يجد أهل "الرقة" في الشعر النبطي متنفساً لغويا لأحلامهم ومشاعرهم أكثر مما يجدون في الورق الأبيض، فسلاسة هذا الشعر الذي يستند إلى البحر البسيط، وسهولة حفظه من قبل النساء تجعله الأداة الأكثر استخداماً في الغزل والمديح والرثاء؛ وهذه أغراضه الثلاثة الأساسية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 تشرين الأول 2014، الشاعر الفراتي "محمد المضحي"، فتحدث عن الشعر النبطي في الفرات بالقول: «"الرقة" تلك المدينة المترامية الأطراف على ذاك النهر العظيم؛ جادت قريحة شعرائها بأنواع عديدة من الشعر النبطي الذي يقرضه بداوة العرب في جميع البوادي العربية، حافظت على عروبتها بكل ما احتوته من فنون وآداب، هو أصدق تعبير عن واقع الإنسان ومشاعره وحياته، وسبب تسميته "النبطي" لأن العرب استنبطوا هذا الشعر من لهجاتهم المحلية، ليعبروا عن مشاعرهم، وآمالهم، ومشكلاتهم، وأفراحهم وأحزانهم، وكل ما يدور حولهم، يقول أحد شعراء الشعر النبطي شاكياً غدر الزمان:

ومع أنه منظوم باللهجة المحكية إلا أنه يكثر فيه الاعتماد على مفردات فصيحة، والواقع أن الاختلاف الجوهري بينه وبين الشعر الفصيح يكمن في التخلي عن علامات الإعراب في أواخر الكلمات ونطق بعض الحروف، وليس في التراكيب والصرف والمفردات التي لا تزال تشبه الفصحى إلى حد كبير ويكتب الرقيون لوناً منه، ولا يتقيدون بقافية الشطر الأول: "علامَ تحيد عن دربي علام... أريد أنسى وأودعك بالسلامه أيا ذيب البـراري شبيـك ترزم... عجب مثلي اللي مضيعك فطامه"

"أويـل قلـبٍ مسـنو لواكيـع... من زغر سني الليالي غدرني

الباحث موسى الحومد

على غريرٍ كامل الزين ومطيـع... أبو عيونٍ بلحظهن يذبحنـي

شكرا الذويبة طول باعات اليبيع... مصبوغة الرجوان من غير بني

امدور الخدين بدر المطاليـــع... نجمــة الثريـا بجبينو أظني"».

ويضيف: «يكاد يكون الشعر النبطي امتداداً لشعر العرب في الجاهلية وشعر أهل البادية في صدر الإسلام، فيكثر فيه استخدام المقدمات الغزلية التي تؤدي بعد ذلك إلى موضوع القصيدة الرئيس من فخر أو مدح أو حكمة أو نصح، أو وصف، وبدرجة أقل، الهجاء، ويكون أكثر ما يشبه الشعر القديم حين يحكي عن مفاخر القبيلة وبطولات فرسانها ووقائعهم.

ويشير الباحث في التراث الفراتي "موسى الحومد" في كتابه "أحاديث على الهامش في الشعر الشعبي" بالقول: «الشعر النبطي الرقي هو وليد للشعر العربي الفصيح، وامتداد له ولا يختلف عنه إلا بحركات الإعراب وسلامة اللفظ وهو همسات للسمار، وأهازيج للفتيات الشدية، وعبرات العشاق الملوعة، وذكر لصفات الأعيان ووصف العيون ومحاسن الحسناوات مجمع الحكم والمواعظ، وينتهي الشعر النبطي على الأغلب بالحكمة كقولهم:

"ما صاح حادي العيس وسط البساتين... ولا رد لله هيجيج الذود فلاح"».

ويتابع: «تأثر بهذا الشعر عدد من شعراء "الرقة"، وكتبوا على منواله مثل: "حسين العلي العصمان، محمود الذخيرة، محمد الذخيرة، أحمد القريقط، علي الكلاح، خلف الكريدي"، والقصيدة البدوية المعاصرة كالقصيدة العربية القديمة، تبدأ بالغزل القليل البسيط المؤثر، ثم تنتقل إلى وصف الإبل والصحراء، فتطيل في ذلك لتصل إلى غرضها من مدح أو فخر، وغيرها من فنون الشعر.

ويقول "عبد الله بن خميس" في قصيدة الخوارد التي يقول في مطلعها:

"يا خوارد بي موارد بير زمزم... دالعات دلوع والمجول شفوف

محمرات مضمرات بلون عندم... يا عذاب صبي حواف يحوف

يا غزال جوذري قلبي صويب... من طلق عينين تصيب الما يصاب

من ضنا عناز من فرع نجيب... وايليه معصمه بعال النساب

يا عيون صادفتني عالقليب... كالرشا بالقرب مفتول الهداب"».

ويشير الشاعر "خالد الحسين" بالقول: «والشعر النبطي هو الشعر العامي الشعبي باللهجة الدارجة، لغته جميلة وألفاظه رقيقة وأسلوبه واضح، له أوزانه وفنونه الخاصة، يراعي الشعر النبطي الأنماط التقليدية للشعر من حيث الشكل العمودي والالتزام بقافية واحدة على طول القصيدة، كما يستخدم ذات الأوزان العروضية المستخدمة في الشعر الفصيح أو أوزان أخرى مشتقة منها، كما تضيف الكثير من القصائد النبطية المتأخرة قيداً إضافياً وهو الالتزام بقافية واحدة للشطر الأول من كل بيت وليس الشطر الثاني فقط كما في الشعر الفصيح، ويطلب أحد شعراء "الرقة" أن يوقدوا النار ويتوسل إليهم ألا يحرقوا تلك الشجيرة التي تحمل اسم الحبيب:

"حطم حطب على النار عودان... سمي الترف لا توجدونه"».

ويضيف: «ومع أنه منظوم باللهجة المحكية إلا أنه يكثر فيه الاعتماد على مفردات فصيحة، والواقع أن الاختلاف الجوهري بينه وبين الشعر الفصيح يكمن في التخلي عن علامات الإعراب في أواخر الكلمات ونطق بعض الحروف، وليس في التراكيب والصرف والمفردات التي لا تزال تشبه الفصحى إلى حد كبير ويكتب الرقيون لوناً منه، ولا يتقيدون بقافية الشطر الأول:

"علامَ تحيد عن دربي علام... أريد أنسى وأودعك بالسلامه

أيا ذيب البـراري شبيـك ترزم... عجب مثلي اللي مضيعك فطامه"».