رغم الثورة الهائلة في مجال الطب في القرن الحادي والعشرين، باختصاصاته المتعددة ومن ضمنها الجراحة، إلا أن الكثير من الناس مازال يتهيب دخول غرفة العمليات، ويحسب لها ألف حساب، بل إن هناك من يكتب وصيته قبل دخوله إلى العملية. ترى كيف كان سيتصرف هؤلاء الناس لو عاد بهم الزمن بضع عقود إلى الوراء، واستقر بهم المقام في منطقة "الرقة"، واحتاجوا لأي إجراء جراحي؟ للتذكير فقط!! لم تعرف المنطقة أي مادة مخدرة في ذلك الزمان.

للحديث عن بدايات الجراحة في "الرقة" التقى موقع eRaqqa وبتاريخ (11/12/2010) الباحث "حسن عساف العدواني" مدير دار التراث في "الرقة"، الذي تحدث قائلاً: «لم تعرف منطقة "الرقة" الطب الحديث حتى أواسط القرن العشرين، وكان الناس قبل وحتى بعد هذا التاريخ، يعتمدون على الأطباء الشعبيين، والذين كانوا مشهورين جداً ولكلٍّ منهم اختصاصه، فهناك أطباء داخلية وعظمية وجراحة، وقد حدثني الكثير من كبار السن في "الرقة" عن الجراحة والجراحين قبل دخول الطب الحديث ووسائله المتطورة، بل أكد بعضهم أنه حضر بنفسه عمليات جراحية قام بها بعض الأطباء الشعبيين.

لم تعرف منطقة "الرقة" الطب الحديث حتى أواسط القرن العشرين، وكان الناس قبل وحتى بعد هذا التاريخ، يعتمدون على الأطباء الشعبيين، والذين كانوا مشهورين جداً ولكلٍّ منهم اختصاصه، فهناك أطباء داخلية وعظمية وجراحة، وقد حدثني الكثير من كبار السن في "الرقة" عن الجراحة والجراحين قبل دخول الطب الحديث ووسائله المتطورة، بل أكد بعضهم أنه حضر بنفسه عمليات جراحية قام بها بعض الأطباء الشعبيين. وقد كان من أشهر هؤلاء الأطباء الجراحين، الطبيب "علي الصران" من الغنام "المدلج"، والطبيب الشعبي "بتال الحمود" من "البوحميد" و"عبد الجبار الخلف"، وقد وصف لي أحدهم كيفية إجراء العمل الجراحي في بداية القرن العشرين، أي حوالي عام /1925/م، حيث يقول: "يأتي المصاب محمولاً على عباءة مستلقياً على ظهره ويوضع أمام الطبيب، فيشمر الطبيب عن ساعديه ويلف منديله "المحرمة" على فمه وأنفه، ويغرز طرفها بالعقال ـ كما يضع الجراحون اليوم الكمامات الطبية ـ ثم يغسل يديه، فإن كان الجرح لا يزال ينزف يضع عليه سائلاً لونه أصفر، وهو خليط من منقوع بعض النباتات والشَّبة والملح وغيرها فيتوقف النزف

وقد كان من أشهر هؤلاء الأطباء الجراحين، الطبيب "علي الصران" من الغنام "المدلج"، والطبيب الشعبي "بتال الحمود" من "البوحميد" و"عبد الجبار الخلف"، وقد وصف لي أحدهم كيفية إجراء العمل الجراحي في بداية القرن العشرين، أي حوالي عام /1925/م، حيث يقول: "يأتي المصاب محمولاً على عباءة مستلقياً على ظهره ويوضع أمام الطبيب، فيشمر الطبيب عن ساعديه ويلف منديله "المحرمة" على فمه وأنفه، ويغرز طرفها بالعقال ـ كما يضع الجراحون اليوم الكمامات الطبية ـ ثم يغسل يديه، فإن كان الجرح لا يزال ينزف يضع عليه سائلاً لونه أصفر، وهو خليط من منقوع بعض النباتات والشَّبة والملح وغيرها فيتوقف النزف».

الباحث حسن عساف العدواني

ولا توجد ـ طبعاً ـ أي مادة مخدرة أثناء الجراحة، فليس هناك "هالوثان" ولا "ليدوكائين"، فتخدير المريض كان يتم بطرق نفسية، وذلك بواسطة "الهلاهل" أي الزغاريد، حيث تجتمع النساء الجميلات ليزغردن فوق المريض المصاب، ويشجعنه على الصبر ومقاومة الألم وينعتنه بصفات البطولة والشجاعة، وبأنه "أخو هدلة" لا يهاب الموت، فلا يجد المسكين أمامه سوى أن يتحمل الألم الشديد اتقاءً للعار الذي سيلحقه أو يلحق أسرته إذا ما بدت عليه علامات الخوف والارتباك والتأوه، لذلك فقد كان يضع قطعة من القماش بين أسنانه أثناء إجراء العملية، ويعضُّ عليها بكل قوة، كي تساعده على استجماع قواه، والأهم من ذلك فإنها تحول دون انفلات صرخاته التي كانت بلا شك ستكون مدوية"».

ويضيف "العدواني" في السياق ذاته: «هذا هو المخدر الذي كان يتلقاه المريض أثناء العملية الجراحية، ولكنه بدلاً من أن يأخذه عن طريق الحقن أو الاستنشاق، فقد كان يتلقاه بأذنيه عن طريق السمع، ثم بعد أن يجري الجراح العملية يبدأ بخياطة الجرح، وبعد أن ينتهي من الخياطة يدهن الجرح بمادة كالمرهم، مصنوعة من الدبس الأسود والشبة بعد غليها على النار وتبريدها، وهذه المادة تمنع المضاعفات التي تصيب الجروح بعد العملية، وكان الجراح سابقاً يبقى إلى جانب مريضه حتى يتعافى، خاصة إذا كان الجرح بليغاً، ويعزله في ركن من البيت "بيت الشعر" أو "السيباط" ويمنعه من مخالطة الآخرين، كي لا ينقلوا إليه "الميكروبات"، ويسمون الحجر الصحي هذا "إحجال".

وقد كان يستعمل "الإحجال" كثيراً في حالة الأمراض المعدية، وهي طريقة سليمة تتماشى مع أحدث القواعد الصحية، وقد اتبعوا هذه الطريقة بشكل منتظم، وسرى قانونها بين العربان، فقد عرفوا بالفطرة أن بعض الأمراض تنتقل بالعدوى، ومن أشهر الشواهد على هذه العادة، ما حصل مع الشاعر "عبد الله الفاضل" عندما أصابه مرض الجدري، حيث هجره أهله وأفراد عشيرته، وتركوه وحيداً مع كلبه "شير"، وذلك خشية أن تنتقل عدوى مرضه لكامل أفراد العشيرة، وقد قال أشعاراً في ذلك، ما زالت تتداول إلى يومنا هذا:

هلك شالو على مكحول يا شير/ وخلولك عظام الحيل ياشيـر

يلو تبكي طول الدهر يا شير/ هلك شالو على حمص وحمـاه

هلي بالدار خلوني وشالـو/ وخلونـي جعـود بطـن شالـو

على حدب الظهور اليوم شالو/ وحايـل دونهم كور وسـراب».