على الرغم من الطقوس الحزينة والمؤلمة التي ترافق "المعادة" إلا أنها تظل جزءاً من فلكلور أهل "الفرات"؛ هذه العادة الجنائزية المغرقة في القدم، التي ربما تعود جذورها إلى "مصر الفرعونية"، وبسبب تطور الحياة أخذت طريقها إلى الزوال ليصبح العزاء الفراتي أقل حزناً.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 أيلول 2014، السيدة "سلوى الحمد" من أهالي "الرقة"، التي قالت: «تعد "المعادة" من أقدم الطقوس التي مارستها المرأة الفراتية منذ القدم، وهذه الطقوس من أكثر الطقوس شدة ورهبة، لكونها تتعلق بالموت بعد رحلة مضنية في الحياة، فعند حدوث أي حالة وفاة كانت المرأة تصيح بأعلى صوتها على طول المسافة التي تقطعها من بيتها حتى منزل المتوفى، حتى تعلم قريبات الميت بالحدث فيتوجهن صوب منزله، ومن الطقوس المرتبطة بالوفاة قص الشعور عند النساء؛ حيث تدخل قريبات الميت إحدى الغرف وتقوم أكبرهن بقص شعور النساء، بعد ذلك تقوم "المعادة" في بيت الميت مع توافد القريبات والجارات والمعارف.

عند خروج الجنازة تسير النساء خلفها حتى "المجنة"، وبعد الدفن يعدن الطقس الذي يسمى "المعادة" ويبقين بعد ذلك قرب القبر ما تبقى من النهار، ويدوم هذا الوضع من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع ويكون طعامهن في هذه الأيام من الخبز واللحم المرسل إليهن من المعارف؛ ويسمى هذا الطعام "غرْفاً"

"يـا رب لا تغبر تلافيهـم... جم من الحرب ويلي تلاكيهم

رسم يبين النساء وهن ذاهبات إلى بيت الميت

يا حيد المحامي للثقل شيال... حزني عليهم والليالي طوال".

وأيضاً:

"بباب السرايا ربطم خيلهم... حدّر على الحكام بالليل يا ويلهم

هالهوسـة غربي البيوت... حوّل عليـها السـبع بسـكوت"».

وتضيف "الحمد": «تشكل مجموعة من النساء في "المعادة" حلقة دائرية وجميعهن متشحات بالسواد يشتركن في ندب الميت وقوفاً، تتوسطهن امرأتان ترقصان رقصاً خاصاً بشكل متعاكس، ويمكن أن يستخدم في "المعادة" الطبل أو الدف مع "قصيد" تقوله إحدى النساء ويرددن خلفها، وهذه المرأة تسمى "القاصودة"، وتقوم "المعادة" ويكون الميت لا يزال مسجى في فراشه

ويقلن:

"أريد أبجي عليهم سنين وشـهر... على اللي عمّرْ سواجيها والأنهر

وبعيني شفت أبو محمد طلع حر... دهك عظم الخصيم وقاعد بالدار"».

وتختتم: «عند خروج الجنازة تسير النساء خلفها حتى "المجنة"، وبعد الدفن يعدن الطقس الذي يسمى "المعادة" ويبقين بعد ذلك قرب القبر ما تبقى من النهار، ويدوم هذا الوضع من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع ويكون طعامهن في هذه الأيام من الخبز واللحم المرسل إليهن من المعارف؛ ويسمى هذا الطعام "غرْفاً"».

وبين الباحث التاريخ "خالد الحسين" بالقول: «بعد أن يوضع جسد الميت على قطعة من الخشب، تقوم الندابات بتشكيل حلقة دائرية مغلقة حوله ولكن جلوساً، ثم يبدأن الرثاء والندب، وضرب صدورهن بقبضات الأيدي مع حركات جنائزية راقصة ونتف شعورهن أو قصه، وبعد أن يتم دفن الميت في القبر، تذهب مجموعة من النساء، ممن يمثلن زوجة أو زوجات الميت ووالدته، وقريباته، حيث يكررن ما قمن به من أشكال الندب قبل تشييعه إلى المقبرة، وإلى وقت ليس بالبعيد كان هذا الشكل من الندب يتم في مدينة "الرقة"؛ والندب هو نوع من الفن المرتبط بتقاليد الموت التي عرفتها أغلب شعوب العالم القديم، وتوارثتها مثل النعي».

ويقول الباحث الآثاري "عمار مهيدي": «تظل "المعادة" شكلاً من أشكال الرقص الجنائزي الذي مارسته شعوب العالم القديم، وعلى ما يبدو أنه متوارث من شعائر وثنية قديمة، بمعنى أنّ هذا الرقص الجنائزي، هو نوع من الممارسات التي تهدف إلى إيقاظ الميت في قبره، ولذلك نجد أنّ القدماء كانوا يضعون مع الميت كل حاجياته التي كان يستعملها في حياته، فقد عثر علماء الآثار في المقابر الملكية في "كنوسوس" في جزيرة "كريت"، وكذلك في المقابر الملكية في كل من "أوغاريت"، و"ماري"، و"بابل" على نفائس ثمينة، كانت مدفونة مع أصحاب تلك القبور، كما عثر المنقبون على نصوص تتضمن مرويات الندب، التي تدعو فيها الندابة الميت إلى الاستيقاظ من قبره، ليرى ما حل بأقرب الناس إليه مثل زوجته وفرسه، وكيف أنّ كل واحدة منهما أصبحت تتبع لرجل آخر غيره».