تنتشر في "الرقة" قبب خضراء تحتضن مقامات لعدد من الصحابة والتابعين وبعض الأولياء والصالحين، ولعل أشهر هذه القبب قبة "أويس القرني"، وتحوز هذه القبب مكانة خاصة عند الأهالي فهم يحلفون ببركتها ويحفظون أماناتهم بالقرب منها عند شعورهم بالخطر.

ومن المقامات المعروفة في الرقة مقام الصحابي الجليل "عمار بن ياسر"، ومقام "أبيّ بن كعب"، و"وابصة بن معبد الأسدي"، مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 2/9/2009 الباحث "محمد العزو"، الذي تحدث عن نذور أهل "الرقة" بالقول: «قبل أن يبنى مقام "عمار"، ويعاد تجديده بحلِّة جديدة، كان مقام "أويس القرني"، يتميز بوجود قبَّة خضراء فوق الضريح، يسميها أهل "الرقة"، "طاسة ويس"، وتعني القبة، ويحلفون بها أيماناً قاطعة، بقولهم، "وحياة طاسة ويس"، كما كان المقام وجواره مكاناً آمناً لحفظ الأمانات، فقد كانت تودع الأمانات تحت ظل شجرة "ويس"، أو كما تسمى "توثات ويس"، وتبقى محفوظة لا يقربها أحد إلى حين عودة أصحابها».

هناك أيضاً صخرة "أم ظهور"، موجودة عند مقام "أبيّ بن كعب"، وقاصد هذه الصخرة يضع عليها حجراً صغيراً بعد أن يبلل بالريق، ويحاول لصقه على الصخرة الواقفة بشكل عمودي، فإذا ثبتت الحجرة الصغيرة على صخرة "أم ظهور" تكون قد تحققت الأماني، علماً أن هذه الظاهرة منتشرة عند النساء أكثر من الرجال

وأضاف: «كان هناك رجل يحرس المقام، يكنى بأبي عمشة، وهو رجل مبروك، فيه شلل في وجهه ويده وإحدى قدميه، من أولياء الله الصالحين، إذا مرَّ بالسوق يستطيع أن يأخذ منه ما يشاء، وكان- أطال الله بعمره- لا يأخذ إلاّ حاجته، وأهل الرقة يحترمونه، ويحبونه، ويطلبون منه الدعاء، ويسعون إلى التبرك به، والتمسح بأطراف ثوبه الأخضر، وعمامته الخضراء».

أصحاب النذور عند مقام ويس القرني

وأشارت السيدة "راغدة راتب" بالقول: «تعتبر النساء أكثر زوار المقامات، إذ كنّ يأتين إلى مقام "أويس القرني" أو "ويس" (كما يلفظه أهل "الرقة") من جميع المحافظات، طلباً للعون والشفاء، فالفتاة التي تعدت سن الزواج ودخلت طور العنوسة، تأتي المقام وهي تردد: "يا ويس جيتك زايرة وشقة عبايتي طايرة كل البنات انخطبت إلا أنا ظليت بايرة"، فهذه الأغنية ترددها النسوة طلباً لبركات "أويس" في تخطي العنوسة، ونيل المبتغى في الزواج».

وأضاف "العزو": «وهناك مقام "عمار بن ياسر"، الذي يحيط به شبك، يقصده الناس، وخاصة الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد، على اعتقاد منهن بأنهن سيتزوجن بعد قصدهن المقام، فتقوم الواحدة منهن بعقد شريط من القماش على شبك المقام، على أمل أن يأتي أحد بعدها، ويفك عقدة الشريط الذي ربطته، وإذا حل الشريط فسوف تتزوج ببركات "عمار"، ومازالت هذه العادة موجودة حتى وقتنا الراهن، وهناك على شاهدة القبر قطعة قماش كبيرة، لونها أخضر، يقصدها الزائر طالباً تحقيق أمنية، فيقوم بقطع قطعة من القماش الموجودة على الضريح ويضعها على معصم يده، حتى لا يصاب بالعين أو الحسد، أو للشفاء من المرض».

وتابع: «هناك أيضاً صخرة "أم ظهور"، موجودة عند مقام "أبيّ بن كعب"، وقاصد هذه الصخرة يضع عليها حجراً صغيراً بعد أن يبلل بالريق، ويحاول لصقه على الصخرة الواقفة بشكل عمودي، فإذا ثبتت الحجرة الصغيرة على صخرة "أم ظهور" تكون قد تحققت الأماني، علماً أن هذه الظاهرة منتشرة عند النساء أكثر من الرجال».

وعلى الأغلب النساء اللواتي يأتين إلى هذه الأضرحة يضمرن في نفوسهن نذوراً في حال التوفيق أو الشفاء، ويكون النذر مبلغاً من المال أو ديكاً أو دجاجة أو خاروفاً، وذلك حسب الإمكانيات المادية المتاحة أو الوضع الاجتماعي، ويظل النذر عالقاً برقبة الناذر إلى حين الإيفاء به».

وعن مقام "وابصة" تحدث "العزو" قائلاً: «تؤكد الشواهد والمعطيات التاريخية أن مقام "وابصة بن معبد الأسدي"، هو قبر والي "الرقة" "سعد الدين باشا العظم"، في أواخر العهد العثماني، في القرن التاسع عشر الميلادي، الذي مات مطعوناً في "الرقة"، ودفن في موضع في المسجد الجامع، "جامع المنصور"، لكن أهل "الرقة" يعتقدون غير هذا الاعتقاد، إذ يقولون إنه ضريح "وابصة بن معبد الأسدي"».

وهم يعظمون "وابصة" ويجلونه، ويعتقدون أن زيارتهم له تساعد في شفائهم من الأمراض والأسقام، وتحقق أمانيهم، لذلك تجد كثيراً من النقود ملقاة داخل الضريح، وقيّم المقام يحصل على بعض المال إضافة للدجاج والماشية التي تأتي كنذور من الزوار الذين يحفون بالمكان، خاصة في الأعياد وأيام الجُمع».

وعن كرامات الأولياء، وفضل التبرك بهم، يقول الباحث "حمصي فرحان الحمادة": «مازال اعتقاد الناس راسخاً بفضل وبركات الأولياء الصالحين، ومازالت النسوة يعقدن آمالاً عريضة في طلب العون والمدد من أولياء الله الصالحين، رغم التطورات الحديثة التي يشهدها العالم، وانتشار الثقافة التي تؤصل لبناء إنسان عصري يتجاوز هذا الإرث الثقيل من الاعتقادات. ويكاد عجز الإنسان أمام المعضلات الكبرى التي تواجهه، يدفعه للبحث عن سبل إضافية لحل مشكلاته وهمومه».