بجهده الدؤوب وشغفه بتراثه الفراتي، شيد دار التراث معلماً رقياً، لتصبح صرحاً تراثياً يجذب السائحين من كل صوب، وزاداً ثقافياً يغذي طلبة العلم في أبحاثهم العلمية الأكاديمية، بل أصبحت تضاهي أكثر الأماكن تراثاً في القطر.

يقول الباحث "حسن العدواني" مؤسس "دار التراث" في محافظة "الرقة": «كان يكفي الشاعر الراحل "محمود درويش" أن يرى لغته كلها مكتوبة على حبة القمح في "دمشق"؛ ونحن الرقيين يكفينا زيارة "دار التراث" في محافظة "الرقة، لنرى وجه درة الفرات جلياً.. بتاريخها العتيد وآثارها الآسرة، وفراتها المعطاء، ونضال رجالاتها الأحرار ضد الطامعين، وأدبها الزاخر، وحياة المجتمع الرقي البسيط، في مسكنه وملبسه والثري بخصاله الحميدة».

كان يكفي الشاعر الراحل "محمود درويش" أن يرى لغته كلها مكتوبة على حبة القمح في "دمشق"؛ ونحن الرقيين يكفينا زيارة "دار التراث" في محافظة "الرقة، لنرى وجه درة الفرات جلياً.. بتاريخها العتيد وآثارها الآسرة، وفراتها المعطاء، ونضال رجالاتها الأحرار ضد الطامعين، وأدبها الزاخر، وحياة المجتمع الرقي البسيط، في مسكنه وملبسه والثري بخصاله الحميدة

بهذه الرؤية المفعمة برائحة أجدادنا الأوائل والهوى التراثي الشفيف، تحدث لموقع eRaqqa بتاريخ 18/8/2011 الباحث "حسن العدواني" في "دار التراث" في حديقة "الرشيد" في محافظة "الرقة" وكان معه الحوار التالي:

من مقتنيات الدار

  • كل ما نراه في دار التراث من نفائس تراثية قديمة هو ثمرة جهدك الشخصي الدؤوب.. حدثنا عن هذه التجربة؟
  • ** أنا من أسرة فراتية تعشق تراثها الأصيل، وكان هاجسي وحلمي منذ زمن بعيد إنشاء قرية تراثية تكتنز تراث الأجداد القديم، كي لا يضيع وننساه في طيات الزمن، ويبقى رمزاً شاهداً على أصالة المجتمع الرقي القديم، أنشأت هذه الدار بالعمل الجاد والبحث المتواصل التي تحتوي على متاحف عدة، ومنها المتحف الزراعي، ومتحف الوثيقة والبادية، والمهن والصناعات الشعبية، ومتحفا الأواني المنزلية، والسكن الشعبي المبني من الطين والجص والخشب، وكل متحف من هذه المتاحف له تاريخ من التراث العريق وقصص وعبر لا تنتهي.

    الباحث حسن عساف العدواني

  • برأيك في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع، ما السبل الكفيلة التي تجعلنا نصون هذا التراث القيم ونحميه من الاندثار والضياع؟
  • ** التوثيق العلمي هو السبيل الأمثل لصون هذا الإرث النفيس، ونحن بدورنا قمنا بتوثيق شهداء "الرقة"، ووجهاء الثورات ضد الاحتلال، والصحف والمجلات الصادرة في المنطقة منذ صدورها في مجلدات عدة، توثيق نفائس الكتب الأدبية والعلمية القديمة والفراتية، التي تعد اليوم موئل طلبة العلم، وتوثيق وسائل الري القديمة مثل الدرارة والغراف ووسائل الحراثة البدائية القديمة وعربات النقل بالإضافة إلى توثيق الأماكن الأثرية وأوابدها.

    الدار من الداخل

    كما قمنا بتوثيق اللباس الشعبي والحلي والزينة والطيب عند الرجل والمرأة والطفل، وعادات المجتمع الرقي، ووسائل التوثيق المرئي والمسموع القديمة، مثل السينما والكاميرات والتلفاز وأشرطة الفيديو للأغاني الشعبية وتوثيق الطوابع والعملة القديمة، وهناك مخطوطات قديمة قيد التحقيق والتوثيق.

  • ثقافة التراث الرقي القديم تغيب مع تقدم الأجيال المتلاحقة.. ماذا يعني لك التراث بعد هذا الباع والخبرة والبحث الطويل؟
  • ** التراث هوية وثقافة مهما كان بسيطاً، وتراثنا الفراتي الإنساني وعلى الرغم من بساطته فهو غني بعظمته، وللأسف هناك من يسيء فهم التراث، ويعتبره لا يمت إلى الثقافة بصلة، وهذا بعيد عن المنطق والعلم، فالحضارة الإنسانية وتاريخها هو ما يتركه السلف للخلف، وأقول لهم يكفي المجتمع الغربي أن يظهر شيئاً ما ويقول إنه من مئة عام فقط ليتفاخر ويتباهى به أمام المحافل الإعلامية، وتقام من أجله الندوات والاحتفالات لهذا المكتشف الجديد.

  • قدمت العديد من النتاج الفكري في مجال التراث الفراتي ماذا تحدثنا عنه؟
  • ** في هذا الشأن دوّنت العديد من المؤلفات التراثية تقريباً تسعة كتب وأذكر منها: الفنون الشعبية في وادي الفرات الأوسط "الرقة"ـ الألعاب الشعبية وتناولت في نتاجي هذا ألعاب الفروسية وركوب الخيل. الخيول الأصيلة، أنسابها وأسماؤها وتمارينها وزينتها وأمراضهاـ الرماية رمي الرمح المبارزة ميادين السباق لعشائر أهل "الرقة" وأيضا مؤلف الأزياء الشعبية التراثية، لباس المرأة والرجل والطفل والحلي والزينة والطيب، والتشكيل الشعبي في الأزياء الشعبية الفراتية، الفن الفطري التطريز معتقدات في اللباس الشعبي.

    أما مؤلف الطب الشعبي فتحدثت فيه عن الرقة، وتاريخ الطب الشعبي وتطوره عند أهلها، والأطباء القدامى، وأمثال فراتية في الطب، وهناك العديد من الكتب مثل الأكلات الشعبية الفراتية، والأمثال الشعبية، وعبق الحضارات في درة الفرات..

  • ما طموحك المستقبلي والمعوقات التي تقف أمامك؟
  • ** بما أن التراث هويتنا كما دائماً أقول، طموحي أن تصبح دار التراث قرية تراثية سياحية من خلال زيادة مساحتها ودعمي، من قبل الجهات الحكومية من أجل تطويرها حتى تنافس محافظتنا باقي المحافظات على مستوى التراث والسياحة وتستحق بجدارة لقب "درة الفرات"، وأنا على المستوى الشخصي كُرمت عشرات المرات ومن مختلف المستويات.. ولكن هناك ثمّة معوقات كثيرة، منها غياب الدعم وقلّة موردي المادي. والدار تحتاج إلى صيانة وإصلاح وترميم من عام إلى آخر، فهي مبنية على أساس البيئة التراثية القديمة، وبالتالي معرضة للظروف الجوية السائدة.

    كما تعاني الدار كثرة السرقة من ضعاف الأنفس والجهلة، إذ لا يوجد حارس وتعيينه على نفقتي الخاصة يزيد عبئي المادي، وأتمنى في المستقبل القريب أن تصبح الدار قرية تراثية سياحية تطاول في بنيانها وسمعتها أصقاع العالم.

    كما تحدث الباحث "محمد العزو" لموقع "eRaqqa" عن تاريخ التطور العمراني قائلاً: «بشكل عام البيت أول نمط من أشكال العمارة في كافة الحضارات القديمة، ثم بعد ذلك بني المعبد لكن ظل البيت الريفي بمنأى بعيد عن البحوث الأثرية والدراسات الأكاديمية، ثم تطور البيت إلى شكل قصور وفي العصر المسيحي إلى شكل كنائس ومع ذلك ظل البيت الريفي بعيداً عن البحوث العلمية، والبيت كان قديماً له وظائف عدة منها السكنية والاجتماعية والاقتصادية يتمثل في المصانع كصناعة الزجاج والأسلحة والخرز وما شابه ذلك من صناعات خفيفة، وأيضاً الوظيفة الدينية، وقد استعمل كمعبد في الفترة الوثنية وكنائس في العصر المسيحي والمساجد في العصر الإسلامي وبعد انهيار العصر العربي الإسلامي وظهور العصر العثماني بنيت مساكن كثيرة في الأرياف.

    وفي الآونة الأخيرة ظهرت دراسات كثيرة في هذا المجال، ومن النمط المعماري الرقي البيت الريفي، أول بناء أخذ شكل قبة أو قباب، وكانت خاضعة لتطور تاريخي كبير، وظهرت البيوت والغرف المستطيلة، واستعملت مواد إنشائية لبناء البيوت من مواد مثل اللبن ثم الحجر ثم الآجر المحروق، وأول شكل ونموذج للبيت الريفي بني في الرقة في السنوات الأخيرة من القرن الماضي في البيت الرقي الذي يقع في الحديقة العامة بجانب قصر المحافظة، هذا البيت قام ببنائه مجلس المدينة ومديرية الآثار، واستعمل بيتاً للتراث المحلي أو الوطني، ثم بعد ذلك تحول إلى دار للتراث الرقي بإدارة الباحث "حسن عساف العدواني".

    والحقيقة البيت فيه مجموعه كبيرة من المعروضات الأثرية التي تعود إلى مئة سنة أو أكثر، ويحوي أيضاً مجموعة من اللوحات المصورة والكتب الموثقة القديمة».

    ويضيف "العزو" عن تجربة الباحث "حسن عساف العدواني" قائلا: «حاول الباحث تطوير هذا البيت وبذل جهداً كبيراً في هذا المجال وعمل نموذجاً يصور مدينة الرافقة، وهناك بيت الشعر الذي يعتبر النموذج الأول مع بيت القصب، الذي نسميه باللهجة الرقية "السيباط". هذا البيت أصبح قبلة للزوار في أنحاء القطر وموئل عدد كبير من السائحين الأجانب الذين يعملون في الحقل الأثري، وهناك محاولة جادة لتطويره، وأقيم في هذا البيت التراثي فعاليات ثقافية وتراثية واحتفالية كثيرة على المستوى الرسمي والمنظمات الشعبية والجمعيات الأهلية، لإبراز قيمة هذا التراث الهام الذي كاد ينسى ولكن هناك صرخات ومواقف جديدة للحفاظ عليه، لأنه كنز ثمين لمحافظة "الرقة" نأمل أن يكون هناك اهتمام في هذا البيت وأنا بدوري كباحث ومهتم بالتراث أبجل الأخ والزميل "حسن العساف" وأدعو له بالتوفيق المستمر في تطوير هذا البيت نحو مكانة أفضل وتطور دائم».