سجلت الأمة العربية أول بوادر التدوين في منتصف القرن الثاني الهجري إذ تحولت دار الخلافة في "بغداد" إلى ورشة عمل حقيقية في مجال الترجمة وتقعيد اللغة، وكتابة البحوث الفكرية والفلسفية والطبية، إضافة للشعر الذي يعتبره العرب ديوانهم الأول.

وحول ظهور بوادر التدوين الأولى، وأهمية الكتابة والمخطوطات، وتطورها عبر التاريخ، تحدث بتاريخ 4/1/2012 لموقع eRaqqa الآثاري "محمد العزو"، الباحث في التراث والتاريخ، قائلاً: «بدأت ملامح التدوين الأولى في مستهل القرن الثاني للهجرة، وحول هذه الفترة، أطلق المفكر الدكتور "محمد عابد الجابري" على هذا العصر عصر التدوين، من هنا كانت البداية التي قطع بها العرب أشواطاً بعيدة إذ أصبح للمخطوطات حضور مميز واحتلت المكتبات العامرة بالكتب والمخطوطات حيزاً كبيراً من حياة الخاصة والعامة على حد سواء، وشغل الناس بالوراقين والمدونين وبات الكتاب شغلهم الشاغل، وفيما كانت أوروبا تهجع بسكينة ودعة، كان العرب يرقون سلم المجد.

بدأت ملامح التدوين الأولى في مستهل القرن الثاني للهجرة، وحول هذه الفترة، أطلق المفكر الدكتور "محمد عابد الجابري" على هذا العصر عصر التدوين، من هنا كانت البداية التي قطع بها العرب أشواطاً بعيدة إذ أصبح للمخطوطات حضور مميز واحتلت المكتبات العامرة بالكتب والمخطوطات حيزاً كبيراً من حياة الخاصة والعامة على حد سواء، وشغل الناس بالوراقين والمدونين وبات الكتاب شغلهم الشاغل، وفيما كانت أوروبا تهجع بسكينة ودعة، كان العرب يرقون سلم المجد. وعلى مدى قرونِ عدة ظل الكتاب حاضراً بقوة، وتطورت سبل الحصول عليه بالتوازي مع اختراع آلات الطباعة في مستهل القرن الثامن عشر، التي وفرت سهولة الحصول على الكتاب الذي بدأ يزاحم المخطوطات ومع تطور الحديث الذي ترافق مع ثورة التكنولوجيا التي شهدها العالم في نهاية القرن العشرين ظهر الكتاب الإلكتروني الذي راح يزاحم الكتاب الورقي

وعلى مدى قرونِ عدة ظل الكتاب حاضراً بقوة، وتطورت سبل الحصول عليه بالتوازي مع اختراع آلات الطباعة في مستهل القرن الثامن عشر، التي وفرت سهولة الحصول على الكتاب الذي بدأ يزاحم المخطوطات ومع تطور الحديث الذي ترافق مع ثورة التكنولوجيا التي شهدها العالم في نهاية القرن العشرين ظهر الكتاب الإلكتروني الذي راح يزاحم الكتاب الورقي».

الأديب ممدوح عزام

وحول نظرة الأدباء والمفكرين لتحولات الكتاب، وهل استطاع الكتاب الإلكتروني أن يزيح الكتاب الورقي ويحتل موقعه؟ وكيف تقبل من اعتاد رائحة الورق وملمسه التسمر أمام شاشة الحاسوب وهو يقرأ أحد الكتب الإلكترونية؟ ثم هل نحن حقاً من الشعوب التي تقرأ؟ وهل استطاع الكتاب الإلكتروني احتلال مساحة كبيرة من حياتنا أم ظل هامشياً في حياتنا كما الكتاب الورقي؟

أسئلة طرحها موقعنا على عدد من الكتاب، وفي إجاباتهم ما يدعو للسؤال من جديد، بداية التقينا الروائي "ممدوح عزام" والذي استهل حديثه قائلاً: «شخصياً أحب القراءة من الكتاب الورقي، وهي عادة ترافقني منذ أن بدأت القراءة، ومن الصعب علي أن أفك هذا الارتباط الجميل، كما أنني لا أرغب في ذلك البتة، إذ لم يقدم لي الكمبيوتر بديلا مريحا للقراءة، وهكذا لا أقرأ من الكمبيوتر إلا المواد الصحفية، ولكن ليس لي أي موقف رافض تجاه التكنولوجيا، وبالعكس من ذلك، أحب أن أطلع على المنتج التكنولوجي الجديد في مجال الكتابة، غير أن الوقت لا يسعفني، كما أن المتغيرات في هذا الباب، تتسارع بشكل هائل، وهنا يأتي الدور التاريخي للجيل الجديد من الشباب القادر على فهم واستيعاب المبتكرات المتسارعة، ومن ثم استخدامها في حياته العملية.

الأديب نهاد سيريس

ولا أخشى كثيراً المجادلات الحالية حول النوعين، ليس بسبب خصوصية كل منهما، وهذا حقيقي، بل لأن المشكلة زائفة، على الرغم من أنها موجودة، وقد سبق لآخرين أن قالوا إن السينما أخذت مساحة كبيرة من أملاك الكتاب، ثم بدأت مباراة أخرى بين التلفزيون والكتاب، وادعى كثيرون أن الكتاب بدأ يضمحل بعد اختراع التلفزيون، ومع ذلك لم تسفر المعركة عن الكثير من الخسائر، دون أن أنكر أن مكانة الكتاب قد تزعزعت. ولكن أين؟ الملاحظ أن البلاد التي تخترع التكنولوجيا لا تعاني من مشاكل التلقي، فالابتكارات هناك تحدث كل يوم، بل كل ساعة، ومن غير المعقول أن يشتبك النقاش كل ساعة حول الأولويات، والملاحظ أيضا أن الكتاب في المجتمعات الغربية ما يزال يحتفظ بمكانة محترمة، وفي ظني أن النقاش العربي حول مثل هذه الموضوعات ترف ناجم عن البطالة، أو عن العطالة في الحقيقة، فالمشاركة العربية في التكنولوجيا معدومة، والأخطر من ذلك هو أن تلقي المبتكرات يأتي متأخرا عن زمن ابتكارها.

لكن القارئ بدأ ينصرف بالفعل عن الكتاب الورقي، علما أنه لا يتجه للقراءة في الكتاب الإلكتروني، فنحن أمام انصراف نوعي عن القراءة بوجه عام، ولذلك لا محل للعواطف تجاه التفريق بين الكتابين، إذ علينا أن نناقش أولا مسألة القراءة».

متابعة على الإنترنيت

أما الروائي "نهاد سيريس" فتحدث قائلاً: «لدي النوعان، الكتاب الورقي موجود، ولدي الكتاب الإلكتروني، الذي أضع فيه كتباً إلكترونية أقوم بقراءتها.

بسبب ضعف خدمة اللغة العربية في الكتاب الإلكتروني أنا أفضل الآن قراءة الكتاب الورقي، لأن الأجهزة الإلكترونية لا تخدم اللغة العربية بالشكل الصحيح، لدي كتاب إلكتروني لكنه لا يخدم اللغة العربية مثل ما يخدم اللغات الغربية، وإذا كان المستقبل سيحمل بين طياته تطوير الخدمة بالنسبة للغة العربية، فسيكون هذا مفيدا جداً لنا، فالشبكة العنكبوتية تحتوي على عشرات الألوف من الكتب الرقمية التي يجب الاستفادة منها.

الأفضل أن نطلب من كل شخص أن يقرأ، سواء الكتاب الإلكتروني أو الورقي وليس أن نضعه في حيرة حول الورقي والالكتروني. وفي بلادنا القراءة تأخذ وقتاً أقل من الأمم الأخرى، فمثل هذا السؤال غير وارد.

تغيب عن بالنا قضية أن مجتمعاتنا، تختلف عن المجتمعات الأوروبية، فمن ضمن اهتماماتهم التخفيف من طباعة الكتاب الورقي، والاعتماد أكثر على الكتاب الإلكتروني، وهذا الاهتمام يأتي من قضية لا تخطر على بالنا، وهي أبعد عن السجال الذي يدور في مجتمعاتنا، فهي أحدى الطرق لحماية البيئة، والحفاظ على الغابات بالتقليل من استهلاك الورق، الذي يأتي عن طريق قطع الأشجار، وهذه القضية بعيدة عن تفكيرنا.

وهناك عنصر الوقت لاحظوا اليوم هم محتاجون لأن يكونوا في كل لحظة على صلة بجريدتهم، فكل لحظة تتغير الأخبار، فأوجدوا شيئا اسمه الجهاز الإلكتروني، والذي تفرع عنه أجهزة أكثر دقة كاللوح الإلكتروني، إذاً اهتمامهم ينبع من حرصهم على التواصل مع الأخبار، بينما نحن نعتمد على التلفاز، لقد قطعنا مسافة لا بأس بها نسبيا للاستفادة من الانترنت في مجتمعاتنا لكننا متأخرون عن الغرب. مثال: نحن ناس سلفيون في تفكيرنا أكثر من غيرنا ولا ننخرط في الجديد فورا مثلهم، الموقف من الجهاز الإلكتروني غير مفهوم، فالحديث عن ملمس الكتاب الورقي والعلاقة الحميمية معه، هو بدوره كان مرفوضا بالسابق عندما تم اختراع الطباعة، أحد أجدادي رفض اقتناء الكتاب الورقي وكان يفضل قراءة المخطوطات، بحجة أنه يشعر بعرق وتعب الناسخ، بينما الكتاب المطبوع مبتذل لأن يفوح برائحة النفط والأحبار، فكان يفضل المخطوطات ويرفض شراء الكتب.

وفي هذا الوقت نتمسك بالكتاب الورقي ونرفض الكتاب الإلكتروني، وهو موقف سلفي أكثر مما هو باب من أبواب الثقافة».