مرّت على البشرية أزمان، كانت المرأة هي التي تمسك زمام الأمور، وتتحكم بمقادير الحكم والبيت، تسيّر الرجل، وتقبض بيد من حديد على كل مفاتيح المجتمع، ومقدراته العسكرية والسياسية والاقتصادية، وكان يسمى المجتمع آنذاك المجتمع الأمومي، ثم تحول المجتمع من نظامه الأمومي إلى نظامه الذكوري، وأصبح المجتمع ذكورياً، يتحكم فيه الرجل بمقاليد السلطة والحكم، والسيد الآمر الناهي بكل شيء.

ومع ذلك ظهرت عبر التاريخ، ومنذ تفشي النظام الذكوري في المجتمع، أسماء لامعة لنساء تقلدن مقاليد السلطة والحكم، مثل "بلقيس"، و"كيلوباترا"، ثم "شجرة الدر"، وغيرهن من النساء اللواتي سجلن أسمائهن بأحرف من نور، وكن علامة فارقة أكدت على حضور المرأة الفاعل، قولاً وعملاً، وبأن لكل قاعدة شواذها.

كانت المرأة في وادي "الفرات" و"البليخ"، تشارك في بعض المهن، منها الطبابة للإنسان والحيوان. وقد أشارت تشريعات "حمورابي"، المادة /224/، إذا قام الطبيب البيطري بعملية كبرى لثور أو حمار، وأنقذ حياته، فإن صاحبه يدفع للطبيب سدس "شاقل" حنطة أجراً له. وقد يتقاضون حبوباً أو جعة. وكانت حوانيت الأكل والشرب والمقاهي تدار من قبل النساء كما يستدل من المواد /108/، /109/، /110/، /111/ من تشريعات "حمورابي"

ترى كيف كان شكل المجتمع في "توتول"، "الرقة"، القديمة ما قبل الألف الثاني قبل الميلاد؟ وما هو حال المرأة، وماذا عن حقوقها آنذاك؟ وهل كانت المرأة محوراً فاعلاً في الحياة الاجتماعية؟ أم كانت تحفة أو أنتيكة يحتفظ بها الرجل ويراعيها، ويركنها في إحدى زوايا المنزل.

الرقة الحديثة

لمعرفة المجتمع "التوتولي"، وإنارة الأسئلة التي طرحناها سابقاً تحدث لموقع eRaqqa بتاريخ (15/12/2009)، الباحث الرقي "محمد عبد الحميد الحمد"، مبتدأً بنشوء المدنية، قائلاً: «كانت بداية المسار الحضاري لتاريخ "الرقة" منذ نشوء مدينة "توتول"، ومعنى الكلمة "الآبار"، وفي هذا الاسم دلالة جلية على ممارسة الري بواسطة الآبار، فالإنسان القديم اختار الموقع لتوفر مياه نهري "البليخ" و"الفرات"، وتوفر المياه الجوفية القريبة، بالإضافة إلى وجود التربة الخصبة والمناخ المعتدل، وهذان العاملان خلقا رباطاً ماسكاً للأقوام والقبائل التي كانت المدنية مجالهم الحيوي، حيث توفر إنتاج الطعام من زراعة النبات وتربية الحيوان، وكان النسيج العمراني يتطور وينمو من خلال تحسين أوضاع وشروط الزراعة الفأسية، وفي انتقاء البذور وطرق التسميد، وفي زراعة الحقول والأشجار المثمرة».

وحول أوضاع المرأة آنذاك، يقول: «تغيّر وضع المرأة تبعاً للمراحل التاريخية التي مرت بها المنطقة، وتطوّر أدوات الإنتاج، كان أكثر العراك القديم على الأراضي والنساء، في مراحل الزراعة الأولى، يوم كانت الزراعة تعتمد على جهد النساء، في العناية بالبيت وتربية الأطفال، وزراعة الحواكير والبساتين المحيطة بالمنزل، وجاء في رقم تعود إلى "زمريليم"، ملك "ماري" و"توتول" /1916-1897/ قبل الميلاد، يسمي النساء مدبرات المنزل، وجالبات الماء والناسجات، ومحضرات الطعام المصنوع من الحبوب المدقوقة والمنقوعة والخبز المختمر من الحنطة أو من الشعير "شبكو"، والجعة، "لابانو"، وزيوت السمسم والزيتون».

من مكتشفات توتول

ويتابع "الحمد" في السياق ذاته، قائلاً: «صارت المرأة هي محور الحياة الاجتماعية في الحقل والمنزل والمشغل والحانوت والمعبد، وكان الزواج أحادي، ولكن يحق للرجل أن تكون له عشيرة أو مخطيّة، "اسيرتو"، وكانت المرأة الحرّة تضع على رأسها الخمار، والعشيرة سافرة، ولكن يحق لها أن تضع على رأسها الخمار إذا خرجت مع زوجة الرجل الحر.

وكان الزواج لا يتم إلا بولي وشهود. وإذا طلب الفتى يد الفتاة التي يعجب بها فإن وافق أهلها على تزويجه يقدم لهم المهر، "الترحاتو"، ويتزوج الفتاة، وفي حال عدم إنجابها يعاد المهر إلى أهل العريس، وهناك الهدية التي تقدم للفتاة، ولا يكلف الأب بإعادتها حتى في حال فسخ الخطيب للخطبة.

كما يقدم أهل العروس هبة لابنتهم كي لا تشارك إخوتها في الوراثة، تدعى تلك الهبة "شريكتو". أما الزوجة فتقدم لها هدية من زوجها تدعى "نودونو"، وإذا لم تقدم لها هذه الهدية، شاركت الأم الأرملة أولادها في الوراثة. ولا يحق للزوج أن يتزوج على زوجته إلا في حالة العقم».

وعن الأعمال التي كانت تقوم بها المرأة، يختتم الباحث "محمد عبد الحميد الحمد" حديثه، قائلاً: «كانت المرأة في وادي "الفرات" و"البليخ"، تشارك في بعض المهن، منها الطبابة للإنسان والحيوان. وقد أشارت تشريعات "حمورابي"، المادة /224/، إذا قام الطبيب البيطري بعملية كبرى لثور أو حمار، وأنقذ حياته، فإن صاحبه يدفع للطبيب سدس "شاقل" حنطة أجراً له. وقد يتقاضون حبوباً أو جعة. وكانت حوانيت الأكل والشرب والمقاهي تدار من قبل النساء كما يستدل من المواد /108/، /109/، /110/، /111/ من تشريعات "حمورابي"».

المراجع:

1ـ "أبحاث الندوة الدولية لتاريخ الرقة"، دمشق /1981/.

2ـ "الآثار السورية"، ترجمة "نايف بلوز"، طبعة "فينا"، /1985/.

3ـ "دراسات في تاريخ الحقوق"، د. "شفيق الجراح"، "بغداد" /1972/.

4ـ "الحياة اليومية في بابل وآشور"، "جورج كونتينو"، ترجمة "طه التكريتي". دار "الرشيد" للنشر، "بغداد"، /1979/.