على بعد 18 كم من الريف الغربيّ لمدينةِ "الرقة" تقع قريةُ "السلحبية الشرقية" التي تحتضنُ مكوناً اجتماعياً خصباً يحوي العديدَ من الطبقة المثقفة، ويُعرف أهلُها بإكرام الضيف والنخوة والعمل الجاد وتزداد أهميتها كونها تشكل عقدةً لجميع قنوات الري في المحافظة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 3 تشرين الأول 2019، تواصلت مع المدرس "أحمد السفان" أحد أبناء القرية ليحدثنا عنها حيث يقول: «بدأت مرحلة السكن والاستقرار في قريتنا منذ عام 1945 نتيجة انتقال عدد كبير من الأهالي الذين كانوا يقطنون في قرية "حويجة فرج" الواقعة بجانب سرير نهر "الفرات"، ويبلغ سكانها في الوقت الحاضر حوالي 5000 نسمة. وتنتشر المحاصيل الزراعية فيها بشكل كبير نظراً لوجود الأراضي الخصبة التي تحيط بالقرية من مختلف الجهات، حيث يعتمد الأهالي عليها كثيراً في تغطية احتياجاتهم وتأمين موارد مالية لهم عن طريق بيعها، وأهم المزروعات القمح والشعير والقطن والذرة الصفراء وجميع أنواع الخضار التي تغطي الاستهلاك والتمويل الذاتي، فيما تتمّ المتاجرة بالقسم الزائد عن المستهلك لتأمين موارد مالية للأهالي لتغطية مصاريفهم المعيشية.

بالنسبة لوضع التعليم بالقرية يوجد فيها مدرستان ابتدائيتان، ومدرسة إعدادية فيما يتابع أبناء القرية دراستهم في المرحلة الثانوية في المناطق المجاورة، وتوجد نسبة كبيرة من أبناء القرية ممن تابعوا تعليمهم وحصل الكثير منهم على شهادات جامعية في مختلف الاختصاصات، وهناك أيضاً اهتمام كبير بالجانب الثقافي من خلال حرص أبناء القرية على متابعة الأنشطة في عدة أمكنة

وبالنسبة للجانب الاجتماعي تتميز القرية بوجود حالة من التآلف والتجانس بين جميع سكان القرية نظراً لوجود صلات قرابة تربط بين معظم سكان القرية، ويظهر ذلك جلياً أثناء المناسبات الاجتماعية المختلفة، ففي حالة الأفراح يلتمّ شمل الجميع صغاراً وكباراً حول صاحب المناسبة فتعقد الدبكات والحفلات التي تضم شباب القرية من الجنسين، وتستمر أحياناً عدة أيام لحين موعد الزفاف الذي يتمّ وفق طقوسٍ معينة ويشارك جميع أهل القرية بعملية زفاف العروس إلى بيت عريسها حيث يطوف موكب السيارات في أنحاء القرية قبل أن يصل إلى المحطة النهائية في منزل العريس، وتقام الولائم بهذه المناسبة ويدعى لها الأقارب والأصدقاء من داخل القرية وخارجها، كذلك الأمر في حالة الأحزان يلتمّ معظم أهالي القرية إلى جانب أهل المتوفى، ويقومون بواجب العزاء ببناء بيوت معدّة لمثل هذه المناسبات، ويستقبلون المعزين ويقدمون واجب الضيافة لهم من خلال توزيع وجبات الطعام على جيران أهل العزاء والأقرباء لتخفيف عبء تكاليف تلك الموائد التي تصل أحياناً إلى مبالغ كبيرة».

جانب من القرية

ويضيف بالقول: «بالنسبة لوضع التعليم بالقرية يوجد فيها مدرستان ابتدائيتان، ومدرسة إعدادية فيما يتابع أبناء القرية دراستهم في المرحلة الثانوية في المناطق المجاورة، وتوجد نسبة كبيرة من أبناء القرية ممن تابعوا تعليمهم وحصل الكثير منهم على شهادات جامعية في مختلف الاختصاصات، وهناك أيضاً اهتمام كبير بالجانب الثقافي من خلال حرص أبناء القرية على متابعة الأنشطة في عدة أمكنة».

"محمد علي البليخ" من أبناء القرية يقول: «كانت لدينا معاناة كبيرة بموضوع الكهرباء نتيجة التخريب الذي أعقب أحداث "الرقة"، لكن تمّت معالجة الأمر قبل فترة قصيرة وإعادة إيصال التيار الكهربائي للقرية ما سهّل كثيراً من الأمور، كذلك تمّ إيصال المياه إلى كلّ أنحاء القرية بعدما تمّ تركيب مضخة تعمل يومياً لعدة ساعات، لكنها تحتاج إلى تركيب ترنس كهربائي حتى تعمل بشكل مستمر.

الزراعة المصدر الرئيسي للمواطنين

أما شبكة الهاتف فقد تعطلت نتيجة قصف طيران "التحالف الدولي" لمركز الهاتف بالقرية، ولم يتم إصلاحه كونه يحتاج معدات غالية الثمن.

ومن أشكال المعاناة الأخرى ما يتعلق بغياب مستلزمات التعليم حيث توقفت العملية التدريسية لعدة سنوات نتيجة الأحداث التي مرت على "الرقة" ما أدى إلى انقطاع أبناء القرية عن المدارس لبعض الوقت ما أثر في اهتماماتهم وانصرافهم لتعلّم بعض المهن لتأمين لقمة العيش، وظهر تأثير ذلك واضحاً عند التحاقهم مجدداً بالمدارس، كذلك نعاني من عدم توافر الكتب المدرسية لمعظم الصفوف ونقص في الكوادر التدريسية المؤهلة نتيجة سفرهم إلى مناطق أخرى، ويعاني فلاحو القرية من تحكّم التجار أثناء شراء المحاصيل الزراعية بأبخس الأثمان، وهذا يحدث لعدم وجود أماكن لتصريف إنتاج القرية من المحاصيل الزراعية في أماكن أخرى، كما يعاني شباب القرية بشكل عام من ظاهرة البطالة لعدم وجود فرص للعمل ما أثر في الوضع المعيشي لمعظم الأسر التي تعتمد فقط على الجانب الزراعي.

خارطة السلحبية

أما من الناحية الصحية، فلا تتوافر الخدمات الطبية بالشكل المطلوب وارتفاع أسعار الدواء بشكل كبير وجشع بعض الأطباء ورفع أجور المعاينات بشكل كبير».

"محمد العزو" الخبير الآثاري في "الرقة" عنها يقول: «"السلحبية" بالمفهوم العام تعني الطريق البيّن الواضح، و"السلحب" هو المطب، وهي قرية كانت مشهورة في العصر الإسلامي بزراعة التفاح الداماني الأحمر الشهير، الذي ورد ذكره في الشعر العربي من الفترة الإسلامية، لأنها كانت تسمى بـ"دامان" أو قرية "دامان"، إلى جانب أنها كانت مشهورة بكثرة أشجارها وثمارها، وسقيها كان من نهر "الفرات"، وكان فيها أيضاً حانة إسمها حانة "أم مريم السريانية" التي ورد ذكرها في "الرقة" أثناء فتحها من قبل العرب المسلمين، وقد قسمت إلى قريتين غربية وشرقية، وهذه الأخيرة يقع على أطرافها الغربية تل أثري شهير يسمى "تل بليبص" من فترة عهد "أوروك"، وهي مرحلة موغلة في القدم، ويبدو أنّ هذا التل كان يشكّل مرحلة السكن الأولى في مكان هذه القرية، وهي تشتهر بالزراعة وأراضيها خصبة، وبها تمرّ سكة القطار القادمة من "حلب"، وتشتهر بأنها تقع على مفترق شبكة طرق، وقد كان لها خصوصية وشأن تجاريّ منذ أقدم العصور، وترتبط بطريق معبد بمدينة "الرقة"».