«يهل علينا عيد الميلاد المجيد، الذي شهد إطلالة "السيد المسيح" إلى هذا العالم، وأعياد السنة الجديدة المباركة، التي أرّخت لميلاده "يسوع" على الأرض، إنه عيد المصالحة بين الله والإنسان.. الذي يعيد إلى الأذهان الحائرة والقلوب الكسيرة ذكرى المصالحة بعد الخصام، ذكرى الوصال بعد طول الجفاء، ذكرى إعادة فتح أبواب السماء بعد أن أوصدت ردحاً طويلاً من الزمن في وجوه الناس.

لقد أبى الله بحنانه الأبوي أن يدع خلائقه العاقلة، وقد أساءت استعمال حريتها، تتمادى في سبيل الغواية والضلال، فتهيم على وجهها في متاهات البؤس والتعاسة والشقاء، وقد خلقها جلَّ جلاله للسعادة الحقَّة والنعيم المقيم، لذا كان "يسوع" نوراً، بعد أن كان الظلام يغلّف العالم، ثم جاء النور حاملاً الأمل للناس كافة بالسلام على الأرض، والنية الطيبة تجاه الناس. لكن الظلام ما زال حولنا، ولم يهدأ الصراع بين الخير والشر».

نحن في أول يوم من السنة الجديدة نصلي دائماً للسلام في العالم أجمع، وبلادنا العربية خصوصاً، وليس المقصود بالسلام هنا أمنية خيالية أو حلماً جميلاً يراود الخواطر، ثم لا يلبث أن يتلاشى ويضمحل إذا اصطدم بالواقع. إنه واجب يتحتم على الأفراد والجماعات في مجتمعنا الإنساني فتسود العدالة بينهم ويعم الإخاء، وتنشر المحبة ظلالها الوارفة على العالم. السلام هو التنظيم والتنسيق والانسجام الذي يرتكز على الحق والعدل.. إذا فُقد السلام فُقدت الثقة، وإذا فُقدت الثقة انعدمت إمكانيات البحث والتنقيب في سبيل التقدم والرقي الذي لا يتوطد إلاّ في جو يرفرف فيه السلام، ولا يعتلي الحق إلاّ مع السلام، ولا يترعرع شيء من الحرية الإنسانية الخلاقة إلاّ إذا تركزت على دعائم السلام

بهذه الكلمات يستهل الأب "نعمان روِّيق"، المعاون الأسقفي لمحافظة "الرقة" و"الفرات"، حديثه لموقع eRaqqa بتاريخ (25/12/2009) حول المعاني السامية والروحية لعيد الميلاد المجيد، وأعياد رأس السنة الميلادية.

الأرشمندرت نعمان رويق

ويتابع الأب "روِّيق" في السياق ذاته، قائلاً: «لقد ولد المسيح وجاء إلينا، وغيَّر حياتنا، وطبعها بطابعه المسيحاني حتى أضحت هذه الصفة ملاحقة لكل أتباعه "مسيحي".. إليكم ما قرأت قبل مدة في إحدى الصحف العربية، هي كلمات موجهة إلى مسيحيّ الشرق في زمن الميلاد تذكرهم برسالتهم، وغريبها أن من خطها لا ينتمي إلى دينهم:

أن تكون مسيحياً يعني أن تنتمي إلى خط "المسيح". أي طريقة الخير التي انتهجها، خير ومحبة وخلاص.. ليس لك أنت الذي تتبع هذا المنهج فقط أو إلى محيطك المسيحي، الذي من هو من لونك، بل وقبل هذا وذاك، إلى محيطك الإنساني بكل ألوانه وتشعباته، وأحياناً تعقيداته، والذي يشمل في ما يشمل ذلك الآخر.

أن تنتمي إلى "المسيح" يعني أن تكون أداته في ما يريد، ويتمنى ويشاء، ولم يكن "المسيح" ليرضى أن تكون لفئة دون أخرى من الناس، أو رجاء جماعة دون جماعة، بل ولأنه "آية للناس ورحمة" أي لكل الناس، دونما استثناء، خلاصاً لهم جميعاً، والمسيحي الملتزم مع "المسيح" مدعو إلى أن يكون على قدر قدرته ومؤهلاته. من حيث حضوره الاجتماعي والمهني أو مكتسباته الثقافية والمادية عامل محبة في محيطه، مولد خير، تحقق خلاصاً لمن هم حوله، مجاهداً أمام الظالم والفاسد والمستكبر، والقاهر والفاسق، مناصراً المظلوم، ماسحاً دمعة المسكين، معزيّاً المقهور، آخذاً بيد الضعيف».

وعن صلاة رأس السنة الميلادية التي تقام على نية السلام المنشود في العالم، يقول الأب "روِّيق": «نحن في أول يوم من السنة الجديدة نصلي دائماً للسلام في العالم أجمع، وبلادنا العربية خصوصاً، وليس المقصود بالسلام هنا أمنية خيالية أو حلماً جميلاً يراود الخواطر، ثم لا يلبث أن يتلاشى ويضمحل إذا اصطدم بالواقع. إنه واجب يتحتم على الأفراد والجماعات في مجتمعنا الإنساني فتسود العدالة بينهم ويعم الإخاء، وتنشر المحبة ظلالها الوارفة على العالم.

السلام هو التنظيم والتنسيق والانسجام الذي يرتكز على الحق والعدل.. إذا فُقد السلام فُقدت الثقة، وإذا فُقدت الثقة انعدمت إمكانيات البحث والتنقيب في سبيل التقدم والرقي الذي لا يتوطد إلاّ في جو يرفرف فيه السلام، ولا يعتلي الحق إلاّ مع السلام، ولا يترعرع شيء من الحرية الإنسانية الخلاقة إلاّ إذا تركزت على دعائم السلام».

ويختتم الأرشمندريت "روِّيق" حديثه حول السلام بمضمونه الإنساني، الرسالة التي تعنون رؤى وأحلام المستضعفين في الأرض، قائلاً: «في مطلع العام الجديد نرفع الدعاء إلى الله عز وجل صانع السلام، ومؤسس السلام على الأرض أن يضع السلام في قلوب الناس أجمعين "لأنهم عيال الله"، أن يضع في قلوبهم التآخي والمحبة والتفاهم والمسامحة والوفاق. جاء إلينا ليمحو البغضاء من صدور الناس، والمنازعات من ضمائرهم وعقولهم، ويدعوهم إلى نبذ الضغائن والأحقاد، ولا زالت عقيدة السلام أنشودة إنسانية على تتالي الأحقاب.

السلام الذي يرتكز على العدالة الاجتماعية.. السلام الذي يحترم حقوق الإنسان.. السلام الذي يزرع المحبة في قلوب أبناء البشر.. ولنردد مقولة الملائكة فوق المنارة: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام"، أي أن السلام مشروط بتمجيد الله، بحيث يسعنا القول: "مجدوا الله تجدون السلام".. وكل عام وأنتم بخير».