تعكس الأبنية الطينية في "الرقة" دلالات حضارية تنسجم مع روح العصر الذي أنشئت فيه، تتميز بجماليتها من حيث الشكل والتصميم، وقدرتها على الثبات والتعايش مع طبيعة البيئة المناخية في المحافظة.

موقعنا في 9/1/2012 التقى الأستاذ "محمد سرحان الأحمد" مدير الآثار في محافظة "الرقة" ليحدثنا عن هذه الأبنية قائلاً: «إن طبيعة المنطقة في محافظة "الرقة" هي التي ساعدت على البناء الطيني الذي امتاز بمواصفات عدة كتحمل قساوة المناخ في ظل تعاقب حضارات قامت في هذه المحافظة خصوصاً الحضارة العباسية».

إن لكل عصر تقنياته، حيث توجد أبنية مجففة بأشعة الشمس، بعد ذلك دخلت آلية الآجر المشوي داخل الأفران، إذ تكتسب الأبنية صلابة أكثر

يتابع "الأحمد": «إن طراز محافظة "الرقة" هو الطراز العباسي في إشادة الأبنية الطينية والتي تتميز بالأقواس والجملونات وعلى الأغلب من الآجر، الآن توجد القصور العباسية، حيث تقوم المديرية بترميمها والحفاظ عليها.

التنقيب في الأبنية الطينية

أما عن مرحلة الألف السابع قبل الميلاد فيقول الأستاذ "صالح النجم" اختصاص آثار في جامعة "حلب"، موظف في مديرية الآثار: «بداية الأبنية الطينية تعود إلى الألف السابع قبل الميلاد. بدأت عبارة عن أكواخ من صنع الطبيعة بدأ الإنسان تغطيتها بأوراق الشجر من الطبيعة، كانت البيوت تقام على أساسات حجرية من أجل رصانتها».

يضيف: «إن بعض البيوت الطينية في "الرقة" توجد على شكل دائري، لأنها تتبع معتقد ديني ومن أمثلة ذلك تل "المريبط" على الضفة اليسرى لنهر الفرات، بدأت بعد ذلك الأبنية المستطيلة في طور أكثر تقدماً مصطحبة معها تقنيات العصر الذي أنشئت فيه ومن أمثلة ذلك تل "أبو هريرة" على الضفة اليسرى لنهر الفرات، كما أن إحدى البعثات الفرنسية قد عملت فيه بإدارة "جاك كوفان" في ثلاثينيات القرن الماضي 1930».

قبل البناء

ويؤكد "النجم": «إن لكل عصر تقنياته، حيث توجد أبنية مجففة بأشعة الشمس، بعد ذلك دخلت آلية الآجر المشوي داخل الأفران، إذ تكتسب الأبنية صلابة أكثر».

عندما نرى اليوم ورشات للصناعة تحت سطح الأرض، وفوقها بيوت السكن نتذكر الشكل الهرمي للبناء الطيني إذ يقول: «تتألف البيوت الطينية من عدة طوابق، حيث في الطابق الأرضي توجد ورشات للصناعة، أما الطابق الأول فيستخدم من أجل الحاجات اليومية كما في تل "المن باقة" (أيكارتيه)، حيث تعود هذه الحضارة إلى عصور ما قبل الفخار ppme واستمر ذلك حتى بناء الطبقة الرابعة ppmp كما في تل "المريبط" على الضفة اليسرى لنهر الفرات».

في الرقة

كما التقى eRaqqa المواطن "عواد السباكة" وتم الحصول على معلومات عن كيفية تكوين المادة الطينية المعدة للبناء، فيقول: «يتم فيها إعداد المادة الطينية والتي تتألف من التراب الغضاري (الحري) وخلطة قليلة من الرمل في حوض مدة 24 ساعة، ثم تنقل لحوض لمدة تتراوح من 19 الى 20 ساعة، ويتم ترحيلها لصالة الصب، حيث يتم وضعها في قوالب خشبية على شكل لبنة التي تشبه في تصميمها بلوكة الأسمنت، ثم يتم تعريضها لأشعة الشمس لمدة أسبوع، بعد ذلك يتم وضعها في أفران من أجل حرقها مدة 16 ساعة من أجل متانتها وإعطائها جمالية أكثر».

ثم تخرج اللبنات الطينية من الفرن إلى أحواض ماء ويتم تغطيسها من 2\6 ساعات ومفاد ذلك إخراج الخلايا الكلسية وإكسابها رصانة، ثم تذهب للتخزين، في هذه المرحلة تضاهي اللبنة اللبنة المصنوعة من الأسمنت».

أما الأستاذ "محمد السرحان" فيقول: «لجنة التراث في مجلس المدينة هي الجهة المسؤولة عن حماية الأبنية الطينية والحفاظ عليها، من أجل الحفاظ على المنظر العام للمدينة، ومن أجل هذه الغاية تعطي المديرية بتوجيهات من الوزارة أهميه بالغة لهذا الموروث الحضاري الذي يقدم جمالية حضارية للوطن سورية، في معرض الحديث عن البناء الطيني، لابد من التطرق للأبنية الطينية التي تحتل مساحة من المحافظة».

الأستاذ "محمد سرحان الأحمد" يضيف: «تنتشر الأبنية الطينية السكنية في المنطقة الشمالية من المحافظة، وتتميز بجماليتها وقلة تكاليفها وسهولة صيانتها وتوافر المادة الأولية، ومن أجل التلاؤم والحفاظ على البيئة وخاصة في المزارع الصغيرة، فالبناء الطيني موروث حضاري يحافظ على الرقعة الزراعية والطراز القديم في آن واحد».

"صدام الداهوك" من مزرعة "الأسدية" يحدثنا عن متانة بيوت الطين بقوله: «لدينا ثلاث غرف من البناء الطيني إحداها تستخدم للضيافة، تمتاز بالبرودة في الصيف، لأنها تشكل مادة عازلة لأشعة الشمس، وبالدفء في الشتاء ذلك لأنها تمتص الرطوبة، كما أن الخلطة الطينية هنا تضاهي في صلابتها الأسمنت».

ويؤكد هذا الكلام السيد "محمود الحسن" ممتهن للعمار الطيني بقوله: «إن البناء الطيني ينتشر بشكل واسع في المحافظة، سواء فيما يتعلق بالثراء الحضاري أو فيما يتعلق بالتأهيل السكني نظراً لطبيعة المنطقة وظروف الحياة المعيشية لأبناء المحافظة كلها».