«تلازمت علاقتي بالصحافة، وحبّي للسفر والترحال، منذ سني طفولتي المبكرة، وقد أثارا فيَّ نوازع كثيرة، جعلتني أكثر التصاقاً بالواقع، وتشبّثاً به، وإن شاب ذلك الكثير من المنغّصات، ناهيك عن تدخلات المحيط الذي كان له أكبر الأثر في تنقلاتي وأسفاري، أضف لذلك ظهور بعض الصور السلبية التي كانت تُفضي إلى أسرارٍ دفينة، دفعت بي إلى تلبية النداء الملح للسفر، وكانت في مجملها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف الاطلاع على واقع الحياة في هذا العالم الجديد، ولأن الاغتراب يُنمّي بنظري الإدراك، ويُثري الحواس، وينير طريق المعرفة، فهو مدرسة الحياة الجديدة».

هذا ما ذكره لموقع eRaqqa بتاريخ (3/5/2009) الصحفي "عبد الكريم البليخ"، أثناء حديثنا معه عن تجربته الاغترابية، والأحلام التي طالما راودته في بلاد الغربة، والحنين الدائم الذي يربطه بالوطن الأم.

زرت العديد من البلدان الأوربية، وكانت معظم هذه الزيارات عبارة عن استراحات قصيرة خلال زياراتي المتعددة إلى أمريكا، ومن هذه الدول إيطاليا وفرنسا وإيرلندا وبريطانيا وهولندا، ولم تكن هذه الزيارات بقصد العمل، بل كانت عبارة عن وقفات قصيرة استغرقت يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير، وذلك بهدف السياحة والإطلاع على أهم معالم هذه البلدان

وعن بداياته الأولى، وتحوّله المفاجئ، يضيف قائلاً: «عشت فترة من التأمل والرجاء، وكان الأمل مجرد حلم وردي، إلاّ أنَّ هذا الحلم تحوّل إلى واقع معاش، حي وملموس، وإن ترافق ذلك ببعض الأحلام التي لم تتحقق، إلاّ أنَّ حلمي الأهم، والذي طالما بحثت عنه، وتغنّيت به، قد وجد طريقه للحل، ألا وهو خوض غمار تجربة السفر والاغتراب، وكان ذلك في مطلع عام /1988/، عندما سافرت إلى لبنان وكنت حينها طالباً في كلية الحقوق في جامعة "بيروت" العربية، وأمضيت فيها قرابة عامين، وسافرت بعدها في عام /1995/ إلى المملكة العربية السعودية، وأمضيت فيها قرابة ثلاثة أشهر، وكانت تلك بدايات تجربتي في الاغتراب، وقمت بعدها بالعديد من الزيارات الاطلاعية إلى تركيا والأردن والإمارات العربية المتحدة».

البليخ أثناء عمله في جريدة الشرق القطرية

وحول تجربته الصحفية في الدول العربية، أضاف قائلاً: «كانت زيارتي الأولى إلى قطر في عام /2006/، مارست خلالها الأعمال التجارية والمهن الحرة، وأتبعتها زيارة أخرى في العام التالي، إلى أن حصلت على عقد عمل في صحيفة "الشرق" القطرية، وعملت حينها محرراً في قسم التحقيقات، واستمريت فيها مدة أربعة أشهر، ومن خلال تجربتي الصحفية هناك، لاحظت أن من أبرز الملامح التي تميز الصحافة الخليجية، إغراقها في الجانب المحلي، وإبراز الحالة الاجتماعية، وحجم العمل الكبير المطلوب إنجازه، وضُعف الأجور التي نتقاضاها لقاء الجهد المبذول، وهذا ما دفعني لاحقاً إلى ترك العمل في الصحيفة».

وعن أهم البلدان التي زارها مصادفة، أو خلال سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يقول "البليخ": «زرت العديد من البلدان الأوربية، وكانت معظم هذه الزيارات عبارة عن استراحات قصيرة خلال زياراتي المتعددة إلى أمريكا، ومن هذه الدول إيطاليا وفرنسا وإيرلندا وبريطانيا وهولندا، ولم تكن هذه الزيارات بقصد العمل، بل كانت عبارة عن وقفات قصيرة استغرقت يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير، وذلك بهدف السياحة والإطلاع على أهم معالم هذه البلدان».

البليخ يتابع الإنترنيت بشكل يومي

لعل التجربة الاغترابية الأهم في حياة "البليخ" كانت في سفراته المتكررة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعن ذلك يضيف قائلاً: «السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية حلم كل شاب عربي، وقد راودتني هذه الفكرة منذ شبابي المبكر، وقد حاولت مراراً تحقيق هذا الحلم، إلى أن تحقق أخيراً في عام /1999/ في السفر إلى ولاية "كولورادو"، وعاصمتها المبهجة "دِنْفِر"، في الوسط الغربي الأمريكي، وعملت حينها في تجارة الحليب، وعدت إلى الوطن الأم بعد مرور شهرين، وتكررت زيارتي لهذه الولاية الجبلية لأكثر من أربع مرات، وبعد ذلك زرت ولاية "كاليفورنيا"، التي تُثير حفيظتك بمحيطها المسمّى بالهادئ الهادر، وفي مدينة الشمس الساحرة، "لوس أنجلوس"، حيث أقمت، تعتريك مشاهد حالمة، ومناظر آسرة، ليست أفضل مما كنا قد رأيناه في مختلف الولايات والمدن الأمريكية، في "شيكاغو"، أو "نيويورك"، أو "نيو جيرسي"، ولكن كان لهذه المدينة سحرها الخاص الذي يميزها عن غيرها.

كما زرت خلال رحلاتي المتتابعة ولاية "المسيسيبي"، التي تقع جنوب القارة، وولاية "أيوا"، ناهيك عن "جورجيا" ومدينتها الرئيسة "أتلانتا"، أو "ممفيس"، و"ديترويت"، وولاية "لويزيانا"، وأقمت بالتحديد في مدينة "نيو أورليانز" التي ضربها إعصار "كاترينا" قبل نحو أربعة أعوام، ومن خلال زياراتي العديدة إلى هذه الولايات، بتُ أعتقد أنني صرّتُ أعرفُ بعض الشيء عن هذه القارّة, تلك القارة التي قامت على الهجرة والوافدين, فلا يكادُ يوجد شعبٌ في العالم القديم إلاّ وله جالية في هذا العالم الجديد، في مساحة تبدو وكأنها لا آخر لها, في بيئات جغرافية متفاوتة, من المدن الكبرى, إلى القرى الصغيرة, إلى الجبال المغطاة بالثلوج, إلى المساحات الشاسعة، من السهول الزراعية, إلى الصحارى الكبرى التي تُضارع صحارى آسيا وأفريقيا».

وعن طبيعة الحياة الأمريكية، يضيف قائلاً: «من يُخالط المواطن الأمريكي العادي, يجدُ فيه صفات ممتازة, فهو يتميز عن الأوربي في بساطته, وكرمه, وانفتاحه على الناس, وهو يقدّس قيماً إيجابية أهمّها قيمة العمل، طبعاً كان للصحافة نفوذها الجبّار على المواطن الأمريكي وما زال, ثم كانت السينما بسحرها, ثم الإذاعة باتساعها, ولكن هذه الأدوات بلغت قمتها في التأثير بظهور التلفزيون.

أما المواطن العربي المغترب هناك، فهو يعاني قسوة الحياة، ووقعها الممض، وروتينها المملّ، وساعات العمل الطويلة، وما يدفع العربي للقبول بالواقع الذي يعيشه هناك سببه الضغط المادي لا أكثر، واحترامهم الزائد الذي يبدونه لأيّ شخصٍ كان، بغضّ النظر عن هويته، وحدودهم التي يعرفون متى يقفون عندها، ويدركون أبعادها، وعدم تدخلهم في شؤون الغير، وبعيداً عن ذلك طبيعة بلادهم الساحرة، وجمالها الخلاّب، واهتمامهم بالإنسان قبل كل شيء، هو ما يدفع أي مواطن عربي إلى خوض غمار تجربة السفر إلى هناك».