«عشت مرحلة الطفولة في بيئة فقيرة في مدينة "الرقة"، ودفعتني هذه الحالة للبحث عن فرصة للعمل مبكراً لتغطية نفقات تعليمي، والاعتماد على نفسي، والسعي لبناء شخصية عصامية، تؤسس لمستقبل جيد، وهكذا قيض لي العمل في مكتب سفريات "الشرق"، وهو المكتب الوحيد الذي يصل "الرقة" بالعالم الخارجي، منذ بداية خمسينيات القرن العشرين».

هكذا يبدأ حديثه بتاريخ (2/9/2009) لموقع eRaqqa السيد "فياض محمد البادي"، المدرس في إمارة "أبو ظبي" بدولة الإمارات العربية الشقيقة، والمغترب هناك منذ عام /1985/.

العمل هو قيمة الإنسان وجوهره، ومنذ صغري، أدركت أن للعمل قيمة كبرى، فقد وجهني والداي نحوه مبكراً، وشعرت بأهمية المال في تأمين التوازن للإنسان، على أن لا يكون عبداً له، بل يسخره في مصالحه ومقاصده الإنسانية، وكوني من بيئة فقيرة، وأحمل شهادة جامعية، فقد كان لدي طموحات كبيرة في بناء نفسي، وتكوين أسرة مثالية، تتوفر لها شرط العيش الكريم، وأمام إحساسي بأن وجودي في "الرقة"، لا يمكن أن يحقق لي هذه المعادلة، حصلت على فرصة السفر، والعمل في الإمارات، حيث استطعت خلال فترة وجيزة من بناء أسرة، وفقني الله بالزواج من الجامعية "سهير محمد هشام"، التي كانت نعم الرفيق طيلة هذه السنوات

ويتابع "البادي" حديثه قائلاً: «في "الرقة" كانت ولادتي في عام /1953/، ومنذ عام /1965/، كان لي شرف توصيل الأمانات الواردة إلى مكتب "الشرق"، من "حلب"، و"دير الزور"، و"دمشق" بواسطة الدراجة العادية، التي جمعت ثمنها، بعد أن بقيت عدّة شهور أوصل الأمانات على كتفي، وكانت الجرائد والمجلات من جملة الأمانات التي أوصلها إلى مكتبة "بورسعيد"، التي كانت مسؤولة عن توزيعها في عموم المحافظة.

البادي يتصفح موقع الرقة

العمل في مكتب السفريات، وفّر لي فرصة التعرف على العالم الخارجي، أولاً من خلال المسافرين، وأحاديثهم عن المدن الكبرى، ثم من خلال الجرائد والمجلات، التي كنت أستعيرها من المكتبة، إضافة لتعرفي على "الحاج دعيس"، أحد المسؤولين عن مكتب السفريات، والذي احتضنني، واعتبرني أحد أولاده، وركز في توجيهي نحو العلم، وتعلّم الأخلاق الفاضلة، وحب العمل، والأمانة، وبقي يدعمني مع أهلي إلى أن توجت طموحاتي بدخول الجامعة».

في جامعة "دمشق"، كانت محطتي الدراسية الأخيرة، حيث حصلت على شهادة "الليسانس" في الآداب، قسم الجغرافيا، ثم "دبلوم التأهيل التربوي"، وعدت إلى "الرقة" لأعمل مدرساً في "معهد إعداد المدرسين"، و"الثانوية التجارية"، وبعدها التحقت بالقوات المسلحة لتأدية الخدمة العسكرية، وبعد أن أنهيتها في عام /1984/، عملت لسنة واحدة في التعليم، ثم سافرت في عام /1985/ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وأنا أعمل منذ ذاك التاريخ في سلك التعليم».

مع بعض طلابه في الإمارات

وعن رؤيته نحو العمل، ودواعي السفر والغربة، يقول "البادي": «العمل هو قيمة الإنسان وجوهره، ومنذ صغري، أدركت أن للعمل قيمة كبرى، فقد وجهني والداي نحوه مبكراً، وشعرت بأهمية المال في تأمين التوازن للإنسان، على أن لا يكون عبداً له، بل يسخره في مصالحه ومقاصده الإنسانية، وكوني من بيئة فقيرة، وأحمل شهادة جامعية، فقد كان لدي طموحات كبيرة في بناء نفسي، وتكوين أسرة مثالية، تتوفر لها شرط العيش الكريم، وأمام إحساسي بأن وجودي في "الرقة"، لا يمكن أن يحقق لي هذه المعادلة، حصلت على فرصة السفر، والعمل في الإمارات، حيث استطعت خلال فترة وجيزة من بناء أسرة، وفقني الله بالزواج من الجامعية "سهير محمد هشام"، التي كانت نعم الرفيق طيلة هذه السنوات».

ويتابع "البادي" حديثه عن الغربة، بقوله: «حققت الغربة لي تواصلاً مع العالم الخارجي، وتعرفت في دولة الإمارات على عادات وتقاليد شعوب عديدة، واكتسبت خبرة في مجال التعليم، والحياة بشكل عام، فتعرفت على طرائق التدريس المنهجي، والتعامل مع الطلبة بشكل حضاري، وفرت جملة هذه الظروف مكانة كبيرة في نفوس من أتعامل معهم من أهل الإمارات، والمغتربين السوريين، أو العرب، إضافة لتعرفي على معالم دولة الإمارات الحضارية، والتي أعتبرها بلدي الثاني بعد سورية.

مع زميل له في المدرسة

والسوري في الغربة مثال للنجاح، والجدية والإتقان في العمل، ومن خلال هذه التجربة الطويلة، والشواهد العينية، فإنني أستطيع القول إن السوري في الغربة، هو عنوان للقيم التاريخية والإرث الحضاري، الذي يحمله عبر آلاف السنين، ويجسده على أرض الواقع بكل صدق، وينطلق أولاً من رؤيته المتصالحة مع نفسه بالوفاء لبلده، ثم الوفاء لبلده الثاني، الذي وفر له فرصة العمل الناجحة، والعيش الكريم».

ويختتم "البادي" حديثه لموقعنا، قائلاً: «لم أكن في يوم من الأيام، شخصاً أعيش على هامش الحياة، بل كنت دائماً أعيش معترك الحياة، بحلوها ومرَّها، لقد فقدت والداي، وأنا في الغربة، وزادني ذلك إيماناً بالله، وشعوراً بأنني أحقق أحلامهما في الوصول إلى حياة كريمة، توّجتها في بناء أسرة نموذجية، عمادها الحب والسعادة، فهذا ابني البكر "فراس"، يدرس الطب في جامعة "عين شمس" في القاهرة، وهو الآن في السنة الخامسة، وفي نفسه توق ليكمل رسالتي في رد الدين لسورية، حيث سيعمل فور تخرجه في "الرقة"، وسأكون إلى جانبه، بانتظار أن أجد فرصة ثانية لإعادة ترتيب أوراقي من جديدة في مدينتي "الرقة"، التي أحب وأعشق، والتي أطلقت صرختي الأولى فيها، وستكون محطتي الأخيرة».