«كانت أمنية والديَّ أن يرزقا بفتاة، لكن شاءت الإرادة الإلهية أن أولد أنا العبد الفقير لله، ثم أكرمهم الله بأشقاء أربعة غيري، ملؤوا عليهم حياتهم، وهم "فرحان"، "مؤيد"، "علاء"، و"عبادة"، وعند ولادتي رغب والدي بتسميتي "سنان"، ولكن قرب الدكتور "عبد السلام العجيلي" من قلبه، وحبه واحترامه الشديد له، جعله يعدل عن ذلك الاسم فأسماني "حازماً" على اسم ابن الدكتور "العجيلي" رحمه الله».

هكذا يبدأ الدكتور "حازم حمصي فرحان الحمادة" حديثه لموقع eRaqqa بتاريخ (25/1/2009)م، عندما قمنا بالتواصل معه عبر "الانترنت"، عن رحلة غربته المبكرة، تلك الرحلة التي طالت، يضرب بها أصقاع الأرض باحثاً عن العلم والمعرفة، ويضيف قائلاً: «روى لي والدي مرةً أنه التقى بالدكتور "العجيلي" في إحدى مضافات "الرقة"، وذكر له بأنه أسمى ولده على اسم ولده "حازم"، فهنأه وقال مداعباً أتريدها "شامية"، أم "رقاوية"، فلم يفهم والدي ما قاله بدايةً، حيث كان يقصد بقوله أنَّ الطريقة الشامية في التهنئة أنَّ والد الطفل هو الذي يهدي من أسمى عليه، أما إن كانت رقية فستكون الهدية على من سمي المولود تيمناً باسمه».

أقمت بقصد الاختصاص في مدينة "دمشق" فترة من الزمن، وكانت تلك غربتي الرابعة بالنسبة لوالدي، ولكن علو همتي جعلني أترك دراسة ذاك الاختصاص، وأسعى لإكمال دراستي في بريطانيا، وكنت حريصاً أن أظل عند ثقته، عصامياً، يدرك ما له وما عليه، بحيث لم أكلفهم فوق طاقتهم، وكنت أعمل كي أعيل نفسي، فيسر الله له أمري

ويتابع "الحمادة" حديثه فيقول: «كان لي -بكوني المولود الأول- الحظ الأوفر من رعاية والدي في كل شيء، وساعد بذلك كون والدتي معلمة، وأذكر ملاحظةً خطتها في دفتري إحدى المعلمات عندما كنت تلميذاً في المرحلة الابتدائية، تقول فيها: ثابر إلى الأمام يا دكتور "حازم"، ووافق هذا الكلام هوىً في نفس والدي، الذي منعته الظروف ذات يوم من السفر إلى ألمانيا، التي استطاع الحصول منها على موافقة من جامعة "فرانكفورت"، حيث كان من المفروض وقتها أن يقوم بتقديم فحص لغة مبدئي، في معهد "غوته" في "دمشق"، ونجح في الاختبار، وقام بتجهيز نفسه استعداداً للسفر، ولكن رغبة والدته حالت دون سفره، وكان ممن سافروا من أبناء جيله حسبما ذكر لي الأستاذ "عامر الصطاف"، "صفوان الصطاف"، "إبراهيم الشعيب"، فأراد مني أن أعوض له تلك الرغبة الدفينة في نفسه بدراسة الطب».

التلميذ حازم الأول يمين الصورة في سورية

وعن بداياته، وغربته المبكرة، يحدثنا "الحمادة" فيقول: «حدثني والدي مراراً عن تسجيلي في روضة "الأرمن"، ثم دخولي المدرسة بعد ذلك مستمعاً، وكنت متميزاً حسب ذكره، إذ يروي لي رغبة المعلمين في ترفيعي للصف الثاني، لكنه رفض ذلك، وفضل أن أصعد السلم درجة فدرجة، وحين نجحت إلى الصف الثاني سافرنا إلى السعودية، وكان ذلك في عام /1982/م وكانت تلك غربتي الأولى، وأنا ابن ثماني سنوات، وكنت مثابراً في دراستي حتى في الغربة، لدرجة أنني كنت ألقي كلمة يومية في الاجتماع الصباحي لطلاب مدرستي في السعودية، فسُعدَ بي معلمي وزملائي، وكنت أشارك في المسابقات بأنواعها تلك التي تقام بين المدارس، من شعر، ومسرح، ورياضة، وأذكر مرةً أنَّ والدي وفي إحدى المسرحيات التي شاركت بالتمثيل بها، وأخذت دور طبيب، استعار لي سماعة طبية من أحد الأطباء المصريين أصدقائه، وكنا وقتها في إمارة تدعى "محاي العسير"».

ويتابع "الحمادة" في ذات السياق: «لن أنسى ما حييت مرضي هناك، حيث أصبت بالربو، وكان المركز الصحي يبعد مسافة بعيدة عن مكان إقامتنا، فلما اشتد عليّ المرض قلت لوالدي باكياً: (أبي أريد الموت في بلدي وليس هنا)، فضاقت الدنيا بعينيه، ولكن الله شفاني ببركة رضا والدي، وعندما حصلت على الشهادة المتوسطة رغب المعلمون أن أكمل دراستي في السعودية، لكن والدي رغب برجوعي لبيت أجدادي في "الرقة"، وكانت تلك غربتي الثانية بعيداً عن أسرتي، فغادرت السعودية دون أهلي قاصداً "الرقة"، وحين وصولي الثالث الثانوي، ولشدة استعدادي للامتحان كأنما أُغلق عليّ، لم أحقق العلامات التي كنت أبتغيها، فلم أجزع من ذلك وظل الطموح الجارف دافعاً لي، ولم يرغب والدي حينها بتعريضي لتجربة إعادة امتحان الشهادة الثانوية مرة أخرى، فأرسلني لدراسة الطب البشري في جمهورية بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، حيث كانت هذه الرحلة هي غربتي الثالثة، فأكملت تعليمي حتى حصولي على الإجازة في الطب البشري سنة /2002/م، واستطعت معادلة شهادتي فور عودتي إلى بلدي، وكان مؤهلي يسمح له بالدخول في اختصاص التخدير والإنعاش».

في غربته بالسعودية يستلم جائزة تفوقه.

وعن محطات الغربة الأخرى في حياته يتابع "الحمادة" حديثه بالقول: «أقمت بقصد الاختصاص في مدينة "دمشق" فترة من الزمن، وكانت تلك غربتي الرابعة بالنسبة لوالدي، ولكن علو همتي جعلني أترك دراسة ذاك الاختصاص، وأسعى لإكمال دراستي في بريطانيا، وكنت حريصاً أن أظل عند ثقته، عصامياً، يدرك ما له وما عليه، بحيث لم أكلفهم فوق طاقتهم، وكنت أعمل كي أعيل نفسي، فيسر الله له أمري».

ويتابع "الحمادة" حديثه عن غربته الرابعة، قائلاً: «كانت رحلتي إلى بريطانيا في عام /2002/م، هي الغربة الخامسة لي، أنا ذاك السبط الفراتي الذي شاء لي الحظ أن أطوف أماكن كثيرة في أرجاء المعمورة، وفي بريطانيا تزوجت بفتاة بريطانية تدعى "روزماري"، استطعت بعون الله أن أهديها للإسلام، وسكنت مدينة "مانشستر"، ودرست اللغة الإنكليزية لمدة سنة ونصف، وعدلت شهادتي هناك بعملي بصفة طبيب مساعد في مشافي مدينة "مانشستر"، وأكملت دراستي في الطب، باختصاص الأمراض الداخلية بعد حيازتي على سنتين تأسيس، وكنت أزور بلدي في كل عام تقريباً بفصل الصيف، وعندما بدأت بدراسة الاختصاص، نُقلت إلى إمارة "ويلز"، في مدينة "كارديف"».

والديه في ضيافته بمدينة مانشستر البريطانية.

ويضيف: «كنت أسعى إلى نيل أرفع الدرجات العلمية في تخصصي، أنا الراغب دوماً بالعودة إلى موطني لأرد له جزءاً من جميله، أنا الذي أمضيت في السعودية سبع سنوات، وفي روسيا سبع من السنين أخرى، ثم في بريطانيا حتى تاريخه، فلقد عشت في كنف والدي فترة لم أشبع فيها منهم، وبقي التواصل الروحي قائماً بيننا، ولم تستطع المسافات والسنون أن تنال من هذا التواصل، فعند قدومي في الصيف لزيارتهم في "الرقة"، كنت حريصاً أن أكون ذاك الولد الذي يأملون أن يروه، ناجحاً، وفياً للقيم والمبادئ التي ربي عليها، ويدرك أشقائي كما والدي مدى استعدادي لبذل الغالي والرخيص لرؤيتهم يحققون أعلى الدرجات العلمية».

وعن علاقته بأشقائه، وحياته في غربته يختتم "الحمادة" حديثه لموقعنا بالقول: «يدرس كل من "علاء"، و"مؤيد"، الهندسة المعمارية في جامعة "الاتحاد"، بينما "فرحان" في بريطانيا معي، و"عبادة" في روسيا، ونحن كأشقاء نتبادل وفي أي مكان نكون فيه كل سبل المساعدة التي توفر لنا النجاح، وقد أورثتني الغربة جدية في التعامل مع كل مستجدات حياتي، وانعكس ذلك حتى بعلاقتي مع الآخرين، حيث أسبغت عليَّ علاقتي مع جدي "فرحان" رحمه الله، الذي عشت في كنفه فترة من الزمان من أخلاقه والتزامه الكثير الكثير، كما فعل والدي أيضاً، وفي نيتي أن أكمل دراستي لأصبح استشارياً في اختصاصي، وقد قام والداي بزيارتي في عامين متتاليين، وكان سبب الزيارة الثانية قدوم مولود أخي "فرحان" الذي يعيش في بريطانيا هو الآخر معي، ويدرس إدارة الأعمال، وقد سمَّى طفله "حازم" على اسمي، وخلال فترة وجودهم هناك لمسوا طبيعة الحياة في الغربة، رغم كل التسهيلات التي تقدمها التكنولوجيا لكل نواحي الحياة، وسيأتي يوم وتعود العصافير إلى أعشاشها، وما يجعلني أشعر بالتواصل مع بلدي هو هذه النافذة التي أطلقتموها في موقعكم المميز eRaqqa».

ويذكر أن الدكتور "حازم حمصي فرحان الحمادة"، هو الابن البكر للباحث الرقي "حمصي فرحان الحمادة"، وقد ولد في "الرقة"، عام /1975/م، وحصل على الشهادة الثانوية فيها عام /1994/م، سافر إلى روسيا عام /1995/م، وتخرج منها مجازاً في الطب البشري عام /2002/م، وقد درس في مدينة "غرودنا" البيلاروسية، وهو يحمل الجنسية البريطانية بالإضافة لجنسيته الأم، ويتقن بالإضافة للعربية كلاً من اللغتين الروسية والانكليزية.