لعلّك إن زرت "الرقة" زائراً، أو كنت قاطناً، مسافراً، فلا بدَّ مرّ بك ذلك الاسم الجميل، "الرقة السمراء"، وهي شطرٌ من ثلاثي "الرقة" المتتالي بالذاكرة، "الرقة البيضاء"، و"الرقة الحمراء"، فإن أراد أهل "الرقة البيضاء" قصد "الرقة الحمراء" فلا بدَّ لهم من المرور بها، والعكس، فهي الوسط والقلب.

في الأسماء المتداولة حذف من "الرقة الحمراء" كلمة "الرقة" فأصبحت تعرف بالحمراء، فيما حذفت صفة "البيضاء" من "الرقة"، وأخذت تعرف بـ"الرقة" فقط، بينما بقيت "الرقة السمراء" محافظة على ذاتها.

أخذت "الرقة السمراء" صفتها من لون تربتها اللحقية القادمة مع "البليخ" والتي تنتهي شرقاً عند جسر "أبي فسلى"، المبني على الفرع الشرقي لنهر "البليخ"، لتبدأ "الرقة الحمراء" بعده، والواقعة على الطريق المتجه إلى مدينة "دير الزور" على الضفة اليسرى لنهر "الفرات"، ليتشعب فيما بعد باتجاه المدن العراقية. عرفت تلك القرية بخصوبة تربتها، وهي الأرض الأكثر إنتاجاً في زراعة القمح والشمندر السكري والقطن، وذلك على مدى عقود تتالت من الزمن، وتترامى تربتها على حقول زراعية تنتهي على ضفة "الفرات". كما عرفت بطقسها العذب، ونسيمها العليل الواصل إليها من نهر "الفرات"، حيث يتجه النهر شرقاً ثم ينعطف جنوباً عند لقائه بفرع "البليخ" الغربي، لينعطف عن "الرقة السمراء" هناك، حيث يتجه "الفرات" جنوباً فيما يبقى هبوبه متجهاً نحوها ليمنحها جماليته، لذلك يذكر بعض المؤرخين أن "هارون الرشيد" كان له فيها مسكن إبان سكنه في "الرقة"، كما تعدُّ قرية "الرقة السمراء" منفذ المدينة إلى الشرق، ومدخل الريف إلى المدينة من ذات الاتجاه

تقع "الرقة السمراء" بين بداية فرعي نهر "البليخ" ولقائهما بالفرات، بموقع أشبه بالدلتا، ويوشك "البليخ" أن يغمرها أحياناً في الأعوام الممطرة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الباحث في الآثار "محمد العزو" وهو من أبناء المنطقة ليقول: «حسب موسوعة "لاروس" الفرنسية فإنّ "هوليغمان" أشار إلى أن منطقة "الرقة" خضعت في عام 800 ق.م لسلطة أحد حكام الدولة الآرامية، وفي تلك الفترة نزلت على "البليخ" بالقرب من التقائه بـ"الفرات" قبيلتان آراميتان، واحدة تدعى "ريقو" والأخرى تدعى "حيقو"، فتصارعتا فيما بينهما على من يمتلك ضفتي النهر، وكانت الغلبة لقبيلة "ريقو" التي شرعت حالاً ببناء مدينة أطلقت عليها اسم "ريقو" أو "رقو" على اسم القبيلة، وحرف الواو زيادة في اللغة الآرامية، وتوقع العلماء أن أولى الرقات التي شيدت في المنطقة هي "الرقة السمراء"، لقربها من دلتا التقاء "الفرات" برافده "البليخ".

كما أن الآثاريين الذين نقبوا في "تل البيعة" قالوا إنّ "الرقة" الأولى تقع إلى الشرق من "الرقة البيضاء" أو "المشلب" على بعد 5 كم، وهذا دليل آخر على أن "الرقة السمراء" كانت أقدم "الرقات"، لكن عندما بناها الآراميون لم تتطور كثيراً بسبب فيضانات "الفرات" من الغرب و"البليخ" من الشمال، ثم إنّها حرقت في فترة النزاع على الأرض بين الرومان من وثنيين ومسيحيين ودولة "الفرس"، فسميت بـ"الرقة المحترقة" ولم يكتب عنها كثيراً.

وفي فترةٍ من الفترات كان اسمها "الرقة المعوجة" أو "العوجاء"، لأنها تقع على أكثر الأنهر اعوجاجاً وهو نهر "البليخ"».

كما التقت المدوّنة الشاعر "محمد المجهد" ابن تلك القرية، حيث قال: «نعم أنا ابن تلك القرية وقد كانت فيها ملاعب الصبا وذكريات الطفولة وطغيان الفيضان، حيث أيقظتنا جدتي ذات عشية والمياه تحاول التسرب إلى أمتعة البيت.

في قريتي نفحة التاريخ، وأهازيج "الفرات"، وأغاني العرب، لكن الأجمل فيها رحلات الصيد التي كنت أرافق فيها أصدقاء والدي القادمين من "بيروت".

كانت "الرقة السمراء" عرضةً لغزوات شتى، وعندما ترك المحتلون بلادنا ساحةً للتناحر العشائري، كانوا يدعمون بعض القبائل المتناحرة على حساب بعضها الآخر، وفي إحدى الغزوات، جاء سيد القبيلة الغازية، ليطلب من أحد وجهائها إخلاءها، فطلب منه الوجيه التريث لحين مشاورة أخويه، وفي اليوم التالي جاءه ليسمع ذلك الشور المنتظر، فقال له الوجيه لقد رفض أخواي الرحيل، فقال مستغرباً ومستهجناً: ومن هما أخواك؟، فأجاب: "الرقة السمراء"، و"تل زيدان"، ولم يرحل.

و"تل زيدان" لمن لا يعرفه هو تل أثري على طرفها الشمالي، إذ يشطره نهر "البليخ" عنها، وبالقرب منها كذلك الموقع الذي يشير إليه الشاعر الراحل "محمد الذخيرة" بقصيدته الشعبية التي يقول فيها:

ثريا باش خيم ع الشريعة يريد بلادنا غصب عن أهلنا

ذبحنا عسكره واليوز باش وطواجيهم مثل ورد الدودحنا

ما بين "زعيج" والرگة السمرا بان الفارس المنهم ومنا

إحنا أبطال والتاريخ يشهد إحنا الزبيد المانعطي وطنا

وهي قصيدة كما يبدو من مفرداتها أنها تؤرخ للصراع ما بين أهل المنطقة، والعثمانيين».

وأضاف: «أخذت "الرقة السمراء" صفتها من لون تربتها اللحقية القادمة مع "البليخ" والتي تنتهي شرقاً عند جسر "أبي فسلى"، المبني على الفرع الشرقي لنهر "البليخ"، لتبدأ "الرقة الحمراء" بعده، والواقعة على الطريق المتجه إلى مدينة "دير الزور" على الضفة اليسرى لنهر "الفرات"، ليتشعب فيما بعد باتجاه المدن العراقية.

عرفت تلك القرية بخصوبة تربتها، وهي الأرض الأكثر إنتاجاً في زراعة القمح والشمندر السكري والقطن، وذلك على مدى عقود تتالت من الزمن، وتترامى تربتها على حقول زراعية تنتهي على ضفة "الفرات". كما عرفت بطقسها العذب، ونسيمها العليل الواصل إليها من نهر "الفرات"، حيث يتجه النهر شرقاً ثم ينعطف جنوباً عند لقائه بفرع "البليخ" الغربي، لينعطف عن "الرقة السمراء" هناك، حيث يتجه "الفرات" جنوباً فيما يبقى هبوبه متجهاً نحوها ليمنحها جماليته، لذلك يذكر بعض المؤرخين أن "هارون الرشيد" كان له فيها مسكن إبان سكنه في "الرقة"، كما تعدُّ قرية "الرقة السمراء" منفذ المدينة إلى الشرق، ومدخل الريف إلى المدينة من ذات الاتجاه».

في "الرقة السمراء" تشارك الطبيعة ألقها، وتتنفس العروبة، بيد أنك لا تلبث أن تنعطف إلى منحنى الشجن مرغماً، إذ لم يستمر الحال كما وصفته، وتغير على عجل، فقد أوصدت الأبواب، ولم أمر بسيارتي بذلك الطريق إلا نادراً، حتى أوصدت الطريق تماماً، وغادر أهل تلك القرية قريتهم، ولم يشفع لهم (الوجيه) الذي رفض الرحيل، كما لم تشفع لهم أصولهم "الزبيدية"، كما وصفها آنفاً الشاعر "محمد الذخيرة"، ولا أنسابهم، ولا تاريخهم الباسل، ولا موقع قريتهم الجميل. رحلوا عنها مرغمين، فقد أصبحت قريتهم مسرحاً لصراع قوى عالمية لا يستطيعون بطيبتهم وبساطتهم لقاء ذلك، ثم عادوا إليها ليجدوا مقتنياتهم الجميلة التي جمعوها في عقود من الزمن قد تبعثرت، وفقد غالبها.

وما بين الذكرى والأمل، والأمنيات، وصدى صوت صبية تغني ذات أصيل:

"آني لارسل سلامي ويّه الحمام الفايت طارش عشيري گل له بالرگة السمرا بايت".