تعد "الموليا الفراتية" أبرز ألوان الشعر الغنائي في وادي "الفرات"، وتكتب على البحر البسيط، وتنظم بأربعة أشطر، الأشطر الثلاثة الأولى موحدة القافية، أما الشطر الرابع فيختتم بياء مشددة وهاء متروكة.

وتعود تسمية هذا النوع من الشعر "الفراتي" حسب الروايات إما إلى نسبتها إلى أهل "واسط" في عهد الأمويين، أو أن أصل التسمية يعود إلى العصابة التي يشد بها الرأس أو ما يعرف في وادي الفرات "الهباري"، أو بسبب غياب اللغة بعد تعرض منطقة "الفرات" إلى الغزو المغولي ودمارها، ثم تعرضها إلى الغزو العثماني ما جعل التعليم يقتصر على المصادر الدينية حيث أصبح الشعر غائباً ويقتصر على الحداء والأغاني الشعبية، وهذا ما أدى إلى ابتكار "الموليا".

إذا ما وضعنا أصل التسمية جانباً ونظرنا إلى بيت "الموليا" ذي الأشطر الأربعة نجده كتب بشكلين، الأول: وهو الشكل التقليدي لبيت "الموليا" أي البيت الإفرادي الذي ورد ذكره آنفاً كقول الشاعر: "يا سايجين الضعن بالله تعيجونـــوا / معكم حبيب القلب محد خطم دونه لقعد على المنهـلة الكل يـوم تردونوا / وارجاك يابو زلف لـــــــمن تجي ليّـه". حيث بدت فيه الأشطر الثلاثة الأولى موحدة القافية، فقد ختم الشاعر الشطر الأول بكلمة "تعيجونوا"، والشطر الثاني بـ "دونو"، والثالث بـ "تردونوا" بينما اختتم الشطر الرابع بـ "ليّه"، وهو مخير بالروي الذي يريده في الأشطر الثلاثة الأولى، شريطة أن تكون موحدة إلا أنه ملزم باستخدام الياء المشددة والهاء المتروكة في نهاية الشطر الرابع، وعلى الأغلب تستخدم الكلمات التالية في نهاية الشطر الرابع (بنيّه – بيّه – جمريّه – عليّه – بريّه - شرقيّه – ميّه)، لكونها الأقرب إلى لفظ "الموليّــا"

وفي كتاب "شعراء الموليا في القرن العشرين" تابعت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 27/10/2013 ما كتبه الباحث "محمد الموسى الحومد" حيث كتب في مؤلفه: «إذا ما وضعنا أصل التسمية جانباً ونظرنا إلى بيت "الموليا" ذي الأشطر الأربعة نجده كتب بشكلين، الأول: وهو الشكل التقليدي لبيت "الموليا" أي البيت الإفرادي الذي ورد ذكره آنفاً كقول الشاعر:

الشاعر "محمود الذخيرة"

"يا سايجين الضعن بالله تعيجونـــوا / معكم حبيب القلب محد خطم دونه

لقعد على المنهـلة الكل يـوم تردونوا / وارجاك يابو زلف لـــــــمن تجي ليّـه".

حيث بدت فيه الأشطر الثلاثة الأولى موحدة القافية، فقد ختم الشاعر الشطر الأول بكلمة "تعيجونوا"، والشطر الثاني بـ "دونو"، والثالث بـ "تردونوا" بينما اختتم الشطر الرابع بـ "ليّه"، وهو مخير بالروي الذي يريده في الأشطر الثلاثة الأولى، شريطة أن تكون موحدة إلا أنه ملزم باستخدام الياء المشددة والهاء المتروكة في نهاية الشطر الرابع، وعلى الأغلب تستخدم الكلمات التالية في نهاية الشطر الرابع (بنيّه – بيّه – جمريّه – عليّه – بريّه - شرقيّه – ميّه)، لكونها الأقرب إلى لفظ "الموليّــا"».

وكتب أيضاً: «الشكل الثاني: ويسمى المِصْرَع بكسر الميم، وتسكين الصاد، وفتح الراء، وتستخدم هذه الكلمة للدلالة على التماثل والتوازن، وهي مأخوذة من حمل البعير، أو الدابة، حيث يتوازن ويتماثل الحمل حتى لا يتداعى، وهو أي المصرع أبيات إفرادية متتالية، ثلاثة أشطر موحدة الروي، وشطر رابع مقفل بياء مشددة، وهاء متروكة، ثم ثلاثة أخرى موحدة الروي، وشطر رابع مقفل بياء مشددة، وهاء متروكة، وهكذا لتبدو كالسلسلة المترابطة، يلتزم خلالها الشاعر في بدء بيته الثاني بالكلمات الأولى من الشطر الرابع الذي يسبقه، وهكذا فالثالث والرابع حتى اختتام القصيدة- إن جاز التعبير- كقول الشاعر "علي الكلاح":

"لي سار نجم السما تيسر وساري / أمشي واخف بالجدم وآخذ باليساري

ليّ حبيبٍ مـــــــــضى اسمه باليساري / يــــــــــهلن دموعــــي على لــــــذة معانيـــّـــه

يهلن دموعي بقيت أندب على حالي / سريت وأصبحت أنا بسعون وجبال

شكيت أمرٍ جرى لمدبر الحالــي / يشيب راســي عـــــــــــــــلى فراق الــــــــــــــرداحيّة

يشيب راسي رماني الدهر وغثاني / عالريمة الغيرنا ما باســـــــــــــــمت ثانـي

همي مقنطر يا خلي والسعد فاني / ســـيف مجوهر رماني الدهر عاريّـه"».

ثم أضاف في كتابه: «يعتبر "المصرع" النموذج المطور من "الموليّا"، حيث يلجأ إليه الشعراء عندما لا يتسع البيت الواحد لأفكارهم التي يريدون قولها، ومن أشهر الشعراء الذين أجادوا في نظمه "محمود الذخيرة" في قصيدته "الرعدة"، و"زيد الهويدي" في قصيدة "الفرز" و"علي الكلاح" في قصيدته آنفة الذكر.

ونحن بصدد الحديث عن شكل "الموليّا" لابد أن نشير إلى أن بعض الشعراء نظموا القصيدة الهجائية من "الموليّا"، وهي القصيدة التي تتكون من ثمانية وعشرين بيتاً، وهي تنظم مسلسلة وفق الأحرف الهجائية، ومن الشعراء الذين اهتموا بهذا الجانب الشاعر "فصيح الملا أحمد"، و"عبد الرحيم الشويمي" ونظموا على منواله، حيث يذكر الحرف المراد البدء به، ثم يأتي الشاعر بكلمة أولها ذات الحرف كقول الشاعر:

"الواو ولــــــف الجهل اليـــــــوم لاحـــــــــولي / ما لقى تواصيفها يمهم ولاحولي

نذرٍ يلو يحق لي زريف الطول لاحولي / سبع مراحل خلا ما أذوق أنا الميّه".

وبذلك تبدو الثياب التي ترتديها "الموليّا" زاهية ومزركشة بلون الحب، وشكل النسيم وقسمات "الفرات" الذي يسري ماؤه في عروقنا نحن أبناءه ومحبيه.

الشاعر"محمود الذخيرة" الذي عرفته "الرقة" شاعراً شفافاً، وباحثاً دؤوباً، وهو ابن الشاعر "محمد الذخيرة"، "سيد الموليّا الرقية" الذي عرفه أهل "الرقة" باسم (حليله)، وهو ناظم القصيدة الوطنية التي يرددها أهل "الرقة"، التي يقول في مطلعها:

"ثريّا باش خيّم عالشــــــــــريعة / يريــــــــد بلادنا غصــــب عن أهلنّا

ذبحنا عسكرو واليــــــــــوز باش / وطواجيـــــــــهم كـــــــورد الـــــــدودحنّا

ما بين زعيج والرقـــــــــة السمرا / بان الـــــــــــفارس المـــــــــــــنهم ومــــــنّا

إحنا أبطال والــــــــــــــتاريخ يشهد / إحــــــــنا العـرب مانعطــــي وطنّــــا

أهل شيمة وحشيمة وأهل عفة / وأهل ناموس من جدنا لا هلنّا".

برع الشاعر "محمود الذخيرة" في نظم لون "النايل"، وساهم في ازدهاره في مدينة "الرقة"، وقد عاضده في ذلك معاصرته للمطرب الشعبي "حسين الحسن"، الذي كان منبراً إعلامياً في شعره، حيث ساهم في نقله إلى عشاق الأغنية الشعبية.

أما في لون "الموليّا" فقد حاول أن يجاري نظم والده، إلاّ أنه لم يتمكن من ذلك، لما كان يمتلك الأول من براعة في القدرة على النظم، ومع أنني أرى أن الشاعر "محمود الذخيرة"، هو الذي نظم أروع بيت في لون "الموليّا"– حسب اعتقادي– الذي يقول فيه:

"يعقوب حزنه انقضى حزني عليهم دوم / قـلبي شبه العنس أهفت ولدها روم

بكيت بحرقة قلب لمن الجفن ورّم / وأنت طبيب تعرف ما كان بي شيّه".

لم تقتصر موهبة "محمود الذخيرة" على الشعر فحسب، بل إنه كان باحثاً دؤوباً أيضاً، كما ذكرت آنفاً، وقد ساعدته في ذلك بيئته الشعرية، التي عاش فيها، حيث كان والده مرجعاً للشعر الشعبي، ومحكماً للمساجلات الشعرية التي تجري بين شعراء "الرقة" و"الجزيرة" السورية، فحفظ عنه الكثير من الشعر، والكثير من الحكايات والروايات التي قام بتدوينها في مخطوطات بدأت في الآونة الأخيرة تدخل إلى المكتبة العربية، حيث صدر له مؤخراً كتاب تحت عنوان "أهل الرقة"، الجزء الأول– الناحية البشرية- عن دار "الفرقد" للطباعة والنشر في "دمشق"، الذي نقل به ما اكتنز في صدره من معلومات يحتاج إليها الكاتب والشاعر والقاص والصحفي، ومازالت قريحته تجود علينا شعراً، الشعر الذي يحمل عبق "الفرات" وقوتها (ديرة هلي تزرع عساكر) ولون الأمل وبريق نجومه المشعة.

المراجع:

1ـ "الشعر الشعبي الرقي بين الأصالة والتقليد"، مخطوط للمؤلف "محمد الموسى الحومد".

2ـ "شعراء الموليا في القرن العشرين"، "محمد الموسى الحومد"، دار "الغدير"، "السلمية" عام 2000.

  • تم تحرير المادة بتاريخ 15/4/2009.