لعبت درواً اجتماعياً بارزاً في "الرقة"، فقد كانت مكاناً لاستقبال الضيوف، ومكاناً لتجمع الأهل والأصحاب، وهي أيضاً المكان لمناقشة الأحداث الاجتماعية، والفصل بالقضايا بين الناس.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 أيلول 2014، الباحث "عيد الدرويش" من أهالي "الرقة"، فقال: «لا تزال "المضافة" الرابط الاجتماعي القوي الذي يجمع الأصدقاء والأقرباء والمثقفين في بيت واحد، فهي جاءت لتلبي حاجة نشاطهم الاجتماعي، ولترسيخ عاداتهم وتقاليدهم، ولقضاء وقت فراغهم الطويل خاصة في فصل الشتاء، وتعد مضافات "العجيلي"، و"الهويدي"، و"المجحم"، و"ابن كعيشيش" من أشهرها في "الرقة"، ولا ننسى ديوان المخاتير فهو بحد ذاته مضافة. وتعد المضافات في "الرقة" أشبه بمركز ثقافي؛ تجمع الأديب والكاتب والباحث فيها».

خصلة الكرم المتأصلة في نفس العربي وظروف البادية والصحراء هي التي أوجدت المضافة، لأنها تعطي لصاحبها مكانة اجتماعية بارزة والهيبة المعنوية، إضافة إلى ما يتمتع به من سمات وخصائص خلقية كالكرم والتسامح والرزانة، وغيرها من الصفات الحميدة، ولا ننسى توافر الإمكانية المادية اللازمة للإنفاق عليها واستمرار ديمومتها

ويضيف: «تعد "المضافة" في "الرقة" بمنزلة الفندق والمطعم للغرباء، والمكان الأفضل لاستقبال الضيوف وشيوخ العشائر ووجهاء البلد، من كل القرى والمدن الأخرى، وتمتاز بأنها متعددة المهام؛ فهي محكمة تفصل بين الخلافات وفي أخذ المشورة والحكمة لقضاء حاجة ما، إضافة إلى أنها مكان لقضاء الوقت وملء الفراغ بين أبناء الحي أو العشيرة».

الباحث عيد الدرويش

ولاستمرار "المضافة" ونجاحها لا بد من توافر شروط في صاحبها، يقول "الدرويش": «خصلة الكرم المتأصلة في نفس العربي وظروف البادية والصحراء هي التي أوجدت المضافة، لأنها تعطي لصاحبها مكانة اجتماعية بارزة والهيبة المعنوية، إضافة إلى ما يتمتع به من سمات وخصائص خلقية كالكرم والتسامح والرزانة، وغيرها من الصفات الحميدة، ولا ننسى توافر الإمكانية المادية اللازمة للإنفاق عليها واستمرار ديمومتها».

قبل التطور العمراني الذي حصل "للرقة" كانت "الربعة" هي المضافة التي تحدث عنها الباحث "مصطفى خليل" بالقول: «كانت المضافة عبارة عن "ربعة" في بيت الشعر، إما منفصلة عن بيت الأسرة أو متصلة به، وعندما يريد أحد ما أن "يدق قهوة" أي يصبح صاحب مضافة يستأذن من أهل أو أصحاب أقدم مضافة في المنطقة أو من كبير القرية أو الحي؛ فإن أذن له كان له ذلك وإذا لم يأذن لا يفعل ذلك، ولا يمكن لأحد ما أن يمنع أحداً من أن يصبح كريماً أو أن "يدق قهوة مرة" في مضافته أو في بيته».

صب القهوة في المضافة

ويضيف "خليل" بالقول: «تتنوع الدلال في المضافة فقد تكون خمسة أنواع أو سبعة أو تسعة وأحياناً تصل إلى أكثر من ذلك، والدلة مصنوعة من النحاس، وقد تكون مطعمة بالفضة أكبرها "القمقوم"، والثانية "مطبخة"، والباقي الواحدة منها تدعى مصبات، ومن أدوات القهوة المرة "النجر"؛ وهو جرن القهوة، ويكون من الخشب القاسي "البطم، الزيتون" المزخرف بمسامير نحاسية أو يكون من النحاس الأصفر، وتدق حبات البن والهال في "النجر"، والأداة التي يدق فيها البن اسمها في "نجر" الخشب "مهباج"، وفي "نجر" النحاس اسمها "يد النجر" يقوم بذلك شخص في إعداد وتحميص القهوة يدعى "القهوجي"، ويدق دقات متتالية؛ ما يحدث إيقاعاً موسيقياً شجياً، كما يقول:‏

"سمعنا دق قهوة شمينا ريحة هيل"‏.

القمقوم والمصبات

وأيضاً يردد صاحب البيت عند استقبال الضيوف:

"يا كليب شب النار يا كليب شبه... عليك شبه والحطب لك يجابِ

وبليلة يا كليب صلف مهبه... مجرسنين وسوقهن بالعقابِ

وبنجر توالي الليل تسمع مدبه... وتسمع لصوته قول ذيب ينابي".

ويقول السيد "مروان الحاجي" من أهالي "الرقة": «لا تزال المضافة في "الرقة" واقعاً معاشاً من خلال بناء العديد من العائلات والشخصيات مضافات ودواوين خاصة بما تلعبه المضافة من أدوار؛ كالدور الاجتماعي من خلال مناقشة كافة الأمور، إضافة إلى طريقة صب القهوة التي تبدأ من اليمين إلى اليسار؛ ولكل قاعدة شواذ فأحياناً يصب القهوجي للأكبر قدراً أو سناً، ثم يرجع من اليمين إلى اليسار، إضافة إلى الدور القضائي فهي تعد مجلساً قضائياً؛ ففيها تحل مشكلات الدم والعرض والثأر والجنايات؛ يقوم بذلك شخص خبير بمنزلة القاضي اسمه "العارفة"، وهناك الدور الديني الذي لا يمكن نسيانه؛ فقبل انتشار المساجد كانت تقام فيها صلاة العيد، وصلاة التراويح، وصلاة الجماعة دون خطبة، وهذا ما يفسر لنا أن أغلب المضافات في "الرقة" يبنيها أصحابها باتجاه القبلة. وكانت "المضافة" المكان الذي يجلس فيه أبناء العشيرة لتحفيظ القرآن الكريم؛ فهي المنارة الوحيدة للعلم».