رغم أن غربته لم تتجاوز الاثنا عشر عاماً إلا أنه استطاع أن يسجل حضوراً لافتاً في غربته، إن كان على صعيد عمله في مجال التعليم، أو من حيث تواصله مع الوطن في مجال الكتابة عبر صفحات "الانترنت"، أو الصحف السورية، استطاع أن يبني أسرة هناك في مغتربه، وأن يسهم في تعليم إخوته، وتحسين وضع عائلته المعيشي.

ابن "الرقة" "محمد العمر"، تواصل معه موقع eRaqqa عبر "الإنترنت" بتاريخ 12/5/2011، وسجل مسيرة حياته في بلاد الغربة، ورصد التطورات التي عاشها لحظة بلحظة.

صدق إيمان الشخص يتجلى في مدى حبه وإخلاصه لوطنه، والغربة تصقل محبة المغترب لوطنه وتنقيه من أي شائبة قد تشوبه، والوطن هو بمثابة الأم للمغترب والأم خصوصاً حينما يكون الإنسان في الغربة تزداد مكانتها رفعة وسموّاً حتى تصل إلى درجة القداسة، وكذلك الوطن لا تعدله حتى الروح وهي أغلى ما يملك الإنسان وهذه الروح تكون رخيصة حينما يناديها

يقول: «الصدفة وحدها لعبت دوراً في سفري إلى الخارج، ففي عام /1998/م تم إيفادي من قبل وزارة التربية إلى جامعة "حلب" للحصول على دبلوم التأهيل التربوي، حيث أقمت في "حلب" عاماً كاملاً، وفي نهاية هذا العام اتصل بي أحد الأصدقاء، الفنان التشكيلي "حسن حمام" لزيارة مدينة "دمشق"، وأثناء تلك الزيارة التقيت مع مبعوث سعودي يسعى للتعاقد مع مدرسين للعمل في القطاع التربوي في السعودية.

مع طلابه في مدينة الرياض

من محاسن الصدف أن ابن عمي ورفيق رحلة العمر الطبيب البيطري "محمود كعود العمر" تعاقد بنفس الوقت للعمل في السعودية وما هي إلا أيام إلا ونحن معاً في مركب واحد يقلنا إلى السعودية حيث بدأت رحلة الغربة في 24/8/1999م.

عملت في السعودية في مجال الإدارة التربوية (مدرس ومراقب ووكيل ومشرف) في مؤسسة أهلية هي "دار العقل للتربية والتعليم"، تشمل مجموعة مدارس في أحياء عدة من مدينة "الرياض" ولا زلت على رأس عملي حتى تاريخه.

محمد العمر مع ولديه

خلال تواجدي في "الرياض" تعرفت على أهل زوجتي وهم من بيت "ارشيد" من مدينة "البوكمال"، حيث تم الزواج بحمد الله في عام /2001/م، رزقني الله بعدها بأربعة أبناء، والحمد لله أديت فريضة الحج خمس مرات، وكذلك أداء العمرة لعشرات المرات».

وعن السوري في بلاد المغترب، يقول "العمر": «لا أعتقد أن أي شخص في سورية قرر الهجرة والاغتراب إلا لأسباب أجبرته على ذلك، وعلى رأسها العامل الاقتصادي، حيث لم يتحقق له الهامش المناسب لتأمين العيش الكريم له ولأسرته أو لإثبات ذاته وإفراغ كل ما لديه من طاقات وإمكانات، وخصوصاً إذا كان من الكفاءات وأصحاب الشهادات العليا، والإنسان السوري عموماً شخص عملي ومنتج ومتميز في أخلاقه وطاقاته الإبداعية، إضافة إلى النفس القومي في الشخصية السورية، والذي يترك بصماته العروبية الأصيلة في كل محفل يرتاده، وهناك الكثير من الأمثلة الرائعة التي جسدت هذه المفاهيم هنا على الساحة الخليجية على سبيل المثال لا الحصر».

العمر في مكتبه بالرياض

وحول علاقته بالكتابة، وعلاقتها بعمله، يقول: «الكتابة بالنسبة لي هي متنفس مهم أركن إليه حين يتوفر وقت الفراغ، وأنا أهوى الكتابة وأمارسها من باب الهواية منذ أيام الجامعة، حيث نشرت مقالات عدة في جريدة "البعث"، ثم في جريدة "الجماهير" في "حلب"، وبعد انتقالي إلى السعودية أمارس الكتابة بشكل شبه متواصل في مدونات ومنتديات عدة خليجية وعربية، يغلب عليها الطابع الفكري السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومؤخراً بدأت المشاركة في المواقع الإلكترونية السورية الرصينة والتي تهتم خصوصاً بمحافظة "الرقة"، بالطبع لم أستند على الكتابة يوماً في تحصيل الرزق أو الحصول على مردود مادي معين، زيادة على ذلك مشاغل العمل المتشعبة، ومشاغل الحياة اليومية والعائلية تأخذ الحيّز الأكبر من وقتي، وهذا ما يؤثر حكماً على نتاجي في مجال الكتابة. ولي العديد من النشرات والمطويات التربوية والأعمال الحاسوبية المتعلقة بعملي بشكل مباشر في الميدان التربوي التعليمي والإداري والتي تعكس ما يتراكم لدي من خبرات أكتسبها يومياً من العمل الميداني، والحمد لله قد تم تكريمي على مستوى منطقة "الرياض" التعليمية أكثر من مرة لجهودي المتنوعة في مجال التربية والتعليم».

وعن الإضافة التي يحققها المغترب لوطنه، وأين يحققها في الغربة أم في مشاريع في الوطن؟ يقول: «من الطبيعي ونحن في عصر اختصرت فيه المسافات وتقلصت الفوارق إلى حد بعيد، وأصبحنا نعيش وكأننا متجاورين في حي واحد أن يبقى المغترب في حالة تواصل مستمرة مع أهله وذويه ومحيطه الاجتماعي، ومع عموم وطنه، واطلاعه على كافة الأخبار المنشورة بوسائل الاتصال والإعلام المتنوعة وهذا ما يجعله في حالة التصاق وجداني وواقعي بوطنه وهذا ما يُمكّن المغترب من تقديم إضافات عديدة لوطنه بحسب صفة تركز اهتماماته ونشاطاته، فكرياً وثقافياً واقتصادياً، ولعل الجانب الاقتصادي يتجلى من خلال مساهمات المغترب في إنعاش وتحسين المستوى الاقتصادي والمعيشي لأسرته وأهله وهذا ما ينعكس على الساحة المحلية الوطنية اقتصادياً. أما عن المشاريع في الوطن فهذا أمر قائم لاشك إن في السابق أو لاحقاً حين العودة لأرض الوطن إن شاء الله».

وحول العنوان العريض للوطن وماذا يشكل من قيمة لديه، يقول "العمر": «صدق إيمان الشخص يتجلى في مدى حبه وإخلاصه لوطنه، والغربة تصقل محبة المغترب لوطنه وتنقيه من أي شائبة قد تشوبه، والوطن هو بمثابة الأم للمغترب والأم خصوصاً حينما يكون الإنسان في الغربة تزداد مكانتها رفعة وسموّاً حتى تصل إلى درجة القداسة، وكذلك الوطن لا تعدله حتى الروح وهي أغلى ما يملك الإنسان وهذه الروح تكون رخيصة حينما يناديها».

وعن مساوئ الغربة، يقول: «فراق الوطن ومرابع الأهل والأصدقاء والأحبة وابتعاد المغترب عن الحراك الاجتماعي لمحيطه وانفصاله عنه عموماً واضطراره للتكيف مع محيط اجتماعي جديد ربما يكون من الصعب جداً التسليم بأن المرء قادر على الانسجام التام والتواؤم الكامل معه حتى لو بذل الجهد من أجل هذا كما هي عليه الحال في الخليج العربي رغم أنه مجتمع عربي ومسلم، إضافة لضغوطات العمل والمهنة، وسرعة انتشار الشيب في المغترب حتى لو كان المغترب في السن شاب، ونشوء الأطفال وهم غرباء بالولادة عن وطنهم الأصلي وأهلهم وذويهم وأحبائهم».

يذكر أن "محمد العمر" من مواليد قرية "صخرة محمد العمر" شمال مدينة "الرقة" بنحو /60/كم، درس في قريته، ثم تابع دراسته الإعدادية والثانوية في مدينة "الرقة"، وحصل على شهادة الإجازة في "التاريخ" عام /1994/ جامعة "دمشق"، ثم دبلوم الدراسات العليا في عام /1996/.