تقع قرية "الحصيوة" على الضفة اليسرى لنهر "الفرات"، وتتميز بالألفة والترابط بين مكوناتها التي بنت بيوتها منذ أربعينيات القرن الماضي، متحديّةً الطبيعة والظروف وحرب الإرهاب التي اجتاحت "الرقة".

مدونةُ وطن "eSyria" بتاريخ 2 آب 2019، تواصلت مع المربي "إسماعيل العلي" أحد أبناء القرية ليحدثنا عن تاريخها، حيث يقول: «يعود تاريخ ظهورها إلى أربعينيات القرن الماضي، إذ لم يكن وقتها عدد بيوتها المبنية من الخيام والطين عدد أصابع اليد الواحدة، ويبلغ عدد سكانها حوالي 2500 نسمة، وتتميز عن غيرها من القرى المحيطة بها بأنّها تشكّل حاضنة اجتماعية دافئة لمعظم عشائر "الرقة"، لذا فسكانها يتعايشون مع بعضهم وكأنّهم أسرةً واحدةً، ويظهر ذلك جلياً أثناء المناسبات الاجتماعية سواء بالأفراح أو الأحزان، ثم تنامت القرية بشكل واضح، وخاصة بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، حيثُ تمّ تثبيت كل من كان يعمل بالأرض، وكان ذلك بعد ثورة الثامن من آذار عام 1963، وقد حدث تطوّرٌ نوعي بالنسية للبناء العمراني، وأصبحت كلّ بيوت القرية مبنية من الإسمنت والحديد، وقد امتد التوسع العمراني فيها، ووصل لأطراف المدينة من إحدى الجهات، وخلال الأزمة السورية استغل البعض الفوضى التي حدثت، فقام بإشادة البيوت بشكل عشوائي، ما أدى إلى تقلص مساحة الأراضي الزراعية التي كانت تحيط بالقرية من مختلف الجهات بشكل كبير، وقام معظم الذين تضررت بيوتهم في مدينة "الرقة" بشراء عقارات زراعية والبناء عليها على عجل هرباً من جوّ المدينة المخيف، والمهدد بالأخطار التي مرت على المدينة».

توسّعت قرية "الحصيوة" بشكل كبير بعد عام 2011 على حساب الأراضي الزراعية، وذلك بسبب الأزمة التي حلَّت، إذ وصل الإعمار إلى ضفة نهر "الفرات" جنوباً، وإلى قرية "الحليبين" شرقاً، ومع ذلك ظلَّت مثالاً للقرى التي يتعايش أهلها وكأنّهم أسرة واحدة، ويعتمد سكانها في تأمين احتياجاتهم على مدينة "الرقة"، وخاصة سوق مفرق "الجزرة" ومفرق "الحصيوة" المزدهرين، وبشكل عام تتوافر في القرية كل مستلزمات الحياة اليومية باستثناء الفرن، حيث يشكّل عدم وجوده بعض المعاناة للأهالي الذي يضطرون للذهاب إلى القرى المجاورة لتأمين مادة الخبز

ويضيف عن التسمية والحدود بالقول: «تقع غرب مدينة "الرقة" بخمسة كيلو مترات، وجنوب قرية "السباهية" بثلاثة كيلو مترات، وهي من ضمن الحدود الإدارية للمدينة، وخارج المخطط التنظيمي، وسميت بهذا الاسم لأنّ أرضها مُبْحِصة.

منظر من القرية

تجاور قرية "الحصيوة" من الشرق مباشرة شقيقتها التوءم قرية "الحليبين"، والذي يفصل بينهما فقط مصرف مائي لا يتجاوز عرضه عشرة أمتار، والذي ينتهي إلى نهر "الفرات"، وقد أقيم عليه جسر إسمنتي لتسهيل المرور إلى "الرقة"، وتتجلى بين القريتين التوءم أجمل أواصر المحبة والتفاعل والعلاقات الاجتماعية المبنية على الاحترام المتبادل، كما يربط القرية بمدينة "الرقة" طريقين زراعيين، وتعتمد في معيشتها على الزراعة وتربية الحيوان والتجارة، ويعمل عدد من أبنائها كموظفين في الدوائر الحكومية ومؤسسات الدولة، وتُعَدُّ كلّ الأراضي الزراعية لقرية "الحصيوة"، والتي تمّ تثبيتهم بها، أراضي أملاك دولة أي باسم الجمهورية العربية السورية أصلاً، وفي الجوانب الخدمية الأخرى تعتمد القرية في إنارتها على القطاع الخاص من أمبيرات بحدود العشر ساعات يومياً، كما قامت مؤسسة الاتصالات سابقاً بتخديمها ب 150 خط أرضي إلا أنها تعطلت جميعاً بسبب الحرب، ومن المواقع المهمة في القرية أُقيم إلى الغرب منها مباشرة على الضفة اليسرى للنهر أكبر محطة تصفية مياه في "سورية"، وعلى مساحة 25 هكتاراً، حيث بدأ العمل بها عام 1995 وكادت أَنْ تُشْرف على الانتهاء في عام 2012 لولا التدمير الممنهج الذي جعلها أثراً بعد عين، في القرية مدرسة ابتدائية يتجاوز عدد طلابها 300 طالب وطالبة، وتخرّج العديد من أبنائها من الجامعات السورية في مختلف الاختصاصات، ومنها نشأ وتعلَّم وعلَّم الشاعر الفراتي "محمد اسماعيل العمر" الذي حمل همَّ قريته ومدينته ووطنه في ثنايا أشعاره».

"محمد الحسين" مختار قرية "الحصيوة" عنها يقول: «توسّعت قرية "الحصيوة" بشكل كبير بعد عام 2011 على حساب الأراضي الزراعية، وذلك بسبب الأزمة التي حلَّت، إذ وصل الإعمار إلى ضفة نهر "الفرات" جنوباً، وإلى قرية "الحليبين" شرقاً، ومع ذلك ظلَّت مثالاً للقرى التي يتعايش أهلها وكأنّهم أسرة واحدة، ويعتمد سكانها في تأمين احتياجاتهم على مدينة "الرقة"، وخاصة سوق مفرق "الجزرة" ومفرق "الحصيوة" المزدهرين، وبشكل عام تتوافر في القرية كل مستلزمات الحياة اليومية باستثناء الفرن، حيث يشكّل عدم وجوده بعض المعاناة للأهالي الذي يضطرون للذهاب إلى القرى المجاورة لتأمين مادة الخبز».

المربي إسماعيل العلي

"زلخة العثمان" إحدى المعمرات من سكان القرية عن تأسيسها: «كنت من الأوائل الذين استقروا في هذه القرية، حيث كانت تتكون من عدة بيوت طينية سكنتها عوائل "الرشيد"، و"الحوري"، و"العثمان"، و"الناصر"، و"الفصيح"، وكانت هذه الأسر تعتاش على الزراعة البسيطة بمختلف أشكالها لتأمين الاحتياجات المعيشية، إضافة إلى تربية الماشية للاستفادة من لحومها وألبانها، لكن مع مرور الأيام توسعت القرية بازدياد عدد السكان وانضمام أبنائها إلى المدارس، وتنوعت المحاصيل الزراعية، وتوفرت فيها الخدمات من ماء وكهرباء وهاتف وطرق زراعية، ولموقعها أهمية كبيرة بسبب قربها من المدينة ونهر "الفرات"، وقد ساهم افتتاح مدرسة بالقرية في عملية استقرار الأهالي فيها، وأكثر ما يلفت النظر في القرية حالة الترابط والتواصل الاجتماعي بين مختلف العائلات، ووجود علاقات قوية من المحبة والتوافق بين تلك العوائل».