رسم الكاريكاتير والبورتريه على وجه التحديد حالة مميزة يعيشها منذ اللحظة الأولى لاشتعال الفكرة في رأسه، وتبلغ ذروة جماليتها في اللحظة التي يولد فيها رسمه مولوداً مباركاً من الجميع على صفحة المطبوعة التي يتعامل معها، يتفرس في الوجوه يطالع حاضرها ويرحل بها نحو المستقبل حيث يقرأ بلغته الخاصة كل تفاصيلها، ليقول في نهاية المطاف كلمته التي وإن كانت تبدو مضحكة إلا أنها تحمل من الأسرار الكثير...

إنه الفنان ورسام الكاريكاتير "نبيل أبو نبوت" الذي حاوره موقع eSyria فكانت البداية بالتعريف عن نفسه فقال: «أنا من مواليد "الرقة" سنة 1967 درست فيها الابتدائية والإعدادية، أما الثانوية فكانت في محافظة "درعا"، أنتمي لأسرة مثقفة ومتعلمة ففي الوقت الذي كان والدي من خريجي الدفعة الأولى لمدرسة المساحة في "دمشق" ووالدتي من خريجي الدفعة الأولى بدار المعلمين في "دير الزور" كانت بقعة التعليم ماتزال ضيقة في المحافظة ولا يتلقاها إلا القليل، انتمائي لأسرة مثقفة كان له دور كبير في تكوين شخصيتي وفي دخولي كلية الفنون الجميلة سنة 1988 والتي تخرجت فيها سنة 1994 قسم الاتصالات البصرية بعد أن قدمت دراسة بعنوان "نظرة في الأدب والفن السوري" تناولت فيها مجموعة من الشخصيات المعروفة على الساحة الفنية والأدبية في سورية، ومنهم المخرج "مصطفى العقاد" والفنان "صباح فخري"، والشاعر "نزار قباني"، والكاتب "حنا مينه" والكاتبة "غادة السمان" والفنان "نهاد قلعي" الذين انطلقت معهم في كاريكاتير البورتريه».

لم أتأثر بفنان معين، ولكن عند ممارستي لفن كاريكاتير البورتريه كنت أتابع مجموعة من الرسامين الأمريكيين الذين ينشرون صحيفة "التايمز" و"النيوز ويك" وعربياً كنت معجباً بالفنان "حسن الإدلبي" الذي أبهرني بوصوله للشيء المميز في الصورة وكيفية إظهاره بشكل بسيط، وهذا ينم عن براعة خالية من التعقيد

مراحل ومحطات كثيرة عرفها هذا المشوار فكيف كانت البدايات وما أهم المحطات هو الأمر الذي يلخصه الفنان "أبو نبوت" بقوله: «بدأت العمل في مجلة "جيش الشعب" أثناء تأدية الخدمة العسكرية والتي اكتسبت من خلال عملي فيها الكثير من المهارات المتعلقة بالإخراج الفني، عملت بعدها في مجلة "فنون" وكنت أول من يعمل بورتريه وجه فيها وخلال هذه الفترة عملت في صحيفة "تشرين" ضمن زاوية بعنوان "هكذا قالوا" وكانت هذه الفترة هي الأجمل والتي عرفني الناس فيها، ثم عملت في مجلة "تشرين" وكانت أول مجلة سياسية تصدر في سورية، انتقلت بعدها للعمل في مجال الدعاية في المملكة العربية السعودية، وبعد عودتي عملت في مجال الديكور الذي كان بعيدا جدا عن الكاريكاتير الذي بدأ يصبح مشروعاً فردياً إلى أن اتجهت إلى صحيفة "الموقف الرياضي"، لاشك أنه خلال هذه المسيرة كان هناك أشخاص قدموا لي الدعم والمساندة منهم الأستاذ "ياسر عبد ربه" والذي كان رئيس تحرير مجلة "الشهر" والأستاذ "وضاح عبد ربه" وأيضاً الأستاذ "علي عبد الكريم"، والآن هناك العديد من الخيارات ولكني أبحث عن الفرصة المناسبة».

الفنان نبيل أبو نبوت مع اعماله

ثمة معنى لفن الكاريكاتير عند الفنان "أبو نبوت" وهناك رسالة يود إيصالها من خلال رسوماته أمر أوضحه بقوله: «بالنسبة لي الكاريكاتير هو حاضر ومستقبل وذلك من خلال الشخصية أو الوجه الذي أتعامل معه، والذي أسعى من خلال تفاصيله إلى قراءة مستقبلها وما الذي يمكن أن يفعله الزمن مع هذه الشخصية، ما أتمناه بما أقدمه أن أنقل للجميع الوجه الحقيقي لهذا الفن وهو يتلخص بمقولة: "أن الكاريكاتير هو فن العبقرية وليس فن السخرية والتشويه"».

أجواء وحالات خاصة يعيشها الفنان يستحضر فيها كل الإمكانات لتكون النتيجة شيئاً من الإبداع، هذه الحالات التي يعيشها "أبو نبوت" يقول عنها: «يحتاج الكاريكاتير مثل أي فن آخر إلى استحضار الجو الملائم وأنا لا أقصد هنا المرسم والأدوات، وإنما أعني الاستعداد النفسي والروحي فهناك حالة لابد أن يعيشها الفنان لا يتم العمل دونها، مثل هذه الحالة التي أعيشها كلما أردت الرسم كفيلة بإخراجي عن كل شيء إلا مشروع الرسم الذي أقوم به، وهي لا تنتهي إلا بانتهائه ونيل الرضا عليه وذلك بعد استقصاء الآراء والتي دائما ما تكون زوجتي هي أول من أبادر بأخذ رأيها وبعد موافقة الجهة أو الشخصية المعنية بالكاريكاتير، أعتبر أني أنجزت عملي».

الفنان سليم صبري بريشة أبو نبوت

بين الإضافة والتشويه يتراوح الأثر الذي تتركه التكنولوجيا في كل مجال، فكيف يراها "نبيل أبو نبوت" في الكاريكاتير؟: «قدمت التكنولوجيا لهذا الفن الكثير من التسهيلات التي كنا نجد صعوبة بالقيام بها قبل وجودها، ولكن وإن بدأنا نرى بعض البرامج الجاهزة التي تمكن بعض الأشخاص من استخدامها لتقديم أعمال كاريكاتيرية إلا أنها تأتي في نهاية المطاف دون المستوى المطلوب لأن من يقدم مثل هذه الأعمال لا يملك الحس الفني ولا رؤيا الفنان، ومن هنا يأتي الاستخدام الأسوأ لهذه البرامج الذي ينجم عنه التشويه والإساءة لهذا الفن، مع وجود التقنية انقسم العاملون في هذا المجال بين معارض لاستخدامها مفضلاً البقاء على الأدوات التقليدية ومنهم من أخذ بها وأنا مع هذا الفريق، فبالمواءمة بين فن تكنيك اللوحة التقليدي وتقنية الحاسوب الكثير من الإمتاع، وقد ساعدت على الإظهار البصري الجذاب والرؤيا الفنية التي تحتاج إلى فنان من أجل إبرازها».

وعن خصوصية فنان الكاريكاتير يقول "نبيل أبو نبوت": «فنان الكاريكاتير هو دائما في حالة حلم وبحث دائم عن شيء ما لا يبدو للآخرين، يسعى دوماً لاكتشافه وهي حالة مستمرة لا تنام وقد توقظ صاحبها من النوم ليجد نفسه في حالة ذهنية عجيبة وفي حالة تجميع لأطراف وعناصر فكرة ظهرت فجأة قد تبدو هذه الحالة صعبة إلا أنها جميلة وهو ما يجده الفنان عند نهاية عمله».

المواطن

بعد النظر من أمضى الأسلحة التي يدخل فيها الفنان هذا الميدان وبالحديث عن أهم أدوات فنان الكاريكاتير يقول "أبو نبوت": «يجب على فنان الكاريكاتير أن يتمتع ببعد البصيرة وهذا الأمر الذي قد نجده عند جميع الفنانين إلا أنه عند فنان الكاريكاتير يتحول حاجة ملحة عليه أن يواجه بها موضوعه وتكمن الصعوبة لديه بأن عليه أن يحول المبكي إلى مضحك وبأبسط الوسائل وبشكل مباشر حينا وحينا من بين السطور، وكذلك فإن الناحية السيكولوجية مهمة لفنان الكاريكاتير وهي مزيج من علوم عديدة تشمل علم النفس والتربية وعلوم ما وراء الطبيعة، لأن المطلوب من فنان الكاريكاتير سبر أغوار المجتمع والشخصية التي يتعامل معها وذلك أن الكاريكاتير يرفض الفن من أجل الفن».

وعن أهم الشخصيات التي تأثر بها يقول: «لم أتأثر بفنان معين، ولكن عند ممارستي لفن كاريكاتير البورتريه كنت أتابع مجموعة من الرسامين الأمريكيين الذين ينشرون صحيفة "التايمز" و"النيوز ويك" وعربياً كنت معجباً بالفنان "حسن الإدلبي" الذي أبهرني بوصوله للشيء المميز في الصورة وكيفية إظهاره بشكل بسيط، وهذا ينم عن براعة خالية من التعقيد».

الفنان التشكيلي "حسين الأكراد" يقول عن الفنان "نبيل أبو نبوت": «"نبيل أبو نبوت" فنان مختص بالاتصالات البصرية ورسم الكاريكاتير وخاصة البورتريهات بأسلوب جميل وهو يميل إلى النقد الاجتماعي، أمر لاحظناه في أعماله التي تابعناها في الصحف الرسمية، لاشك أنه فنان مبدع وموهوب من خلال رسوماته التي تعبر عن شخصيته، يتميز بخطوطه وألوانه وأشيائه التي يحاول أن يرسمها ويجسدها في مواضيع اجتماعية ناقدة».

الفنان التشكيلي "عبد السلام عبود" يقول: «لاشك أن الفنان "نبيل أبو نبوت" هو من الفنانين المبدعين والمميزين في فن الكاريكاتير ولاسيما كاريكاتير البورتريه الذي يختص به، ما يميزه أنه لا يركز على الشكل الخارجي فقط وإنما يبحر في أعماق الشخصية ويستطيع بحسه العالي أن يبرز ما لديها من صفات ولاسيما الصفات النفسية، وهو شيء ينم عن مهارة ورؤيا فنية عالية لديه».