«مازلت أذكر أخي الأكبر "مصطفى"، وهو يحتضن آلة "البزق" في المنزل، يعزف عليها العديد من الألحان الجميلة، التي كانت تسحرني دون أن أعرف عنها شيئاً، كان ذلك عندما كنت في سن السادسة، واستمر الأمر كذلك سنوات طويلة....

أخذت فيها دور المستمع، ولم أحاول الاقتراب من أي آلة موسيقية، حتى بعد أن أهداني أخي آلة "الغيتار" التي أحضرها معه من "دمشق" عام /1997/م، حيث بقيت معلقة على الجدار ثلاث سنوات، تخللتها عدة محاولات للعزف، انتهت جميعها بالفشل، لتكون البداية الفعلية في صيف عام /2001/م».

مدينة "الرقة" من المدن السورية الفتية، ولم تكن الموسيقا ـ بمعناها الحديث ـ معروفة فيها لعقود كثيرة، حيث أن الآلات الموسيقية والعزف عليها، لم تظهر بوادره، إلا في فترة الستينيات من القرن المنصرم، وعلى مستوى بسيط جداً، وبقيت الأمور تسير على هذا المنوال حتى وقت متأخر. وللأسف فإن الساحة الموسيقية إلى يومنا هذا تعاني من ضحالة واضحة، سواء لجهة عدد الموسيقيين أو النتاج الفني، بالرغم من استحداث قسم الموسيقا التابع لمعهد إعداد المدرسين في "الرقة" عام /1998/م، الذي يخرج سنوياً عشرات الطلاب، الذين لم يرفدوا الساحة الموسيقية الرقيَّة بأي شيء يذكر حتى تاريخه. وأنا متفائل جداً بهؤلاء الأطفال الموهوبين الذين بلغ عددهم العشرات، ممن يتابعون تعلم العزف على الآلات الموسيقية في بعض المعاهد في المدينة، فهم المستقبل الحقيقي الذين يمكن أن نراهن عليه

هذا ما قاله عازف "الغيتار" "نصر الدين زيدان"، الطالب في كلية الموسيقى بـ"حمص"، لموقع eRaqqa في معرض حديثه عن بداياته الموسيقية الأولى، حيث يتابع قائلاً: «في صيف عام /2001/م، عزمت على تعلم العزف على آلة "الغيتار"، وبدأت البحث عن معلم لهذه الآلة، ولم يكن في مدينة "الرقة" يومها سوى عازف "الغيتار" ومؤسس معهد "أورنينا" الموسيقي، الفنان "مصطفى الأبكع" الذي أخذت عنده العديد من دروس العزف العملية، كالتآلفات الموسيقية أو "الأكوردات"، وبعض الأغاني والمقطوعات الموسيقية، ثم تابعت تعلم العزف بنفسي معتمداً على بعض المراجع والكتب والتمارين المكثفة.

الدراسة النظرية لا تقل أهمية عن التمارين العملية

وفي عام /2004/م، سافرت إلى مدينة "حلب" لمتابعة دراسة الموسيقا بشكل أكاديمي، وبالفعل فقد درست على يد العازف "عيسى شاهين"، حيث تعرفت من خلاله على الموسيقا النظرية، كقراءة التدوين الموسيقي والتآلفات الموسيقية التي تحتاج لمهارة عالية.

وفي عام /2005/م، وأثناء تأديتي لخدمة العلم في مدينة "حمص"، تعرفت هناك على البروفيسور "جعفر عبد العظيم"، صاحب الفضل الأكبر في تعلمي للموسيقى، والذي يعتبر من أهم عازفي آلة "الغيتار" في سورية، كيف لا؟ وهو الذي اختص بدراسة هذه الآلة في ألمانيا. حيث درست آلة "الغيتار" لديه دراسة أكاديمية حقيقية، كان الهدف منها هو تأهيلي للتقدم لامتحان القبول في كلية الموسيقا في مدينة "حمص"، من خلال الدروس المكثفة التي كنت أتلقاها والتمارين الشاقة التي كان يكلفني بتنفيذها.

زيدان وحوار موسيقي مع الفنان مصطفى الابكع

وبفضل من الله تمكنت من اجتياز امتحان القبول في كلية الموسيقى عام /2008/م، لأكون بذلك أول موسيقي من مدينة "الرقة" يدرس هذه الآلة بشكل أكاديمي، بالإضافة لآلة "البيانو"، وقد بقيت أتردد إلى البروفيسور "جعفر" إلى أن وافته المنية منذ حوالي شهرين عن عمر يناهز /87/ عاماً. رحمه الله، لن أنسى فضله عليَّ ما حييت».

وبسؤاله عن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها بعد تخرجه من كلية الموسيقا، يقول: «ما يزال الوقت مبكراً للحديث عن هذه الأهداف، فلم يمضِ على وجودي في هذه الكلية سوى سنتان، لكنني أستطيع القول، أن تعليم آلة "الغيتار" لأكبر عدد من محبي الموسيقا في مدينتي، هو من الأهداف الأولية التي أسعى إلى تحقيقها، خاصة وأن هذه الآلة من الآلات الأقل رواجاً بين موسيقيي "الرقة"، إذا ما قورنت بآلة "العود" أو "الكمان" أو "الأورغ"، حيث أن عدد الأشخاص الذين يعزفون عليها لا يتجاوز ـ في أفضل الأحوال ـ عدد أصابع اليد الواحدة.

كما أن لدي رغبة كبيرة بتأسيس أو المشاركة بتأسيس فرقة موسيقية أكاديمية، في مدينة "الرقة"، خاصة مع وجود أكثر من عازف، جميعهم يدرسون الموسيقا بشكل أكاديمي أو شبه أكاديمي، ويجيدون العزف على آلات متنوعة، وهذا ما كانت تفتقر إليه "الرقة" على مدى سنوات طويلة، لذلك لم نكن نرى أو نسمع سوى بالفرق الموسيقية الشعبية، التي لا ترقَ بأي حال من الأحوال لمستوى إحياء أمسيات موسيقية على خشبة المسرح».

ويحدثنا "زيدان" عن واقع الموسيقا في السنوات الأخيرة في مدينة "الرقة"، حيث يقول: «مدينة "الرقة" من المدن السورية الفتية، ولم تكن الموسيقا ـ بمعناها الحديث ـ معروفة فيها لعقود كثيرة، حيث أن الآلات الموسيقية والعزف عليها، لم تظهر بوادره، إلا في فترة الستينيات من القرن المنصرم، وعلى مستوى بسيط جداً، وبقيت الأمور تسير على هذا المنوال حتى وقت متأخر.

وللأسف فإن الساحة الموسيقية إلى يومنا هذا تعاني من ضحالة واضحة، سواء لجهة عدد الموسيقيين أو النتاج الفني، بالرغم من استحداث قسم الموسيقا التابع لمعهد إعداد المدرسين في "الرقة" عام /1998/م، الذي يخرج سنوياً عشرات الطلاب، الذين لم يرفدوا الساحة الموسيقية الرقيَّة بأي شيء يذكر حتى تاريخه. وأنا متفائل جداً بهؤلاء الأطفال الموهوبين الذين بلغ عددهم العشرات، ممن يتابعون تعلم العزف على الآلات الموسيقية في بعض المعاهد في المدينة، فهم المستقبل الحقيقي الذين يمكن أن نراهن عليه».