ارتبطت شخصية التابعي "أويس القرني" بالحياة اليومية لأهل "الرقة"، وبات التبرك بمقامه، أو الحصول على شريط أخضر من القماش الذي يلف شاهدته، أقصى ما يتمناه صاحب الحاجة، وإطلاق الأيمان والحلف به، أو بطاسته من الأمور الشائعة جداً لديهم، وهو ما يعتبره العامة من أغلظ الأيمان الذي يوقعه شخص ما على نفسه. حتى غدا شخصية يعظمه الناس، ويستجير به صاحب الحاجة، وليدخل ذاكرة الناس من أوسع أبوابها، ويحتل مكانة واسعة في أدب وتراث المنطقة.

فهذه فتاة تخف مسرعة وهي محملّة بالآمال، متوجهة إلى "ويس"، مطلقة أنشودتها المعروفة:

وفد إلى المدينة بعض أهل "الكوفة"، وكان منهم رجل يسخر من "أويس"، وسألهم "عمر بن الخطاب" عن "أويس القرني". فقال له ذلك الرجل: تركته رث الثياب قليل المتاع. فعرّفهم "عمر" بمكانة "أويس". وعندما عاد ذلك الرجل الذي كان يسخر منه، دخل عليه قبل أن يأتي أهله. فسأله "أويس": ما هذا بعادتك؟ فأخبره بقول "عمر بن الخطاب"، وطلب منه أن يستغفر له أيضاً فرد عليه "أويس" شريطة أن لا تسخر مني ولا تذكر قول "عمر" لأحد، فاستغفر له

يا ويس جيتك زايرة/ شقة عبايتي طايرة

أغلب زائرات المقام من النسوة

كل البنات انخطبـن/ وآني ظليّـت بايرة

وهذه أخرى تتمنى حل معضلتها، فتربط خيطاً على شبك المقام، فإذا جاء أحد بعدها، وفك هذه العقدة، فإنه ببركات صاحب المقام، ستحل مشاكلها، وعلى الغالب ترتبط مشاكل النسوة بتأخر الحمل، أو تأخر الزواج.

تربط الشريط على الشبك المعدني للمقام

تُرى كيف عرف أهل "الرقة" التابعي "أويس القرني"؟ ومن هو "أويس"، أو ما اصطلح على تسميته عند أهل "الرقة" بـ"ويس"؟ وللوقوف على شخصية "أويس القرني" في الذاكرة الشعبية الرقية، تحدث لموقع eRaqqa الباحث "محمد عبد الحميد الحمد"، قائلاً: «كان "أويس القرني" شخصية مرهوبة الجانب في الخيال الشعبي عند سكان المنطقة في كافة الأزمنة، وكان الناس يودعون عنده أثاثهم حين ترحالهم، ويمضي الحول ليجدوها كما هي، بل إن بعضهم يحلفون بالطاسة التي يستقون بها الماء من بئره المقدس.

في سنة /1923/ تخاصم أمام القاضي رجلان، وأنكر أحدهما ما عليه من مال وحلف، وأقسم بالقرآن منكراً ذلك المال. فاعترض الخصم وطلب من القاضي أن يحلّفه بـ"طاسة ويس"، غضب القاضي ونهر المدعي، ونصحه بالابتعاد عن هذا الشرك، وكان كاتب المحكمة من أهل "الرقة"، وقال للقاضي دعه يقسم بـ"طاسة ويس"، وجلبوا طاسة، وغطّوها بقماش أخضر، وطلبوا للمنكر أن يحلف، فأبى قائلاً: "إن "ويس" رأسه حامي يقتل عيالي". من هذه القصة ندرك المكانة الشعبية والقداسة التي يتمتع بها "أويس" في المدينة وما حولها من قرى».

مئذنة وقبة مقام أويس القرني

وحول شخصية "أويس القرني"، يقول "الحمد": «هو "أويس بن عامر"، نسبته إلى "قرن بن رومان بن ناجية"، أسلم على عهد النبي، ولكن بره بوالدته منعه من القدوم ورؤية رسول الله، لذا عدّ من كبار التابعين، فلما جاء أمداد أهل اليمن وبينهم قوم من "مراد بن مذجح" سألهم الخليفة "عمر بن الخطاب": "أفيكم "أويس بن عامر"؟ فقال شيخ منهم ليس فينا من اسمه "أويس"، إلا مجنون يسكن القفار لا يألف ولا يؤلف".

قال "عمر" أتوني به. فلما أتاه "أويس" قال له: أأنت "أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من "مراد ثم من قرن"؟ قال: نعم. قال له "عمر": كان بك برص ثم برأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال عمر: لك والدة. قال: نعم. قال "عمر" أخبرني بذاك رسول الله. لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفر لي. فاستغفر له. فقال "عمر": أين تريد؟ قال: الكوفة. قال "عمر": ألا أكتب إلى عاملها؟ قال "أويس": أكون في غبراء الناس أحب إليّ".

عاش "أويس" في "الكوفة" زاهداً عابداً، عُرف بطول السجود. وفي حديث "قتادة" عن "الحسن البصري" عن رسول الله أنه قال: يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من "ربيعة" و"مضر". ثم قال: ذلك "أويس القرني"، يا "عمر" إن أدركته فأقرئه مني السلام، وقل له يدعو لك».

ويضيف "الحمد" في السياق ذاته: «وفد إلى المدينة بعض أهل "الكوفة"، وكان منهم رجل يسخر من "أويس"، وسألهم "عمر بن الخطاب" عن "أويس القرني". فقال له ذلك الرجل: تركته رث الثياب قليل المتاع. فعرّفهم "عمر" بمكانة "أويس". وعندما عاد ذلك الرجل الذي كان يسخر منه، دخل عليه قبل أن يأتي أهله. فسأله "أويس": ما هذا بعادتك؟ فأخبره بقول "عمر بن الخطاب"، وطلب منه أن يستغفر له أيضاً فرد عليه "أويس" شريطة أن لا تسخر مني ولا تذكر قول "عمر" لأحد، فاستغفر له».

وحول حياته، والكرامات التي ميزته، يقول "الحمد": «كان أويس القرني يحب العبادة منقطعاً لله على ضفاف شاطئ الفرات قال "هرم ابن حيان العبدي": قدمت "الكوفة"، ولا هم لي إلا رؤية "أويس" وطلبته فوجدته قاعداً على شاطئ الفرات يغسل يديه ورجليه وعليه إزار من صوف، مهيب المنظر وكان لحيماً، آدم اللون، شديد الأدمة، كث اللحية. فسلمت عليه فرد علي وقال: حياك الله من رجل، ومددت إليه يدي لأصافحه، فأبى أن يصافحني. فقلت: كيف أنت يا "أويس" رحمك الله؟! فقال: وأنت رحمك الله يا "هرم بن حيان" كيف أنت يا أخي؟ ومن دلّك عليّ. فقلت: الله. فقال: لا إله إلا الله سبحان ربنا. فقلت: من أين عرفتني وعرفت اسمي واسم أبي؟ فقال نبأني العليم الخبير. عرفت روحي روحك، حين كلمت نفسي نفسك، إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأحياء، وإن المؤمنين ليعرف بعضهم بعضاً، ويتحابون بروح الله، وإن لم يلتقوا ويتعارفوا ويتكلموا وإن تأتي بهم الديار، وتفرقت بهم المنازل».

وحول علاقته بـ"الرقة"، ووفاته فيها، يقول "الحمد": «عاش "أويس القرني" في "الكوفة"، وعلى أثر مقتل الخليفة "عثمان" جاء إلى "الرقة"، وظل يعيش على أطراف الفرات عابداً زاهداً متوارياً عن أنظار الناس. وعندما توجه أهل "الكوفة" إلى حرب "صفين" التحق بهم "أويس". قال "هشام الكلبي": قُتل "أويس القرني" يوم "صفين" مع أمير المؤمنين "علي"، وفي حديث "سعيد بن المسيب" قال: إن "أويس" قاتل بين يدي "علي" يوم "صفين" حتى استشهد أمامه، فنظروا فإذا به نيف وأربعون جراحة من طعنة وضربة ورمية. وروى "نصر بن مزاحم" فقال: أصيب "أويس القرني" مع "علي" بـ"صفين" وزاد "المعافر بن عمران" أن "أويس" قتل مع رجالة "ربيعة"، وصلى عليه أمير المؤمنين ودفنه».

وعن وفاته واختلاف الروايات في مكان دفنه، يقول "الحمد": «اختلفت الروايات في موت "أويس"، ومكان دفنه، فهو مع شهرته وانتشار أخباره، التي لا تسع أحداً أن يشك فيه، فإن "مالك بن أنس" أنكر وجوده، ولم يذكر أخباره لاختلاف الروايات في موته. فـ"أمير بن جابر" يروي أنه مات في "الحيرة"، وروى بعضهم أنه استشهد يوم "نهاوند". وقال "ابن عساكر"، ويقال أنه مات بـ"دمشق" وأن قبره في مقبرة "باب الجابية"، وقيل أنه خرج غازياً إلى أرمينيا، وتوفي بها وقبره هناك. وأصح الروايات عند "ابن عساكر" أنه استشهد بـ"صفين"، وقبره في "الرقة"

وقد حقق "أبو الحسن الهروي" مكان قبر "أويس القرني"، عند زيارته لمدينة "دمشق"، قال: "وبالجبانة قبر "أويس القرني"، وقد زرناه بـ"الرقة"، وبثغر "الإسكندرية"، و"ديار بكر"، والذي صح أنه بـ"الرقة". وهو يؤكد دفنه بـ"الرقة"، عند "مشهد الجنائز"، وقبر "عمار بن ياسر"، و"هلال بن نافع"، و"سكن بن مرة" رضوان الله عليهم. وقرب حجرة "السلميين"، وبها تسعة من أخوال النبي، أخوة "حليمة السعدية"».

ويختتم الباحث "الحمد" حديثه، قائلاً: «هذه الروضة الكريمة، مقبرة أهل "صفين"، حوت قبور عشرات الصحابة والتابعين قد زالت قبورهم اليوم، ولم يعرف منهم إلا قبر "أويس القرني" عليه قبة ومزار شريف، يزوره الناس من أقاصي البلاد، وقبر "عمار بن ياسر" كان في حير دون قبة.

ذكر الرحالة الألماني "أرنست هرتزفيلد" أثناء زيارته "للرقة" عام /1907/ أنه وجد على قبة "أويس القرني" كتابة بالعربية: "بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.. جدد هذا المقام "مسلم الرقي بن علي آغا بن المرحوم إسماعيل آغا" سنة /1152/ هجرية على صاحبها أكمل التحية. وهذا يعادل /1737/م جرى ذلك في زمن "رضوان باشا" والي "الرقة" و"الرّها" المقيم في "أورفا"، ثم جرى تجديد آخر للقبه في زمن السلطان العثماني "عبد المجيد خان". أما بقية القبور فلم يعتن بها وتركت كما هي.

وفي سنة /1983/م بدأت المحافظة بإزالة القبور القديمة والحديثة لتشاد على أنقاضها حديقة ومنتزه عام. ولكن محافظ الرقة سعى ببناء هذه المقبرة مقبرة أهل "صفين"، لأنها من أهم الآثار الإسلامية. وبوشر بإعادة بناء هذه المشاهد، وبدأ العمل بهذه المنشأة المعمارية منذ عام /1986/م، وهي اليوم من أهم مراكز السياحة الدينية في "الرقة"، وتحمل اسم مقام الصحابي الجليل "عمار بن ياسر"».