تحتفظ مدينة "الرقة" في شهر رمضان المبارك بعادات وموروثات رمضانية تنتعش في هذا الشهر الفضيل، ومنها عادة تبادل الأطباق بين الجيران والأصدقاء والأقارب، أو كما يسميها أهل الرقة "الطُعمة"، وهي تبعث الدفء والمودة وتقوي العلاقات بين الجيران، وتحمل معها أطيب معاني الكرم والحب.

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 3/9/2009 السيدة "خديجة العلي" فتحدثت عن الطقوس التي يمارسها أهل "الرقة" في شهر رمضان، فقالت: «من العادات الجميلة التي كانت ترافق وجبة الإفطار، هي تبادل الأطعمة بين الجوار، حيث يقوم الصبية بنقل الأطعمة بين المنازل قبيل الإفطار بدقائق قليلة، وتسمى "الطُعمة"، وبالنسبة للحلويات كانت تقتصر على "المشبك"، و"السياييل"، وهي عبارة عن أرغفة من خبز الصاج السميك، يدلق عليها السمن العربي والقطر، ومن العادات التي كان يحافظ عليها أبناء "الرقة" خلال هذا الشهر الفضيل هي نحر الذبائح عن أرواح موتاهم، وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، وهذه العادة مازالت موجودة في بعض البيوت الميسورة الحال».

انطلاقاً من حرص الأهل على تعويد الأطفال الصغار على الصيام، كانوا يتبعون طريقة تسمى صوم "الغزلان"، حيث يشجعون الطفل على الصوم في اليوم الأول إلى ما قبل الظهيرة، ويمنح قطعة نقود معدنية، تشجيعاً له وفي اليوم التالي إلى صلاة الظهر، وهكذا إلى أن يصوم يوماً كاملاً

ويبيّن الباحث "محمد العبود" بالقول: «يلعب "العرق سوس" دوراً حيوياً على الموائد في شهر رمضان الكريم، إذ يمكن أن نعتبره المشروب الرسمي لهذا لشهر الفضيل، ومع أنه لا يتم تبادله بين الجيران كالأطعمة إلا أنه يرتبط بأذهاننا وحياتنا بالصيف وقيضه، وبشهر رمضان، خاصة أن السوس نبات ينمو بكثرة في محافظة "الرقة"، وهو ينمو في الأراضي الجرداء دون رعاية أو عناية، وتتغلغل جذوره في باطن الأرض لعدة أمتار، حيث تقتلع جذور هذا النبات من الأرض، وتترك أكواماً لتتخمَّر قليلاً، وليزداد لونها اصفراراً، ثم تنظف من الأتربة العالقة وترسل إلى المخازن والمعامل، وفي المحافظة هناك معمل واحد للسوس، ونحن بدورنا نقوم بشرائه من هذا المعمل».

بائع السوس في أحد شوارع الرقة

وأشار السيد "حمصي الحمادة" عن طقوس رمضان بالقول: «يعد تبادل الأطعمة المتنوعة بين الجيران، خصوصاً في الأعياد والمناسبات، موروثاً شعبياً قديماً، يتهافت الأطفال على توزيعها بين الجيران، كما تشكلت لدى سكان "الرقة" قديماً طقوس رمضانية تشابه ما يجاورها من مدن، وتبدأ هذه الطقوس منذ اليوم الأخير من شهر "شعبان"، حيث كان أهل "الرقة" ينتظرون حلول شهر "رمضان" عند مئذنة الجامع القديم، وعندما يثبت حلول الشهر يطلق المدفع عدة طلقات، معلناً بداية الشهر، فيبدأ الناس يباركون لبعضهم بعضاً بحلول الشهر».

وعن أبرز أنواع الأطعمة التي كان يتناولها الرقيون في سحورهم قال "الحمادة": «كان الرقيون يعتمدون في سحورهم على أكلة شعبية تسمى "الحنيني"، وهي عبارة عن تمر طري يقلى بالسمن العربي، ويشرب معه "الشنينة" اللبن الرائب، وبالنسبة لوجبة الإفطار، فقد كانت تتألف من وجبات بسيطة مثل "الكبة المسلوقة"، و"الجيكا"، وشوربة العدس، وتطبخ الأسر الرقية وجبة واحدة كل يوم، وكانوا يستخدمون آنية فخارية تدعى "الدن" لتبريد المياه».

الأطفال يتولون مهمة تبادل الاطباق

وحول طقوس السهرات الرمضانية قديماً تابع "الحمادة" حديثه، قائلاً: «تبدأ السهرات الرمضانية بعد انقضاء صلاة التراويح، ولم يكن هناك مقاهٍ، أو خيم رمضانية، لذا يذهب الرجال إلى المضافات المنتشرة بكثرة في أحياء "الرقة"، حيث لكل عشيرة مضافة يسهر فيها الناس، يتجاذبون فيها أطراف الحديث، وبعض الحكايات والروايات عن الغزوات، وبعضهم يسهرون في منازلهم، ويمارسون بعض الألعاب، ولا يطيل الناس السهر، كي ينهضوا مبكراً إلى أعمالهم».

ومن الطقوس التي كانت تسود مدينة "الرقة" في شهر رمضان، وانقرضت حالياً هي طريقة الاحتفال بليلة القدر، وعنها أردف "الحمادة"، قائلاً: «ينزل أهل المدينة في تلك الليلة المباركة بشكل جماعي إلى نهر "الفرات"، ويجلسون أسفل الجسر القديم حيث النساء في جهة، والرجال في الجهة الأخرى، ومن يستطيع السباحة من الرجال يسبح في النهر، ومن لا يستطيع يسكب على نفسه قليلاً من الماء، وذلك لأنهم يعتقدون أن مياه "الفرات" في هذه الليلة تصب فيها مياه الجنة، والاغتسال من مياه الفرات في هذه الليلة كفيل بغسل جميع الذنوب.

ولشدة حرصهم كانوا يحملون معهم الماء إلى البيوت ليغتسل به كبار السن والمرضى، وقبل أن يغادروا المكان يقوم كل منهم بتثبيت شمعة على قطعة خشب وإشعالها ووضعها على صفحة الماء، وسبب هذه العادة، هو اعتقادهم أن "الخضر" عليه السلام يمر في هذه الليلة ليأخذ أماني الناس ويرفعها إلى الله عز وجل، وقد انقرضت هذه العادة بعد وصول شبكة المياه إلى المنازل، وقدوم هجرات سكانية إلى المحافظة من المحافظات الأخرى».

ولم يكن الأطفال بمعزل عن الأجواء الرمضانية، وحول أبرز هذه الطقوس قال "الحمادة": «انطلاقاً من حرص الأهل على تعويد الأطفال الصغار على الصيام، كانوا يتبعون طريقة تسمى صوم "الغزلان"، حيث يشجعون الطفل على الصوم في اليوم الأول إلى ما قبل الظهيرة، ويمنح قطعة نقود معدنية، تشجيعاً له وفي اليوم التالي إلى صلاة الظهر، وهكذا إلى أن يصوم يوماً كاملاً».