يذكر الباحث الأستاذ "حمصي فرحان الحمادة" في إحدى لقاءاته أن فكرة هدم السرايا القديمة كانت في عهد البلدية التي كان يرأسها الأستاذ المرحوم "حمود القاسم"، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وكان هذا القرار أمراً جللاً أصاب مثقفي "الرقة"، والمهتمين بتاريخها بالذهول، وتزامن ذلك بانعقاد الندوة الدولية لتاريخ "الرقة"، في عام /1981/م، التي كانت منبراً تم التصدي من خلاله لتلك الفكرة.

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 12/12/2008 الأستاذ "أحمد عبيد الحاج"، أول أمين لمتحف "الرقة" بعد تدشينه، والذي واكب تلك الأحداث المرافقة لانعقاد الندوة الدولية لتاريخ "الرقة"، للحديث عن الظروف التي واكبت هذه القصة، وكيف تم تحويل السرايا المعدَّة للهدم، لمتحف وطني يضم آثار "الرقة" فقال: «خلال التحضير لانعقاد الندوة الدولية لتاريخ "الرقة"، كان الاهتمام منصباً من قبل القائمين على الإعداد والتحضير، أن تكون ندوةً تبحث في مجمل تاريخ "الرقة"، الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي، وكان على رأس المهتمين بذلك الدكتور "عبد السلام العجيلي" رحمه الله، وحتى يكون لـ"الرقة" تاريخ يُعتدُّ به، كان لا بد أن يكون لها متحفاً يجمع آثارها الموزعة في متاحف القطر، كـ"دمشق"، و"حلب"، وليس هناك أفضل من أن يكون المتحف بحد ذاته معلماً أثرياً من تاريخ "الرقة"، فوقع الاختيار على السرايا القديمة، وتم تحفيز كل الكوادر الثقافية، وبمقدمتهم الدكتور "العجيلي"، للوقوف ضد القرار الذي كان يعدُّ لهدمها، فقام "العجيلي" باستخدام زخامة إرث "الرقة" الحضاري في دفاعه عن فكرة تحويل السرايا لمتحف وطني بدل هدمها، فكان له ولنا ذلك، فلقد كان يواظب بالدوام في عيادته صباحاً، ويتفرغ في المساء للدوام في دار الثقافة، للتداول في كيفية إنجاح الندوة، بعد أن ارتاح الجميع لفكرة تحويل السرايا لمتحف وطني».

أنا من المهتمين الدائمين بالتراث والتاريخ، وزيارة الأماكن التراثية في سورية، لذلك كان من الضروري القدوم إلى الرقة وزيارة هذه السرايا العظيمة التي أدهشتني بتاريخها وعظمة بنائها، وسأدعو كل الذين أعرفهم للقدوم والتمتع بتاريخنا في كل أنحاء القطر وليس فقط في الرقة

أما عن كيفية استلامه أمانة المتحف، ودوره في التحضير للندوة الدولية لتاريخ "الرقة" فيتابع "الحاج" حديثه لنا بالقول: «كانت جلسات التحضير للندوة تتم في مكتب الأستاذ "عبد الغفور الشعيب"، مدير الثقافة آنذاك، وبعد أن اكتمل برنامج الندوة، كُلفت من قبل الدكتور "العجيلي" بالذهاب لمدينة "دمشق" لدعوة ضيوف الندوة، ومقابلة المسؤول في مبنى الإذاعة والتلفزيون، من أجل وضع شعار للندوة، والإعلان عنها في قنوات التلفاز السوري، وفور وصولي لـ"دمشق" التقيت الأستاذ "صميم الشريف"، الذي قام مشكوراً بعمل ما هو مطلوب، وقمت بدعوة الدكتورة "نجاح العطار"، التي كانت حينها وزيرةً للثقافة، وفور عودتي من "دمشق"، تابعنا استعداداتنا للتحضير للندوة، وكان أهم ما أدرج في برنامج الندوة تلك، افتتاح متحف "الرقة" الوطني».

من مقتنيات المتحف

ويختتم "الحاج" حديثه لنا عن افتتاح المتحف، وعن حادثة مرافقة لاختياره أميناً له، يرويها للمرة الأولى، فيقول: «في إحدى الجلسات المسائية تحضيراً للندوة، التي كان يعقد بعضها في منزل محافظ "الرقة" الأستاذ "محمد سلمان"، كنا مشغولين بالإعدادات، فأومأ لي الدكتور "العجيلي"، الذي كان يجلس بجانب المحافظ، وعند اقترابي قال "العجيلي" للأستاذ "سلمان": (أرشح هذا الشاب لمنصب أمانة متحف "الرقة"، لما أجده فيه من الأمانة والخلق الرفيع)، فسألني المحافظ عن مكان عملي، وقال لي بعد أن أجبته، بأن أجهز نفسي لتولي هذه المهمة، لأن شهادة الدكتور "العجيلي" ـ كما قال ـ هي قرار بحد ذاته، فلقد كان "سلمان"، يعرف القيمة الحقيقية للدكتور "العجيلي"، ولشدة تأثري بالموقف اغرورقت عيناي بالدموع، ولم أنسَ صنيعه ذاك، فعندما استلمت أمانة المتحف، وبدأنا باستقبال الضيوف المهنئين، كان هناك دفتر يكتب فيه كبار الزوار كلماتهم، وعندما حضر "العجيلي" للتهنئة، فوجئ بالصفحة الأولى فارغةً بانتظاره، وعندما سألني عن السبب أجبته بأنها نوع من العرفان بالجميل، وتقديراً واحتراماً لشخصه، وبدأت عملي بزيارات مكثفةٍ لكل المحافظات التي تحتفظ بمتاحفها بآثار "الرقة"، وقمنا بتنظيم قاعاته، وتنسيق عرض الآثار فيها، وكان من كبار الزوار الذين حضروا حفل التدشين، الدكتورة "نجاح العطار"، والفنان الكبير "دريد لحام"».

السيدة "شكران شرباتي" سائحة من "دمشق" قالت": «أنا من المهتمين الدائمين بالتراث والتاريخ، وزيارة الأماكن التراثية في سورية، لذلك كان من الضروري القدوم إلى الرقة وزيارة هذه السرايا العظيمة التي أدهشتني بتاريخها وعظمة بنائها، وسأدعو كل الذين أعرفهم للقدوم والتمتع بتاريخنا في كل أنحاء القطر وليس فقط في الرقة».

بهو المتحف

  • تم تحرير المادة بتاريخ 14/12/2008.
  • مكان المتحف من خريطة غوغل