«كنت راغباً بمتابعة تحصيلي العلمي، فسافرت بظروف صعبة جداً على أهلي، الذين أرهقوا أنفسهم كثيراً حتى يؤمنوا لي احتياجات السفر، من قسط جامعي، وتذكرة طائرة، ومصروف شخصي، وغادرت القطر بأواخر عام /1994/، متجهاً إلى أوكرانيا، وبالتحديد مدينة "أوديسا" حيث بدأت هناك قصتي مع الغربة ووجع الحنين إلى الوطن».

هكذا يبدأ المغترب "أحمد العبد الله" حكاية اغترابه لموقع eRaqqa ويتابع قائلاً: «في البداية تعبت كثيراُ بالتنسيق بين دراستي وعملي، في حال تأخر الأهل بإرسال النقود لي، ولكنني وبفضل العزيمة والإصرار على تحقيق كياني بعيداُ عن أي مساعدة، كنت أواصل الليل بالنهار في بعض الأيام حتى أستطيع الاستمرار، فلقد فشل أمامي الكثير من الشباب الذين كانت أحوالهم مثل حالي، وعادوا دون تحقيق أي شيء، وجعلتهم عبرةً لي كي لا أقع بذات الفخ من الركون للفشل، ورغم أهمية العمل بالنسبة لوضعي، لم أهمل دراستي، وتخرجت دون رسوب بأي سنة، وأنا الآن حاصل على إجازة في الصيدلة، ولشغفي بالعلم استطعت بعون الله وبفضله، أن أحصل على اختصاص في التشخيص المخبري، وأردفتها بدبلوم في إدارة الأعمال، طبعاً هذا كان نتيجة تعب ومثابرة لمدة /14/ عاماً قضيتها في الغربة، ولا أمارس العمل بالصيدلة نتيجة لظروف البلد حيث أعيش، ولكني استطعت أن أخلق لنفسي عملاً له علاقة بإجازتي الجامعية بإدارة الأعمال، وبعد مضي كل تلك السنوات أجدني مرتاحاُ لما حققت، وكان الحنين لوطني طوال تلك السنين أشبه بالمحرك الذي يزودني بالطاقة للاستمرار، إذ مرت علي أيام كثيرة فقدت فيها رباطة الجأش، وعزمت على العودة لكن شاء الله غير ذلك، زرت بلداناً عدة بحكم عملي في التجارة، فلقد ذهبت إلى الصين أكثر من خمس مرات، وزرت غالبية مدن الاتحاد السوفيتي السابق، كما زرت تركيا، وزياراتي إلى وطني دورية بشكل سنوي، فمهما دار بنا الزمان لابد لنا من العودة إلى حضنه الدافئ، حيث الأهل والأصدقاء والحكايا التي لا تنسى، ودائماً يحضرني قول الشاعر:

كان متميزاً منذ أن كان طفلاً، انفطر قلبي عندما غادرنا، ولكنني لم أحب أن أكون سداً بينه وبين رغبته، ندعو له أنا ووالدته وإخوته دائماً، رفع رأسي عالياً بنجاحه بتحصيله العلمي، وبنجاحه بعمله

بلادي وإنْ جارت عليَّ عزيزةٌ وأهلي وإنْ ضنوا عليَّ كرامُ

المغترب أحمد العبد الله في مقام الصحابي "عمار"

وأنا الآن أصحب عائلتي بزيارة بلدي، ولا أستطيع وصف مشاعري عندما عبرنا قادمين من مطار "حلب" جسر "الرقة"، كأن قلبي فر من بين أضلعي، وأنا أعب رائحة الفرات، التي غمرتني، وأعادتني إلى أيام الصبا، هو الحنين الدائم لهذه الربوع وأهلها».

كما التقينا صديق عمره الصيدلي "عبد الكريم شهاب" الذي قال: «نحن رفاق دراسة منذ المرحلة الإعدادية، ولم نفترق إلا بعد حصولنا على الثانوية، إذ غادر "أحمد" القطر بقصد الدراسة والعمل، وهو دائم التواصل مع أهله، وأصدقائه، عصامي استطاع أن يتفوق على الظروف الصعبة التي رافقت سفره، لا تمضي سنة إلا ويأتي زائراً لبلده، حقق نجاحاً بغربته، وأثبت لنا بأن العزيمة وحدها تصنع الرجال، فلقد كنت من ضمن الذين رغبوا بالذهاب معه آنذاك، ولكن الحسابات الخاطئة التي قمت بها منعتني من ذلك، الحمد لله على كل شيء، والحمد لله أنه بيننا الآن».

مع عائلته في مقام الصحابي "عمار"

وتحدث لنا والده السيد "محمد العبد الله" قائلاً: «كان متميزاً منذ أن كان طفلاً، انفطر قلبي عندما غادرنا، ولكنني لم أحب أن أكون سداً بينه وبين رغبته، ندعو له أنا ووالدته وإخوته دائماً، رفع رأسي عالياً بنجاحه بتحصيله العلمي، وبنجاحه بعمله».

يذكر أن السيد "أحمــد الــعبد الله" متزوج من أوكرانية، وله طفلان، الكبير أسماه "سمير" والأصغر "أمير"، ويعيش في مدينة "أوديــســا" التي تعتبر ميناءً هاماً في جمهورية أوكرانيا، وقد أسس لنفسه شركةً صغيرة تعمل في مجال استيراد وتصدير ألبسة الأطفال.

والد المغترب