استطاعت المرأة الرقيّة أن تؤكد على تحقيق مقولة المرأة الفاعلة في المجتمع، رغم ما مرّت به، وعاشته من أيام مرّة كانت فيها ترزح تحت وطأة بعض المفاهيم والتقاليد، التي تقيّدها، وتحدّ من تطلعاتها وطموحاتها.. و"خولة الحسين" ابنة "الرقة" هي إحدى النساء اللواتي خرجن عن صمتهن المرتهن لهذه التقاليد.

وللحديث عن هذه المرأة القيادية، والمهندسة الناجحة، والوقوف على شخصيتها، ومعرفة النجاحات التي حققتها في مناحي الحياة كافة، التقى موقع eRaqqa المهندسة "خولة الحسين" التي تحدثت قائلة: «أنا من مواليد مدينة "الرقة" التي تفيء على شاطئ نهر الفرات، حيث بساطة عيش الأهل وطيبتهم في التعامل مع الآخرين، ولدت في أسرة مكوّنة من عشرة أشخاص، عشت فيها وترعرعت في كنفها، من أب عامل بسيط، وأم ربة منزل مثالية، وهذه الأسرة جزء من ذلك المجتمع، لكنها مسكونة بالأمل، رغم ما يقوله واقع الحال الذي يضع الذكر أولاً قبل الأنثى، ولكن بالرؤية السليمة للوقائع المستقبلية، استطاع والديّ على الرغم من محدودية إمكانياتهما أن يكسرا القيود المرسومة من قبل المجتمع، وكانا دائماً السند والمشجع الأول في سبيل تحقيق طموحاتي منذ أن وطأت قدماي المدرسة في الصف الأول، لكني لم أخيب ظنهما، وأملهما، فكنت الأولى في صفي في كل المراحل الدراسية.

إن وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم، وأستطيع القول هنا بالذات لقد كان لزوجي الدور الأكبر في صقل شخصيتي، وتشجيعه لي في كل الليالي نحو مزيد من العمل المتواصل لإبراز دوري الإيجابي في المجتمع، وكان دائماً الدليل الصائب في كل خطوة أو عمل أقوم به، كما كان عندما تفتر إرادتي في عملي يشد عزيمتي، كما أنني قد استفدت من زوجي الخبرة الحياتية

ومن القدر أن تحول علامة واحدة فقط بيني وبين دخول كلية الصيدلة، الحلم الذي كان يراودني منذ نعومة أظفاري، لكن هل يتوقف الزمن عند هذا الحلم؟ وبرأيي أن أمام عزيمة الإنسان وتصميمه لا يوجد مستحيل مهما بلغت الصعوبات، وأمام هذا المعطى الجديد الذي بدّل مسيرة حياتي دخلت كلية الهندسة الكهربائية بجامعة "حلب"، وشكل اختياري لهندسة الكهرباء تحدياً كبيراً لكل ما هو عقبة أو صعوبة في طريقي، وعزمت بجدية لسلوك أصعب الطرق في سبيل تحقيق التميز والتفوق في حياتي المستقبلية».

الحسين في اجتماع مجلس المحافظة

وتتابع "الحسين" في السياق ذاته، قائلة: «في كلية الهندسة كنت من الأوائل، وتخرجت منها بامتياز، وتابعت دراستي العليا، وبعد تخرجي عُينت في شركة كهرباء "الرقة"، وكنت المهندسة الوحيدة في مجتمع ذكوري يبلغ عدد العاملين فيه حوالي /1000/ عامل، ومجرد تعييني في هذه البيئة يعتبر تحدياً آخر لقدراتي، لذلك تعيّن علّي دراسة كل خطوة أخطوها في مجال العمل بدقة كبيرة، وبدراسة متأنية استطعت في فترة وجيزة أن أتميز عن أقراني من المهندسين بمردود العمل الذي أنجزه، وقد ترجمت طاقتي وقدرتي إلى حقيقة من خلال ما قدمته من أعمال متميزة جعلت اسمي يتردد في الوسط الاجتماعي لمدينة "الرقة". وعندما وصلت إلى المكتب التنفيذي، وضعت نصب عيني أن هذه النقطة هي البداية التي يجب أن أنطلق منها إلى تحقيق رسالة أعم وأشمل في مضمونها، وأن أقدم كل ما هو مفيد لوطني وأبناء بلدي، بكل معرفة ودراية بعيداً عن حب الذات والأنانية».

وحول الأسباب التي جعلت من "خولة الحسين" شخصية متميزة علمياً واجتماعياً، تتحدى العراقيل التي يضعها المجتمع الذكوري أمامها، تحدثت قائلة: «الله خلق الإنسان تتجاذبه قوتان، قوة الخير وقوة الشر، فإذا غلبت إحداهما على الأخرى أصبح الإنسان أسيراً لها، إن قدري جعلني في بيئة تحمل كل المتناقضات فيها تقاليد وعادات قاسية جداً، وخاصة إذا كان الأمر متعلقاً بالأنثى، وأقول بصراحة إن الظلم الذي وقع على والدتي وغيرها من بنات جنسها. جعلني طاقة متجددة أبدد كل أسى وهم من أكبر قلب رؤوم عرفته، إنها والدتي التي عاشت وحيدة أسيرة للشجون والمآسي من ذوي القربة، كما أني كنت أرصد كل حركة، وكل نفس لوالدي بعيون تملؤها الدموع وهو يصارع شظف العيش وقسوة الحياة.

خولة الحسين في مكتبها

نعم صحيح أنني امرأة لكني أمتلك إرادتي وعزيمتي وقدرتي العقلية وشهادتي، أستطيع أن أنجز ما عجز عنه الكثيرون في مجال عملي على الأقل، ويقول العرب إن أول الغيث قطرة، كما لكل واحد منا بيئة خاصة له يتلقى فيها تربيته وتنشئته، ألا وهي الأسرة أو البيت، الذي هو الحاضنة، والذي يرسخ في المرء المبادئ المثالية أو العكس، ودعيني أقول بصراحة وصدق بعيداً عن التكلف، وأرجو أن لا يفهم ما سأقوله شخص بعينه بل بحالة عامة يجب أن نسلط الضوء عليها.

أقول: إنني قدمت نفسي وكلي أمل في النجاح في مجتمعي، وبأني أنموذج، أو حالة للمرأة في بيئتي المنطقة الشرقية، خلافاً لبعض النماذج التي تقدم في أي مفصل من المفاصل، ونتساءل كيف ذلك، إن الراسخ في المجتمع والمتعارف عليه عندما تشغل امرأة أي وظيفة كانت، فإنه يتبادر إلى الذهن أول وهلة بأنها تشغل المكان فقط، أو بمعنى آخر تكملة عدد، وكيف عندما يأتي ذِكر امرأة في المنطقة الشرقية، وبالتحديد في محافظة "الرقة" كيف يكون التقييم والميزان طبعاً ليس كل النساء؟.

ومن هذا المفصل بالتحديد أردت أن أشكل حالة جديدة، وأن أتغلب بعون الله على كل ما هو عائق يقف حائلاً بيني وبين التميز، وذلك عن طريق الصدق في العمل، والمتابعة، والعمل الدؤوب، والبحث عن كل وسيلة، وما هو جديد لكي أغني خبرتي ومعرفتي في مجال عملي، والحمد لله قد أنجزت الكثير من الأعمال الميدانية والمكتبية، وأقول إن مقدار النجاح الذي نسعى إليه، يقاس برقم الإنجاز، لأن الرقم صادق وحقيقة، ولا يقبل الكذب، والنجاح والتميز الميزان الحقيقي والعادل للناس اللذين تقدم لهم خدمة من خلال المرفق الذي تكون فيه، هذا الأمر جعل الآخرين حذرين بالتعامل مع هذا الأنموذج الجديد من النساء اللواتي شعارهن (لا راحة حتى ينجز العمل الذي كلفت به بكل مهارة ودقة وحرفية عالية)».

وعن دور الرجل في حياتها، تقول "الحسين": «إن وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم، وأستطيع القول هنا بالذات لقد كان لزوجي الدور الأكبر في صقل شخصيتي، وتشجيعه لي في كل الليالي نحو مزيد من العمل المتواصل لإبراز دوري الإيجابي في المجتمع، وكان دائماً الدليل الصائب في كل خطوة أو عمل أقوم به، كما كان عندما تفتر إرادتي في عملي يشد عزيمتي، كما أنني قد استفدت من زوجي الخبرة الحياتية».

أما عن تنسيقها وتوفيقها بين حياتها في الوظيفة، والبيت، وذاتها، تقول "الحسين": «لقد كنت وما أزال أعتبر أن الوقت مقدس، ويجب علينا أن نستغل كل لحظة فيه، بما هو مفيد وإيجابي، الوظيفة وعالمها الخاص بها لها وقت محدد، وإن كان هذا الوقت قد يطول أغلب الأحيان، فلابد أن أستغل كل لحظة تمر كي أنجز أكبر رقماً من الأعمال، وحياتي المنزلية وخصوصيتها لها وقت محدد، ولها عالمها الخاص التي يجب أن يكرس فيها لأنني أم ومربية أجيال، وعلى ضوء ذلك استطعت بعون الله أن يكون أولادي من المتفوقين في مدارسهم وأخلاقهم، أما حياتي الذاتية وبصراحة أقولها لقد نذرت وقتي لوظيفتي وبيتي».

وعما تسعى للوصول إليه في المستقبل، تقول "الحسين": «من الطبيعي أن الإنسان له طموح وأن هذا الطموح لا يكون له بُعد كبير، وأقول لازلت في البداية أتعلم، وأكافح، وأسعى بكل ما أملك لكي أستفيد من التجارب والخبرات التي تساعدني في حياتي الوظيفية، وبالمقابل لازلت طالبة علم أسعى أيضاً بكل حواسي، وبكل ما أوتيت من قوة لكي أصل، وأحصل على ما هو جديد، ومهما حصل الإنسان من علم يبقى بحاجة إلى المعارف والعلوم التي ليس لها نهاية».