من أعماق الفرات نبش التراث ولحن أغانيه، وعلى عاتقه حمل فكرة تدوين الموروث الشعبي السوري، موسيقيّ مبتكر يحترف صناعة الأمل، وحيث ينتهي الحلم -في ربوع الوطن- ينطلق آخر.

شاءت الظروف أن يعيش "أحمد حطاب" الوطن بأسمى معانيه، فترك الحلم في أحد ربوعه، لتجتمع الأحلام في آخر، فانطلق "كورال عتبات" وبدأ "التراث الغنائي" للساحل السوري يعيش تجربة جديدة، انتقل معها من الغناء الفردي الشعبي، والآلات الموسيقية التراثية البسيطة إلى الأداء "الكورالي" بصحبة مختلف أنواع الآلات الموسيقية حتى الغربية منها، يصف الأستاذ "أحمد حطاب" هذه المرحلة من حياته في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 كانون الثاني 2015، فيقول: «وجدت في "طرطوس" البيئة الخصبة، وما لم أستطع فعله في مدينة "الرقة" أقوم به هنا، مضافاً إليه الألم الذي يحرض الإبداع، ويمثل حافزاً لصناعة الأمل، فقدومي للمدينة كان قسرياً، ولا معرفة لي بأحد هنا، لكن شعور الغربة ما لبث أن زال، وصار الأهل أهلي والأصدقاء أصدقائي، وبدأت مشواراً جديداً تغير فيه المكان وبقي شعاره واحداً وهو "التراث السوري"».

في هذه الفرقة قدمنا الوطن والتراث، وحصرنا اهتمامنا بالأغنية التراثية، حيث وادي الفرات "الرقة وديرالزور"، وذلك التراث الغني الذي لا ينضب، ومن هنا بدأت الرسالة بنبش ذلك التراث، ونعيد ترميمه، من دون خدش ذاك التراث، لنطوره ونقدمه بأسلوب الغناء الكورالي

يقول الأستاذ "كامل جنود" مدرس لغة عربية من مدينة "حمص": «علمت مادة اللغة العربية في مدينة "الطبقة" في محافظة "الرقة"، وكان صيت الأستاذ "أحمد حطاب" ذائعاً وقتها، وإن لم يكن اللقاء شخصياً، لكن من خلال أعماله في تدوين التراث الغنائي الشعبي، وعبر الأصدقاء المشتركين بيننا، لكن المفارقة أني التقيته هنا في "طرطوس"، حيث نزحنا معاً من مدينة "الطبقة"، واجتمعنا مصادفة عند الأستاذ "عمار محمد" مدير فرقة "عتبات"، وهنا أود التأكيد على شعلة الإبداع التي يحملها الأستاذ "أحمد"، وذاك الأمل الذي يملكه؛ لأنه رغم كل الآلام التي أحاطت به كان يلحن ويعزف، حتى في أقسى ظروفه حين قدم إلى "طرطوس"، وفقد كل شيء في مدينة "الرقة"».

الأستاذ "أحمد حطاب" خلال العروض الكورالية

كان الإبداع واضحاً في طريقة تعامل الأستاذ "حطاب" مع التراث بصفته مادة مهمة، وأي تغيير فيها قد يحدث أضراراً جسيمة، فحمل عبء التطوير بما يلائم روح العصر ولا يسيء لتاريخ تلك الأغاني الشعبية وقيمتها، وفي ذلك يقول: «كنا نبحث عن أدق التفاصيل في التراث الشعبي الفراتي، ثم نعيد صياغتها بما يجعلها مفهومة ومستساغة من قبل الجمهور، وخاصة فئة الشباب، التي يمثل إطلاعها على تراث أجدادها غاية كبيرة وأساسية، كما كنا نقوم بتليين بعض الكلمات القاسية وغير المحببة "التي فيها سباب مثلاً"، وفي هذا المجال أؤكد أن توثيق التراث الفراتي يلزم أجيالاً متعاقبة للإحاطة به وتدوينه، وهنا أشكر وزارة الثقافة التي شجعتنا للمتابعة بهذا المشروع التراثي الوطني».

من جهته يقول الأستاذ "عمار محمد" مدير فرقة "عتبات" الموسيقية؛ الذي يرافق الأستاذ "أحمد حطاب" في حلم التوثيق الكورالي الشبابي للتراث السوري: «حاولت سابقاً إقامة كورال غنائي شبابي لفرقة "عتبات"، لكن دون جدوى، لعدم وجود الجدية والحرفية لدى من التقيتهم وحاولت معهم ذلك، إلى أن التقيت "أحمد حطاب"، هنا اجتمعت الرؤى وتآلفت أحلامنا، فصغنا من الحلم حقيقة، وها نحن الآن نقطف ثمار ذلك التلاقح الإبداعي، ما بين الفكرة والعمل الجاد.

أثناء التدريب في "معهد عتبات"

وللتوضيح فإن لقائي به جاء مصادفة، حيث كان معهدي مكتملاً من حيث المدرسين، لكن كلامه عن تجربته، كان مشجعاً للتعاون معه، وهو ما نقطف ثماره اليوم».

لم يقتصر عمل الأستاذ "أحمد حطاب" على تدوين التراث الموسيقي الشعبي، وإنما تنقل مع فرقته بين المحافظات السورية لعرض التراث الفراتي والسوري عموماً بأبهى صوره، ثم إلى تركيا في المهرجانات الثقافية السنوية، ونالت أعماله إعجاباً كبيراً وتقدير الجمهور ومحبي التراث، ورغم خسارته لمشروعه التراثي الرائد، فقد وجد في التراث الساحلي والسوري عموماً مشروعه الجديد، فبدأ مع الأستاذ "عمار محمد" بأولادهما كأعضاء "كورال عتبات" بتاريخ 24 آب 2013، ثم كبرت العائلة وانضم أعضاء جدد، لتصير "عتبات" اليوم من أكبر فرق الغناء الكورالي وأهمها في مدينة "طرطوس".

حديث الأستاذ "أحمد حطاب" لمدونة وطن

ومن ذكريات فرقة "الدوسر" – وهو اسم قلعة "جعبر" يقول الأستاذ "أحمد": «في هذه الفرقة قدمنا الوطن والتراث، وحصرنا اهتمامنا بالأغنية التراثية، حيث وادي الفرات "الرقة وديرالزور"، وذلك التراث الغني الذي لا ينضب، ومن هنا بدأت الرسالة بنبش ذلك التراث، ونعيد ترميمه، من دون خدش ذاك التراث، لنطوره ونقدمه بأسلوب الغناء الكورالي».

الجدير بالذكر، أن الأستاذ "أحمد حطاب" من مواليد مدينة "دير الزور" 1969، ترعرع في مدينة "الثورة" بمحافظة "الرقة"، وفيها تعلم ونمت موهبته الموسيقية، وصولاً إلى التخصص الأكاديمي الموسيقي، ثم العمل في التسعينيات في المسرح العسكري، وقدمت له هذه التجربة الاحتراف لوجوده وسط عدد من الفنانين الكبار مثل: "مطيع المصري، فؤاد غازي، إبراهيم جودت"، وفي عام 2005 أسس فرقة "الدوسر" بمجموعة من الموهوبين ومحترفي العزف الموسيقي، وذلك في "دار الأسد" للثقافة والفنون بمدينة "الطبقة"، وتحت رعاية مديرية الثقافة، واستمر لبداية الأحداث التي أصابت "سورية"، ومعها توقفت الفرقة عام 2011، وخرج من "الرقة"، حيث استقر في محافظة "طرطوس".