يعتبر الشعر "النبطي" من أقدم وأهم أنواع الشعر الشعبي، فبداياته تعود إلى قرون عديدة، وهو الأقرب في أوزانه وتركيبه وحتى لغته، إلى الشعر العمودي، من أي شعر شعبي آخر، وفي محافظة "الرقة"، يلقى هذا النوع من الشعر انتشاراً واسعاً، واهتماماً من قبل الباحثين والمهتمين بقضايا الشعر.

موقع eRaqqa وبتاريخ (27/2/2009) التقى الشاعر "إبراهيم الأحمد الشمطي"، الذي يعتبر من المهتمين بدراسة الشعر "النبطي"، ولديه محاضرات بهذا الخصوص، وبسؤاله عن الحقيقة التاريخية للشعر "النبطي"، وأصل التسمية، تحدث قائلاً: «ذهب كثيرٌ من الأدباء والباحثين إلى أن هناك عدة أسباب تدعو لوصف الشعر النبطي بالشعر العامي، كما نعتوه بالشعر البدوي، فهو عاميٌّ لتخلص لغته في كثير من الأحيان من بعض الأمور التي تلتزمها الفصحى.

اشتهر هذا النوع من الشعر أولاً في بادية الخليج العربي والجزيرة العربية وامتدادها من اليمن حتى العراق، ثم بادية الشام وتشمل سورية وفلسطين والأردن، وهو يتواجد في بادية "سيناء" وبادية "السودان" و"هناء" وبادية المغرب العربي آخر محطة لهجرة "بني هلال"، وهناك قبائل عربية هاجرت إلى بلاد "فارس" فشكلت "عربستان" وأخرى هاجرت إلى "الحبشة" وتركيا وروسيا واستقرت هناك وما زالت تحتفظ بتراثها الأدبي

أما سبب وصفه بالشعر البدوي، فيعود لسببين: الأول هو أن لهجته ومفرداته هي نفسها التي يستخدمها البدو في حياتهم اليومية، والتي تبتعد كثيراً عن اللغة العربية الفصحى، أما السبب الثاني فلأن معظم الشعراء النبطيين من أهل البادية.

الشاعر "إبراهيم الأحمد الشمطي" في منتدى الأديبة "فوزية المرعي"

أما عن أصل كلمة "نبطي" وسبب تسميته، فهناك عدة آراء، ونستطيع إيجازها بما يلي: الرأي الأول يقول إنه سمي "نبطي" نسبة إلى أن أول من قاله هم عرب يسكنون وادياً اسمه "نبطا أو نبطي"، وهذا الوادي يقع ناحية "المدينة المنورة" قرب "حوراء"، وهذا القول غير صحيح، كون الأماكن في الغالب تكتسب أسماء ساكنيها وليس العكس، فمثلاً وادي "الدواسر" يعود اسمه لقبيلة "الدواسر" التي حلت به أولاً فحمل اسمها.

والرأي الثاني يقول إنه سمي كذلك نسبة إلى الأنباط، وهم من العرب، وقد نزلوا بالبطاح بين العراقيين ويعرفون باسم "الأنباط" وهذا هو شعرهم نظراً لقرب اسم "الأنباط" من الشعر "النبطي"، لكن هذا الرأي غير سليم، لأن أول ظهور لهذا النوع من الشعر كان في الجزيرة العربية، وعلى فرض صحة هذا الرأي، فأين شعراؤهم وشعرهم؟ ثم إن المرجع التاريخي الوحيد الذي ذكر هذا الشعر، هو كتاب مقدمة "ابن خلدون" والذي وصفه بالشعر البدوي، ولم يرد ذكر "للأنباط".

العرضة التي تبعث الحماس تردد قبل المعركة

وهناك رأي آخر يُرجع أصل الشعر "النبطي" إلى الفعل استنبط أي استحدث، وأن القبائل العربية أثناء هجراتها واستقرارها في أماكن جديدة استنبطوا لهجة قريبة من لغتهم الأصلية الفصحى، أما الرأي الراجح فهو الذي يرى أن الشعر "النبطي" يرجع إلى قبيلة "بني هلال"، هذه القبيلة العربية والمشهورة بأنها من أكبر القبائل، والتي عرفنا تاريخها من خلال الأساطير والسيَر الشعبية كسيرة "أبو زيد الهلالي" و"سرحان" و"الجازية".

وقد هاجرت هذه القبيلة من موطنها الأصلي جزيرة العرب إلى بلاد الشام ثم فلسطين ومصر وتونس والمغرب العربي، حيث هاجرت عن بكرة أبيها، وانتشر شعرهم المعروف بشعر "بني هلال"، وهو الشعر "النبطي" الذي عرفناه بـ"الهلالي"، ولو سئل عازف "الربابة" عن "الربابة" لقال من غير تردد أنها جدة "هلالية"، وهذا يؤكد أن "الهلاليين" هم أول من استنبطوا الشعر "النبطي" وغنوه بالربابة، وأصبح يربط بها بين قِصَرِ البيت وطوله، وحسب نغمة الوتر الواحد بالربابة».

البدو في بداية وصولهم إلى الرقة

ويحدثنا "الشمطي" عن أقسام الشعر "النبطي" وميزاته، والمصطلحات الخاصة به، والبحور الشعرية التي ينظم عليها، حيث يقول: «الشعر "النبطي" يقسم إلى قسمين: الأول، الشعر المنظوم، أو "الديواني": وهو الشعر الذي ينظمه الشاعر متى أراد ولا يخضع لإلزام خارجي، ولا يتصف بالارتجال ولهذا الشعر بحور عديدة وأوزان كثيرة.

أما الثاني، الشعر المرتجل، أو "الميداني"، أو شعر "القلطة": وهو الذي يرتجله الشاعر بنفس الوقت الذي يغنيه "الطاروق" حيث يتقابل شاعران ويبدأ أحدهما ببيت من لحن معين ويغنيه "الشيَّالة" حتى يتسنى للشاعر الآخر تأليف الرد بدوره فيجيبه بنفس الوزن والقافية والمعنى، وسميَّ بشعر "الميدان" لأنه وليد اللحظة لا إعداد فيه ولا تكلُّف.

أما ميزاته فأهمها هي العفوية والمباشرة، فهناك بساطة في الأسلوب وطريقة التعبير، ومن أهم المصطلحات المستخدمة في الشعر "النبطي" هي: "القفل" ويعني عجز البيت أي الشطر الثاني، و"المِشَدْ" ويعني صدر البيت، و"الطَرَق" ويعني البحر الشعري أو "الطرق الهلالي"، و"الطاروق" وهو يعني اللحن، و"القارعة" وتعني القافية وجمعها قوارع، و"القاف" ويعني البيت الكامل. ويطلق على القصيدة كلها.

و"الراحلة" وتعني القريحة أو مقدرة الشاعر على نظم الشعر، و"الإحضار"، أي الارتجال وتطلق على شاعر "القلطة"، و"الارداق"، أي قال الشاعر بيتاً، ولم ينتظر وأردف بيتاً آخر، و"الشوطار" أي أن القصيدة مشطورة لعدم تسلسل الأفكار، وهذا يعني ضعفها، و"الديونه" غناء الشاعر لقصيدة على لحن بحرها، و"نشيدة" وتعني قصيدة، و"الملعبة" ميدان "القلطة" أي بدء الغناء، و"محجوز" يستعمل هذا الاصطلاح "للقلطة" فقط، ويقال اللعب محجوز، أي لكل واحد الحق بقول بيتين من الشعر، و"مطرود" فيقال اللعب مطرود، أي بيت يطرد بيتاً، و"الفنل" إبهام المعنى أو إخفاؤه، و"النقض" عكس "الفنل" وتعني فك الإبهام وإظهار المعنى الحقيقي، "قاصود" شاعر "الدحَّه"، "رادود"، وهو الشخص الذي يرد على شاعر "الدحَّه"، "حوراني" القصيدة "الحورانية"، أي القصيدة المكسورة التي لا تتبع بحراً، "بيطار" وهو الشاعر المتمكن، ويذكر أن الشيخ "مجحم ابن مهيد" لقب الشاعر الرقي "علي الكلاح" بـ"بيطار القصيد".

أما البحور الشعرية المستخدمة في الشعر "النبطي" فتقسم إلى قسمين: البحور الأصلية والبحور المبتكرة، أما الأصلية فهي: "الهلالي" وهو من أقدم البحور، و"الصخري" نسبة لقبيلة "بني صخر"، و"الحداء"، ويمارسه البدو عند حداء الإبل، و"المربوع" و"القلطة" وهو نظم ارتجالي، و"الرَّجد" وينظم عليه أهل شمال الجزيرة العربية، والبحور المبتكرة هي: "المسحوب" مشتق من البحر "الهلالي"، و"الهجيني"، و"السامري" و"الفنون" و"العرضة" وتغنى عليه القصائد الحماسية، و"الجناس"، و"الزهيري"».

ويضيف "الشمطي" متحدثاً عن أماكن تواجد الشعر "النبطي" بقوله: «اشتهر هذا النوع من الشعر أولاً في بادية الخليج العربي والجزيرة العربية وامتدادها من اليمن حتى العراق، ثم بادية الشام وتشمل سورية وفلسطين والأردن، وهو يتواجد في بادية "سيناء" وبادية "السودان" و"هناء" وبادية المغرب العربي آخر محطة لهجرة "بني هلال"، وهناك قبائل عربية هاجرت إلى بلاد "فارس" فشكلت "عربستان" وأخرى هاجرت إلى "الحبشة" وتركيا وروسيا واستقرت هناك وما زالت تحتفظ بتراثها الأدبي».