"زواج الحيار" عادة من عادات الزواج التي ما تزال موجودة- وإن بخجل- في "ريف الفرات"، و"الحيار" هو إرث عشائري دافعه الأساسي هو النسب، وهذه قضية لا يستهان بها عند أهالي المنطقة، وله دوافع اجتماعية أخرى، واقتصادية في بعض الأحيان.

وعلى الرغم من كل ذلك ما تزال بعض الأسر تعتمد هذا العرف على أساس التقيد بالعادات والتقاليد والالتزام بإيفاء الوعد حتى لو كان على حساب نفسه أو عياله.

وقد يحير ابن العم ابنة عمه انتقاماً، أو كرهاً، بمن تقدم لخطبتها، دون توافر الرغبة لديه بالزواج منها، أو انتقاماً منها لأنه تقدم لخطبتها فرفضته، أو لأنه سمع أنها عاشقة لمن تقدم لخطبتها فتأخذه الغيرة العمياء ويقوم بتحييرها، كما يمكن أن تكون هناك نيات أكثر فظاظة مما ذكرت، تتمثل بطمع المحيِّر بمبلغ من المال يسمى بهذا الباب "الرضوة"، يعرض عليه لقاء تخليه عن حياره، والأنثى بكل ذلك لا حول لها ولا قوة، والويل لها إن أبدت اعتراضاً، لأنها ستدفع الثمن غالياً حينها، وقد يكون هذا الثمن حياتها

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 25/8/2013 الباحث "عباس الطبال" الذي تحدث عن زواج الحيار بالقول: «عادة التحيير تعود في معناها اللغوي إلى إيقاع الإنسان في حيرة من أمره وهنا يقصد بها إيقاع الأهل في حيرة من أمرهم عندما يريدون أن يزوجوا بناتهم، فقد جرت العادة في "دير الزور" أن يعطي الأب وعداً لأخيه أو ابن أخته أحياناً أو غيرهما عندما تولد له ابنة بأن المولودة هذه ستكون زوجة لابنك فلان عندما تصبح في سن الزواج وهنا يكون الأب قد حيرها لابن أخيه أو ابن أخته أي إنها الزوجة التي ستكون لابن أخيه في المستقبل فإذا بلغت سن الزواج وطلبها أحد أجابوه بأنها محيرة لفلان ابن عم أو عمة أحياناً، أما إذا وافق والد الفتاة على تزويجها بمن طلبها منه فيعترض ابن العم أو العمة (إذا كان زوجها من عائلة والد الفتاة) على موافقة والد الفتاة ويذكرونه بأنها محيرة منذ صغرها لابنهم كما يخبرون من تقدم لخطبتها بذلك فيبتعد حتى لا يقع بإشكالات».

ومن منطلق الإشارة والتوثيق للحراك الاجتماعي في محافظة "الرقة"، ولكون الحيار عادةً مازالت بعض جذورها حيةً في الريف البعيد عن مركز المدينة توجهنا بسؤال الأستاذ "جمعة أبو هيف" المجاز في اللغة العربية وآدابها، عن معنى "الحيار" لغةً فأجاب بالقول: «أحب بدايةً أن أعرّف الزواج كي أدخل إلى الموضوع بشكل صحيح، فالزواج هو ميثاق تراضٍ وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الاحصان والعفاف، وإنشاء أسرة مستقرةٍ برعاية الزوجين، ومن هنا أقول بأن زواج "الحيار" ليس زواجاً لعدم تحقيقه شروط الزواج، من التراضي وإنشاء الأسرة المستقرة، أما "الحيار" لغةً فإنَّ اصطلاح "الحيار" يشي لك بالحيرة، وفي اللغة العربية، "الحير": كثير المال والولد، وحيَّره في كلام العامة جعله ضمن دائرةٍ وطوَّقه، والشيء المحير: الدائري، وهو أحد أشكال "العضل" وهو في اللغة المنع، فيقال عضل فلان ابنته، إذا منعها من الزواج، ويقول المولى عز وجل في كتابه الكريم ناهياً عن القسر في الزواج: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا) "البقرة/232/"، وهو أيضاً الحجر، أي منع المرأة من الزواج بمن هو نظيرها، وإجبارها على الزواج بقريب بعينه، وتمنع عمن سواه مهما كانت الأسباب، والحِجْرُ: الفرس الأنثى، ويراد بالحجر الفرس الأنثى التي جعلوها محرمة إلا على حصان كريم».

وعن كيفية "الحيار" يحدثنا الباحث "علي السويحة" بالقول: «من النادر أن تلاحظ هذه العادة حالياً في المدينة، بسبب الوعي الذي دخلها، ولكنها عادة تدخل في تركيب العائلة الريفية، وتكون بذلك البيئة الريفية هي الأكثر ملاءمة لبقاء هذه العادة الكريهة، فعند ولادة الفتاة يدخل عمها إذا كان لديه صبي يكبرها بالعمر، ليقوم باختيارها عروساً لابنه، بعلم كل أفراد العشيرة، وحدث أحياناً وكنوع من الضمان أن يقص هذا العم قطعة من ثوب ابنة أخيه ويحتفظ بها في مكان أمين كنوع من التوكيد المادي على حجز الفتاة لابن عمها، وفي حالات نادرة إن كان والد الزوج المرتقب ذو قدرة مادية واجتماعية كبيرة، فإنه يأخذ ابنة أخيه لتربيتها في بيته حتى تكبر لتصبح عروساً لابن عمها، وقد يرسل والد الفتاة المخطوبة إلى إخوته يستشيرهم بزواجها، ويسألهم قبل أن يعطي موافقته للخاطبين إن كان في نية أحدهم تحييرها لولده، وتكون الأولوية دائماً للأخ الكبير، وهي تراتبية تمتد إلى أن تنتهي بأحد أفراد العشيرة إن كان الخاطب من عشيرة أخرى».

الباحث علي السويحة

ويتابع "السويحة" حديثه موضحاً أشكال "الحيار" قائلاً: «وقد يحير ابن العم ابنة عمه انتقاماً، أو كرهاً، بمن تقدم لخطبتها، دون توافر الرغبة لديه بالزواج منها، أو انتقاماً منها لأنه تقدم لخطبتها فرفضته، أو لأنه سمع أنها عاشقة لمن تقدم لخطبتها فتأخذه الغيرة العمياء ويقوم بتحييرها، كما يمكن أن تكون هناك نيات أكثر فظاظة مما ذكرت، تتمثل بطمع المحيِّر بمبلغ من المال يسمى بهذا الباب "الرضوة"، يعرض عليه لقاء تخليه عن حياره، والأنثى بكل ذلك لا حول لها ولا قوة، والويل لها إن أبدت اعتراضاً، لأنها ستدفع الثمن غالياً حينها، وقد يكون هذا الثمن حياتها».

ويدعو الطب وعلم الاجتماع إلى الابتعاد عن مثل هذه العادات السيئة للفرد والمجتمع كما قالت العرب: إن بنات العم أصبر والأباعد أنجب أي ينجبن الأبناء الأقوياء والنجباء، بينما يرى الطب أن الزواج من خارج العائلة يجنب عدداً من الأمراض الوراثية وأمراض الدم وهذا كله يشكل براهين وأدلة على وجوب رفض هذه العادة في مجتمعنا.