شغلت مسألة تنمية المنطقة الشرقية حيزاً كبيراً من اهتمام الحكومة، وشُكلّت لهذه الغاية مجالس للتخطيط الاجتماعي والاقتصادي لتنمية هذه المنطقة في محافظات "الرقة" و"الحسكة" و"دير الزور"، واختارت محافظة "الرقة" لهذا المجلس نخبة من المهتمين في هذا المجال، إضافة لمديري الجهات المعنية بهذا الشأن، وكان لهذا الفريق طروحات جادة، أنارت الطريق نحو إنماء المنطقة، ومن الأسماء المهمة التي واكبت أعمال هذا المجلس، وكان لها حضورها المتميز والفاعل في تفعيل عملية التنمية في محافظة "الرقة"، المهندس الاستشاري "عبد العظيم العجيلي"، عضو المجلس الاقتصادي لتنمية المنطقة الشرقيّة.

موقع eRaqqa التقاه بتاريخ (10/12/2009)، ليحدثنا عن أسس التنمية، ومهمتها، وكيفية الارتقاء بالإنسان لتحقيق شروط التنمية.

لعلّ البنى الاجتماعيّة في العالم، التي سارت قدماً في عملية تنمية أوطانها، إنّما ولجت التنمية من الباب الأضيق. فمهمة التنمية بكل أطيافها هي الارتقاء بالإنسان صحة، وثقافة، وكريم حياة, ولأنّ القطبين الرئيسين في تجاذب العملية التنموية هما الإنسان، والطبيعة، فإن ذلك يدخلنا في درب المجهول، الذي يوازي جهلنا بكلّ من نوازع النفس الإنسانية، وثورات الطبيعة. يمكن القول إنّ مفهوم التنمية ببعديه الطارئ الإسعافيّ، والمستقبليّ البعيد، مازال مفهوماً ضبابيّاً بالنسبة إلى بعض مراكز صناعة القرار في هذا الوطن، بالمقارنة مع ما هو قائم في تجارب المجتمعات الأخرى دلالة، لا مثالاً يُحتذى، إذ انخرطت تلك المجتمعات في تجاربها التنمويّة الخاصّة، التي أثمرت عن إيجابيّات، مثلما وقعت في مطبّات السلبيّة

يقول "العجيلي": «لعلّ البنى الاجتماعيّة في العالم، التي سارت قدماً في عملية تنمية أوطانها، إنّما ولجت التنمية من الباب الأضيق. فمهمة التنمية بكل أطيافها هي الارتقاء بالإنسان صحة، وثقافة، وكريم حياة, ولأنّ القطبين الرئيسين في تجاذب العملية التنموية هما الإنسان، والطبيعة، فإن ذلك يدخلنا في درب المجهول، الذي يوازي جهلنا بكلّ من نوازع النفس الإنسانية، وثورات الطبيعة.

سد الفرات

يمكن القول إنّ مفهوم التنمية ببعديه الطارئ الإسعافيّ، والمستقبليّ البعيد، مازال مفهوماً ضبابيّاً بالنسبة إلى بعض مراكز صناعة القرار في هذا الوطن، بالمقارنة مع ما هو قائم في تجارب المجتمعات الأخرى دلالة، لا مثالاً يُحتذى، إذ انخرطت تلك المجتمعات في تجاربها التنمويّة الخاصّة، التي أثمرت عن إيجابيّات، مثلما وقعت في مطبّات السلبيّة».

وعن التجارب العالمية في مجال التنمية، يقول "عبد العظيم العجيلي: «لابدّ من أن تحملنا التجارب التنمويّة للبنى الاجتماعيّة الأخرى، من مثل تجربة التنمية في وادي "التنيسي" في أمريكا، في ثلاثينيات القرن الماضي، وتجربة وادي "الفولطا" في بوركينا فاسو، في إفريقيا، وتنمية وادي "البنغال" و"بنغالابور" في الهند، ناهيك عن تجربة "سيبريا" السوفيتية، رغم قسوتها، وكذلك تجربة الشقيقة مصر، إلى اختبار رؤيات تنمويّة أكثر جديّة، وأرفع مصداقيّة، وأبعد مدى مما تقوم به الدولة في سياق مشاريعها السنويّة، وخططها الخمسيّة، التي يتجاوزها، في كل يوم، التغيّر السريع في أساليب التصدّي للمتغيرات والمستجدات، لاسيّما بعد أن أصبح هذا الكون مسرحاً مفتوحاً، يتنافس في حلبته أساطين المال، والمعرفة، والابتكار، فيما ما تزال قدراتنا الإنجازية مكبلة بالتقليديّ، والنسقيّ، والبائد من التشريعات، والنظم، وفنون الإدارة، واستشراف الإبداع، وصناعة المبدعين».

سد البعث

وعن النموذج الاستشرافي في عملية التنمية في سورية، وهل باستطاعتنا تمثل عملية التنمية بشكل حقيقي، يقول "العجيلي": «حينما نقول إنّ عمليّة التنمية عملية استثنائية، فإنّ نموذجاً سوريّاً يقفز إلى أذهاننا، وهو عمليّة بناء "سدّ الفرات"، ممّا يعني أنّ هذه الاستثنائيّة تحتّم رؤية استثنائيّة، ومنهجاً استثنائيّاً، وطاقة استثنائيّة، وأداءً استثنائياً، يستحضر كل ما هو حديث، وراقي، ومتميز في علم التخطيط المرن، والمتغّير، كما يستحضر الفكرة الحديثة المتطورة، والمبدعة الواعية لمتغيرات العصر التكنولوجية والمعرفية، ولعلّ هذه الاستحضارات برمّتها تقف في وجه النسقيّة بأشكالها الثقافيّة، والاجتماعيّة والإداريّة.

لقد زودتنا العقود الثلاثة من مسيرة التنمية في منطقة "الفرات"، بيقين يعلن أنّ الطموحات التنموية تظلّ ضمن حدودها الدنيا، ما لم يكن رأس حربتها من الذين هم على تماس كامل وعضويّ بواقع الميدان التنمويّ وجغرافيّته، بل لابدّ من أن يكون شغفهم هو الحفر العميق في النسق الثقافيّ للبنية الاجتماعيّة ولعناصرها، قبل أن يحفروا أساسات أيّة عمليّة تنمويّة اقتصاديّة. لابدّ لنجاح أيّة عمليّة تنمويّة مقترحة، من أن تكون قياداتها قد ولدت من المجموعات الشابة المتحفّزة، والمدرّبة أخلاقيّاً، ومهنيّاً على استشراف ما كمن من الصعوبات, والقادرة على التعامل مع معطيات العملية التنموية ومشكلاتها في هيكلية رائدة، لا مستنسخة، سواء أكان ذلك في التخطيط، أم في الإدارة، أم في التعامل مع الكيانات البشرية الجديدة.

لا يمكن لتنمية أن تستشرف النجاح من غير أن تمتلك قيادتها وعياً فرديّاً، يؤمن بأن طاقة الاعتزاز التي تصوغ النجاح، إنّما تأتي من قيادة عملية تنمية بلدها من قلب الحدث، وليس من خط التماس، أو من مراكز التحكم عن بعد.

ليس ما نعنيه، وما نطمح إليه، بصعب المنال أو التحقيق, فالأمثلة لا تحصى لأفراد ومجموعات من أبنائنا، كانوا ومازالوا روّاداً في قيادة وإدارة مشاريع عملاقة في بلادنا، وفي غيرها أيضاً، وذلك حين أعطيت لهم حرية الإبداع، وتوافرت لهم سبل العطاء, ودول الخليج الشقيقة خير شاهد».

ويختتم "العجيلي" حديثه، قائلاً: «لقد أُطلقت عملية التنمية، وخاصة تنمية المنطقة الشرقية، في مثلث التنمية "الرقة" – "دير الزور" – "الحسكة"، لتكون استثنائيّة فعلاً، أي خارج سياق مركزيّة الدوائر الرسميّة، ويوميّتها، وتقليديّتها، لكنّ ربط هذه العمليّة بعجلة الواقع الوظيفيّ، والإداريّ لقطاعات الدولة، وأنظمتها، وتشريعاتها، وآليّتها الحالية، لاسيّما ضمن الأطقم الوظيفية السائدة، لن يحقق ما نطمح إليه من تنمية رأينا الكثير من سابق إخفاقاتها، التي كان بعضها كارثيّاً، ويمكن استقراؤه في بعض مشاريع "الفرات". ولا بدّ لمن لم يسمع، أن نعود ونذكّر بكلمة أعلنها سيادة رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة، إذ قال: "آلية مختلفة جديدة". لاشكّ في أنّ سيادته رمى إلى أن تكون أكثر من كلمة هو قائلها، فهل ستطرق أذن من مازالت قلوبهم في شكّ، وعقولهم في غير يقين من قدرات هذا الوطن، ومن تفاني أبنائه!».