اللهجة "الرقية" هي أقرب اللهجات إلى اللغة العربية الأم، أخذت شكلها من القبائل العربية الأصيلة التي سكنت وادي "الفرات" الأوسط، من ميزاتها "الكشكشة"، و"العنعنة"، و"الشنشنة"، فيها ألفاظ لا تسمعها إلا على ألسنة الناطقين بها، وتعود إلى "الأكادية" بداية الكلام العربي.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 28 أيلول 2014، السيد "يوسف درويش" من أهالي "الرقة"، الذي قال: «اللهجة "الرقية" متنوعة بتنوع متحدثيها، وهي شاملة لأهل الحضر والبدو؛ فالمنطقة كانت تستقطب كل القبائل العربية خاصة تلك التي سكنت على ضفاف "الفرات"، ورغم تنوعها الثقافي تبقى أقرب اللهجات على الإطلاق إلى لغتنا العربية الجميلة لغة الأجداد، ومن تلك الألفاظ "الشنشنة" وهي جعل الكاف شيناً مطلقاً، ولكننا في "الرقة" نجعلها ما بين الشين والكاف؛ فاللهجة ما زالت حية وتتحدثها بيئة عربية موجودة، والإبدال ليس مطلقاً وإنما في بعض الألفاظ حيث تكثر عند سكان المدينة وتقل عند "الفدعان"، والبدو يقلبون الكاف سيناً على عادة مضر ربيعة فالكلمات هي: "بكى، شكى، كف، شكوة، تلفظ بجى، شجى، جف، شجوة"، وتنسب قديماً إلى اليمن وأهل الشعر من "مهرة" و"قضاعة" و"تغلب"».

لهجة "الرقة" لهجة حية وفريدة تأتي قيمتها من تعددها وغناها وشمولها، وقدراتها على الاستمرار والصمود كل هذه المدة دون أن تفقد قيمتها، وإن بدأت تنحسر اليوم أمام الاختلاط السكاني الكبير، إلا أنها ما زالت تحمل داخلها ظواهر بواكير اللغة العربية الأم في بدايات تطورها نحو الشكل الذي نعرفه، وانشطارها عن الأكادية

وعن الاختلافات في طريقة النطق عند أهل "الرقة" يقول الباحث "إبراهيم الخليل" في المجلة الصادرة عن "وقائع الندوة الأثرية في مدينة الرقة": «لهجة "الرقة" لهجة حية وفريدة تأتي قيمتها من تعددها وغناها وشمولها، وقدراتها على الاستمرار والصمود كل هذه المدة دون أن تفقد قيمتها، وإن بدأت تنحسر اليوم أمام الاختلاط السكاني الكبير، إلا أنها ما زالت تحمل داخلها ظواهر بواكير اللغة العربية الأم في بدايات تطورها نحو الشكل الذي نعرفه، وانشطارها عن الأكادية».

الرقة ليلاً

ويتابع: «يميل أهل "الرقة" إلى "الكسكسة" في اللغة؛ وهي إبدال الكاف سيناً، ويختص فيها "الفدعان" من عشائر "عنزة" البدوية في "الرقة" مثل: "أَبُوس، وأُمُّس" أَي أَبوك وأُمُّك، وقيل هو خاصٌّ بمخاطبة المؤنث وقديماً كانت تختص بها ربيعة، ومضر، وإلى "الكشكشة" وهي إبدال كاف المؤنثة شيناً في الوقف والأصل ومثال ذلك "ربك، عندك، بعدك، لأنك"، وتلفظ في لهجة الرقة "ربج،عندج، بعدج، لانج"، وتختص بهذه اللغة قديما "ربيعة" و"مضر" و"حمير"، وأهل "الشحر" من "قضاعة" و"مهرة"».

ويضيف: «يتكلم أهل "الرقة" لهجة واحدة وهذه اللهجة لا يتكلم بها إلا أبناء منطقة ما كان يعرف بـ"ديار بكر" و"ربيعة" التي سكنت المنطقة إضافة إلى من هاجر منهم إلى غيرها من الأماكن الأخرى، وهناك "العنعنة" وهي إبدال الهمزة عيناً كأن يقول القائل "سعال" بدلاً من "سؤال"، وتكثر في لهجة "العفادلة" وتقل في لهجة أهل المدينة من "القول والفدعان" من البدو، فالكلمات: قرآن، هيئة، سؤال تلفظ "قرعان، هيعة، سال"، وهي قديماً لغة "تميم"، و"قيس"، و"أسد"».

ويشير مدرس اللغة العربية "أحمد فواز" بالقول: «لهجة "الرقة" معقدة وبعيدة كل البعد عن باقي لهجات المناطق المجاورة، وهي ثقيلة على أسماع غير الناطقين بهذه اللهجة من أبناء "سورية"، وهناك "القلقلة" وهي في اللغة كسر حرف المضارعة إطلاقاً، وفي لهجة "الرقة" تكسر حروف المضارعة عدا الألف؛ فالكلمات: "تجمع"، "يحضر"، "نلعب"، "ترتفع" تلفظ: "يِجمع"، "يِحضر"، تِلعب"، "تِرتفع" وتنسب هذه اللهجة قديماً إلى "البهراء"، وبعض من "كلب"، و"هذيل" و"ربيعة" من العرب، كما يميل أهل "الرقة" إلى كسر أوائل الأسماء مثل كلمة "تلفظ"، وقديماً كانت هذه اللهجة لبني "أسد"، و"عامة"، و"قيس"، و"تميم"».

ويرى الدكتور "رمضان عيد النواب" في كتابه "فصول في فقه اللغة": «إن الكسر أصيل في اللغة العربية، والفتح محدث طارئ على اللغة جاء فيما بعد يلغي عنها صفة اللهجة، ويدرج هذا النوع في الخصائص المبكرة للغة الأم، وهي لهجة قريبة من الفصحى لما تحمله في جوفها من ألفاظ وكلمات عربية قديمة لن تسمعها إلا على ألسنتهم، وفي بطون الكتب القديمة، وحركات كالضمة والكسرة والسكون وإمالة الألف، وهي لهجة مصدرها واحد وجذورها جزرية وإن اختلفت قليلاً في حركتها من منطقة لأخرى من مناطق الناطقين بها».