المتفجرات، فمن خلالها تتعرض الكائنات، والأحياء المائية لموجة ضغط عالية، ناجمة عن الانفجار، وتتبعها سلسلة من موجات الضغط، تخف شدتها بالابتعاد عن مركز الانفجار، وتؤدي إلى انفجار المثانة الهوائية (الكيس السابح) لدى الأسماك القريبة من الانفجار، ونلاحظ أيضاً تمزقاً في الأحشاء، وفي كافة الأحوال يتعرض الجهاز العصبي لتلف بعيد الأمد، مما يفقد الأسماك على قدرتها على التوازن، الذي يؤدي إلى النفوق البطيء».

من أسماك الفرات

ويتابع "الطاهر"، حديثه حول نفوق الأسماك بواسطة السموم والغازات، قائلاً: «بالنسبة للسموم، فإنها تقضي على كافة أشكال الحياة في الوسط المائي، مع توفر إمكانية انتقال هذه السموم إلى متناولي الأسماك من البشر، بشكل تراكمي، وتكون عاملاً مسبباً للعديد من الأمراض، كالسرطانات وأمراض الكلية والكبد، أما الصيد عن طريق الغازات الخانقة، ففيه تتحد الغازات مع خضاب الدم، فتفقد الأسماك قدرتها على الحصول على حاجتها من الأوكسجين، مما يؤدي إلى اختناقها ونفوقها».

وعن الأثر البيئي البعيد لهذه الوسائط الجائرة والمدمرة، يقول "الطاهر": «إن استخدام هذه الوسائط المدمرة، يقضي على أغلب حلقات السلسلة الغذائية في الوسط المائي، إضافة لقضائها على بيوض الأسماك ويرقاتها وصغارها، غير المستهدفة في عمليات الصيد، والتي تضيع هباءً، مخلفة بيئة مائية معدومة أسباب التجدد والحياة، وما يتبع ذلك من مشاكل بيئية واجتماعية واقتصادية لا حصر لها».

وعن طرق حماية الثروة السمكية والأحياء المائية المتبعة، يضيف قائلاً: «صدر المرسوم التشريعي رقم /30/ لعام /1964/ المتضمن قانون حماية الأحياء المائية، وقراراته، ومقررات المجلس الأعلى للأحياء المائية، والتي تهدف جميعها إلى تنظيم الصيد، وحماية الثروة السمكية في سورية، وفي هذا الإطار قامت مديريات الزراعة بتطبيق هذه القرارات، ومنع الصيد الجائر بأشكاله بقدرات عالية، وإمكانيات قوية.

لكن ما نلاحظه الآن، وفي السنوات الأخيرة، أن إمكانيات شعب حماية الثروة السمكية أصبحت قدراتها محدودة، أما إمكانات الصيادين المخالفين، تفوق إمكانيات مراكز الحماية في محافظة "الرقة"، حيث يلجأ الصيادون إلى أساليب ملتوية، مستخدمين الكذب والتدليس على عناصر الحماية، بهدف إضعاف عمليات الحماية والقائمين عليها، وذلك بتلفيق التهم الباطلة بحق عناصر الحماية، لتسيير عمليات صيدهم الجائر».

ومن خلال خبرته الطويلة والميدانية في عمله بحماية الثروة السمكية، يتحدث "الطاهر"، عن مقترحات جديدة لحامية هذه الثروة الوطنية، قائلاً: «يجب وضع أهداف إستراتيجية لحماية هذه الثروة الوطنية من الانقراض، تتمثل بإعادة تقدير المخزون السمكي والطاقة الإنتاجية للأنهار والسدود والبحيرات والمسطحات الأخرى، وتحديد عدد الصيادين في كل موقع على حدا، وبحث إمكانية التوسع في إنتاج الأسماك، والمواقع التي من الممكن إجراء هذا التوسع فيها، عبر إنشاء محميات طبيعية، تساهم في تكاثر الأسماك، وإعادة الحياة المائية إلى طبيعتها السابقة.

أيضاً البحث عن مصادر علفية جديدة لأسماك التربية، وبأسعار مقبولة، ودعم مربي الثروة السمكية، من خلال تأمين احتياجاتهم اللازمة من العلف والإصبعيات، ومنحهم القروض المالية، ودراسة مشاكلهم بهذا الخصوص، وتنشيط دور الجمعيات التعاونية لصيادي الأسماك، وتدريب الصيادين، وتأمين مستلزمات الصيد المشروع.

وأخيراً دعم السوق المحلية بأسماك ذات نوعيات جيدة، وذات قيمة غذائية عالية، وبأسعار منافسة، وإدخال أنواع غريبة وجديدة من الأسماك والأحياء المائية إلى الوسط المائي، وذلك لملئ فراغ ما في السلسلة الغذائية المتوفرة في الماء، أو تحسين مستوى غذائي معين للأسماك، وإعادة زراعة الأسماك الفراتية المنقرضة.

إن هذه الأهداف إن تم تحقيقها فإنها سوف تحبط من عزيمة الصياد المخالف في ظل انخفاض الجدوى الاقتصادية لعمله، في حال توفر جميع أصناف الأسماك المطلوبة للاستهلاك في الأسواق المحلية، وبأسعار منافسة، حيث أنه لن يستطيع تغطية مصاريفه من محروقات وأجور عمال، وأموال تصرف لمظلات الحماية، فيؤدي به الأمر للتوقف عن استنزاف هذه الثروة الوطنية بالسبل غير المشروعة، ويدفعه للبحث عن سبل مشروعة للعمل في هذا المجال الاقتصادي الهام».