«تعتبر المياه إحدى المكونات الأساسية للحياة على سطح الأرض وتختلف الثروة المائية عن باقي المكونات المتجددة، كالشمس والرياح لأنها ثروة معرضة للزوال, ويجب الحفاظ عليها وترشيد استخدامها, وتفتقر معظم البلدان العربية للمياه حيث توجد /19/ دولة عربية على خط الفقر المائي وفق المعايير الدولية, وست دول عربية تحت خط الفقر المائي, ويشير معدل استهلاك الفرد السنوي من المياه وفق المعايير الدولية /1.8/ ألف م3، ومعدل استهلاك الفرد من المياه في الدول العربية يتراوح ما بين /800-1000/م3 سنوياً، وهي تحتل مراكز متقدمة في العالم بعدم كفاءتها في استخدام المياه، وبالتالي هنالك هدر في استخداماتها، سواء للشرب أو الزراعة أو غيرها. وقد عانت محافظة "الرقة" في الآونة الأخيرة ظروفاً مناخية قاسية، وموجة من الجفاف الشديد التي انعكست على سوية إنتاجها من المحاصيل الزراعية، وأثرت على مناسيب المياه الجوفية والنهرية، فأصبح من الضروري التفكير في كيفية الحفاظ على المخزون المائي وترشيد استهلاكه بالطرق الحديثة المناسبة والمنظمة».

هذا ما قاله المهندس الزراعي "عبد الرحمن العلي" العامل بأحد مشاريع الري الحكومية لموقع eRaqqa بتاريخ (9/8/2008)، وأضاف: « إن الري الحديث يؤمن التوزيع المنتظم للمياه وفق حاجة كل محصول، حيث تقلل من المساحات المهدورة أثناء القيام بعمليات الاستصلاح وتمثل هذه المساحات المهدورة من 15-17% من المساحة الإجمالية للأرض المستصلحة وهي عبارة عن أقنية ري وصرف والحرم المجاور لها، كما توفر مساحات الأقنية الترابية والسواقي في المساحات المستصلحة حاليا والتي تروى بطريقة الري التقليدية، والري الحديثة يقلل من الإصابات الحشرية والفطرية للمحاصيل الزراعية، ومن تأثير الحرارة على الأقطان خاصة في فترة الإزهار والعقد، كما أنها تقلل من تكاليف الإنتاج، إضافةً إلى ما يمكن أن يتحقق في حال استخدمنا طرق الري الحديثة، وترشيد المياه كثيرة منها تقليل استهلاك المياه من /30-50%/ بسبب تحسين كفاءة استخدام المياه، ورفع نسبة إنبات البذور وزيادة الإنتاج الزراعي، والحد من ارتفاع نسبة الملوحة كونها تروي المنطقة السطحية من التربة (منطقة الجذور فقط)، بالإضافة إلى إمكانية استخدام الأسمدة والمبيدات مع المياه.

نحن حريصون على عدم تلوث مياه البحيرة، فهي المصدر الأساسي لمياه الشرب لنا، وللحفاظ عليها من التلوث يجب أن تقام في هذه المنطقة مشاريع ري نظامية وبأجهزة ضخ مفلترة

ومن الطرق الحديثة للري, الري بالخطوط، وقد تم اعتماد هذه الطريقة في ري الأشجار المثمرة في المناطق ذات الميولات المنحدرة، وكذلك في الخطوط ضمن المسكبة الواحدة، ومع تطور هذه الطريقة من الري أصبحت تصنف كأحدث الطرق التقليدية وتم اعتمادها في بلدان كثيرة من العالم، وتعتمد هذه الطريقة على تسوية سطح التربة مع إعطائه ميول مدروسة تسمح للمياه بالجريان ضمن الخطوط وفقاً للجاذبية الأرضية، وهذه التسوية تتم إما بالطرق التقليدية عن طريق ملحقات ترتبط بالجرار بعد الحراثة، أو عن طريق التسوية بالليزر، وهي الأكثر تطوراً حتى تاريخه، وتتميز هذه الطريقة بسهولة الاستخدام، وري الطبقة السطحية، وبالتالي تساعد على التحكم بالملوحة، بالإضافة إلى السماح باستخدام الآليات في خدمة المحصول كالتسميد والتعشيب والمكافحة وجني المحاصيل.

المهندس محمد البكار

الطريقة الثانية طريقة الري بالرش إما بمرشات ثابتة أو متحركة، وهنا نشير إلى ضرورة استخدام المرشات المحورية في المساحات الكبيرة كما هو عليه في المنطقة الشرقية وخاصة في الزراعات الشتوية والرعوية وتتميز هذه الطريقة بتقليل استهلاك المياه من /30-50%/ بسبب تحسين كفاءة استخدام المياه، ورفع نسبة إنبات البذور، وزيادة الإنتاج الزراعي، تساعد على استخدام التقنية في زراعة وخدمة المحاصيل.

الطريقة الثالثة الري بالتنقيط حيث تعتبر الطريقة الأحدث في طرق الري المتبعة وأهم مزايا هذا النظام التحكم في ري منطقة الجذور، وتوفير في مياه الري بنسبة لا تقل عن /50-60%/، وإمكانية استخدامها في الأراضي شديدة الانحدار، بالإضافة إلى استخدامها في الزراعات المحمية، والأشجار المثمرة.

مشروع ري بالتنقيط

الطريقة الرابعة الري بالرشح، وهذه الطريقة للري تستخدم من تحت سطح التربة، حيث يتم طمر الأنابيب بجانب جذور الأشجار وتضغط فيها المياه التي تتسرب عن طريق الرشح، وهي من الطرق الأكثر توفيراً للمياه وتعطي نتائج ممتازة في توزيع المياه، ويعاب عليها ارتفاع التكاليف والحاجة لمياه نظيفة جداً، وغير مالحة، وتصلح لزراعة نوع معين من النباتات كالأشجار والزهور».

كما تحدث السيد المهندس عثمان العلي رئيس دائرة التحول إلى الري الحديث في مديرية زراعة الرقة لموقعنا قائلاً: «إن إجمالي المساحة التي تم تحويلها إلى الري الحديث في "الرقة" لا تتجاوز /240/ دونم، وهي مساحة صغيرة جداً بالمقارنة مع المساحة الكلية للأراضي الزراعية في المحافظة، وهناك جملة من المصاعب تعترض سير عملنا أهمها شكوى الفلاحين من ارتفاع أسعار شبكات الري الحديث لدى الشركات المعتمدة من وزارة الزراعة مقارنة بالأسواق المحلية، ورغبة المزارعين بالحصول على القرض يضاف إلى قرض الشبكة وبما يعادل /25000ـ 3000/ ليرة سورية للدونم تكاليف وقود، وكخطوة مبدئية للانطلاق بالمشروع، وعدم قدرة المزارعين على تأمين واسطة نقل للقيام بالتحريات الحقلية المطلوبة من قبل المشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث، كما تفتقر دائرتنا إلى وسائط النقل والكادر الوظيفي الكافي والأثاث و...».

حقل مزروع بأنظمة الري الحديث

وعن آلية منح قروض الري الحديث أوضح "العثمان" قائلاً: «يتم منح القرض لكل من يقوم بالاستثمار، سواء كان مالكاً أو مستأجراً أو منتفعاً.. لمرة واحدة فقط على شكل قروض طويلة الأمد مدتها عشر سنوات، ويتم إراحة المقترض في أول سنتين، وبعدها يتم تسديد القرض بأقساط متساوية خلال جني المحاصيل الرئيسية ويتم حسم /20%/ من القرض إذا كان مصدر المياه من الآبار و/10%/ إذا كان مصدر الري حكومي».

السيد "أحمد الهلال" نائب رئيس اتحاد الفلاحين تحدث لموقعنا قائلاً: «إن التحول إلى الري الحديث يحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة، فنظام الإقراض المتبع في تمديد شبكات الري الحديث لا يراعي أحوال الفلاحين المادية، التي تراجعت خلال السنوات الماضية بسبب الجفاف والقحط، وارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، وعلى الرغم من المزايا الكبيرة التي يحققها الري الحديث من توفير للمياه، وارتفاع إنتاجية الأرض، والمحافظة عليها من التسبخ ما يزال فلاحونا غير مدركين لهذه الآثار الايجابية.

المزارع "سليم شحادة"، قال: «عدم ترخيص الأراضي المزروعة بالزيتون خاصة وأن محافظة "الرقة" قد أصبحت من المحافظات المنتجة للزيتون ومعظم هذه الأراضي تقع ضمن الري الحكومي، لذلك نحن نرغب بتحويل بساتيننا إلى الري الحديث ومستعدين لدفع ما يترتب علينا من رسوم الري، بدلاً من مساعدتنا في إجراءات الترخيص، أبلغتنا المؤسسة العامة لسد الفرات منذ فترة لإزالة محركات الضخ، بحجة أن هذه المحركات تلوث مياه البحيرة، ومنع تركيب أي مضخة إلا بموجب رخصة نظامية من مديرية الزراعة، نحن حائرون في أمرنا، فالزراعة لا ترخص لنا، وإزالة المحركات سيؤدي إلى إلحاق كارثة حقيقية بمزارعي الزيتون».

ويضيف "الشحاذة": «نحن حريصون على عدم تلوث مياه البحيرة، فهي المصدر الأساسي لمياه الشرب لنا، وللحفاظ عليها من التلوث يجب أن تقام في هذه المنطقة مشاريع ري نظامية وبأجهزة ضخ مفلترة».

ويقول المهندس الزراعي "محمد البكار": « من هنا يتوجب علينا أن نحسن استثمار الموارد المائية، ونحسن إدارة هذه الموارد عبر ما يسمى الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والتي تتطلب معرفة الموارد المائية السطحية والجوفية، ومعرفة الحاجة لكمية المياه سواء في الاستعمال المنزلي – الزراعة – الصناعة - الخدمات وأن نعمل على إقامة التوازن بين الموارد المائية، والحاجة للمياه في المجالات المختلفة مع المحافظة على البيئة».

ويتابع قائلاً: «يجب أن نتنبه إلى خطورة المشكلة التي سنعانيها مستقبلاً في تأمين المياه، وضرورة السرعة في اتخاذ كافة التدابير والدراسات والمعالجات لتحاشي الوقوع في هذه الأزمة، فالحفاظ على المياه، وحُسن استخدامها وإدارتها مسؤولية جماعية، تبدأ من المنزل لتشمل كافة القطاعات الأخرى، وهذه الثقافة العامة التي يجب نشرها بين الناس ستؤدي بنا إلى أن يكون الماء ضمن دائرة اهتماماتنا القريبة التي نوَرثها لأبنائنا وأحفادنا ليصار إلى المعرفة الحقيقة لهذه الثروة الإلهية التي لا تعادلها ثروة لأنها مصدر الحياة على الأرض، وضرورة ترشيد استهلاك المياه من خلال التوعية واستخدام الطرق الحديثة للري، والقيام بدراسة مسبقة ودقيقة لكافة المعطيات المتوفرة من مياه، وتربة، ومناخ، ونوعية المحاصيل قبل اختيار أي نظام للري».