احتضنت "الرقة" داخل مساحتها الخضراء قبائل عربية عريقة حافظت على لغتها الأم، ورغم غزو الحداثة لها في شتى مناحي الحياة، لا يزال الإنسان الرقي حتى يومنا هذا يتكلم لهجة عمرها يقارب الألفي عام، ويلفظها بشكل لين يتناسب مع الطبيعة المحيطة به.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 أيلول 2014، الباحث التاريخي "عيد الدرويش"، الذي تحدث عن لهجة أهل "الرقة" بالقول: «تتمتع "الرقة" منذ القديم بمكانة متميزة لوقوعها على شاطئ الفرات الأوسط، وهي بحد ذاتها ميناء نهري على الفرات وبنية اجتماعية قبائلية منذ عصور عدة ومركز إشعاع فكري، مضى على أهل "الرقة" في بلدهم زمن طويل وهم يتكلمون بلهجة عربية قديمة واضحة تخلو من عيوب النطق».

تتمتع "الرقة" منذ القديم بمكانة متميزة لوقوعها على شاطئ الفرات الأوسط، وهي بحد ذاتها ميناء نهري على الفرات وبنية اجتماعية قبائلية منذ عصور عدة ومركز إشعاع فكري، مضى على أهل "الرقة" في بلدهم زمن طويل وهم يتكلمون بلهجة عربية قديمة واضحة تخلو من عيوب النطق

ويضيف: «المفردات الرقية خصوصاً والفراتية عموماً أقرب ما تكون إلى الفصحى لعدة أسباب؛ تعد "الرقة" قاعدة ديار مضر، وهم من عرب الشمال نزحوا إلى الجزيرة الفراتية قبل الإسلام بعدة قرون، إن القبائل العربية التي تسكن "الرقة" حالياً هي امتداد للقبائل النازحة والمستوطنة من العرب؛ لذلك وعبر التاريخ امتدت اللغة العربية الفصحى لتصل إلينا مع كثير من المفردات المتداولة حالياً، قرب اللهجة الرقية من الفصحى جعل مخارج الحروف في اللهجة تتناسب مع مخارجها في اللغة العربية؛ لذلك ترى الفرد الرقاوي يستطيع تقليد كثير من اللهجات في حين يصعب تكلم غيرنا بلهجتنا لاختلاف مخارج الحروف، إن ما يتردد في لهجتنا من "الجأجأة" مثلاً كلمة "الجاي" وغيرها هي لهجة من لهجات العرب».

نهر الفرات في الرقة

ويشير أستاذ اللغة العربية "أحمد فواز" بالقول: «تمتاز اللهجة الرقيّة ببعدها عن التكلف والتصنع، وأبرز ما يلاحظ عليها نطق "الكاف" "جيماً معطشة"، مثل: "كانت" تلفظ "جانت"، و"شجاج" على أن ذلك ليس دائماً وإنما في مواضع، وتنطق "القاف" "قافاً يمانية"، مثل: "القاع" تلفظ "الكاع"، ولا يسقط الرقيون الإعراب في قسم من الكلام، ويشتق الرقيون أفعالاً من الألفاظ المعربة أو الدخيلة، وإذا أحصينا مفردات اللهجة الرقية وصنفناها من حيث المعاني البائية والحضارية لوجدناها وافرة تجمع بين الطورين، وهي عربية نجدها في النصوص القديمة في شعر شعراء العهد الأموي والعهد العباسي من مختلف القبائل العربية، وتعود وفرة هذه الكلمات في اللهجة الرقية إلى كون الرقيين من قبائل عربية متعددة معروفة، وإلى كثرة القبائل العربية في بادية الشام والجزيرة الفراتية التي اختلط بها الرقيون واختلطت بهم منذ القديم إلى اليوم».

ويوضح الباحث والشاعر "خالد الحسين" بالقول: «تمتعت "الرقة" منذ القدم بأنها جامعة مفتوحة لعلوم الدين واللغة، فقد أقام بها الكثيرون من المحدثين والشعراء وأنشدوا في مجالس "هشام بن عبد الملك في الرصافة"، وفي مجالس "الرشيد" في "الرقة"، والرواة والصحابة في "الرقة" من أمثال: "وابصة بن معبد الأسدي، وأبو زبيد الطائي، وعبد الله بن قيس الرقيات، والوليد بن عقبة، ويزيد بن الأدهم، والزهري، وأبو أيوب ميمون بن مهران"، وغيرهم الكثيرون، واتخاذ "الرقة" عاصمة ثانية للرشيد، وكما قال "ياقوت الحموي": (إنها البستان المضاهي لتاج الخلافة في بغداد)، كل هذا جعل الحركة الحضارية تتطور وتمتد إلى وقت قريب حتى دمرها التتار عام 1280م، ومن هنا احتفظت القبائل العربية في "الرقة" بمخزون لغوي ضخم من المفردات والمرادفات».

الباحث عيد الدرويش.

ومن الأمثلة على المفردات اللغوية في لهجة الرقية: «"البزيم": أصلها الإبزيم وهي عروة معدنية في أحد طرفيها لسان توصل بالحزام ونحوه لتثبيت الحزام الآخر، وجمعها أبازيم وهي فارسية معربة، وكلمة "وجت النار": أصلها "أجت" وقلبت الألف واواً، ومعناها تلهبت النار، والأجيج صوت التلهب، وفي اللهجة نقول "الوجيج"، و"الميجنة": مطرقة أصلها المئجنة وجمعها في العربية مآجن وفي الرقاوية مياجن، "الودية": وهي دية القتيل ونلاحظ زيادة الواو على الاسم في الرقاوية أصلها الدية، و"الهكط": أصلها الإقط لبن محمض يجفف ثم يطبخ أو يطبخ به، وكلمة "الولف" وهو الحبيب، و"الونيس" أصلها الأنيس المؤانس وكل ما يؤنس به فهو أنيس، وكلمة "الونين" أصلها الأنين الصوت من ألم أو مرض، "كتوار النار" أي لهبها مع دخانها أصلها، و"تعوق" بتشديد الواو وتلفظ القاف "ج" مصرية ومعناها باللهجة تأخر، و"المبحوح": فصحى بمعنى أصابه غلظ في الصوت، و"البخت": الحظ معربة من الفارسية».