انتقل الباحث والناقد "محمد جمد جدوع" في صباه إلى منطقة "خربكة" شمال شرق "الرقة" /120/كم، التي شكلّت تكوينه الأول حيث الخصال البدوية الأصيلة.

ولد في قرية "رجعان" التي تقع على مسافة /125/ كم شمال "الرقة"، وعلى الحدود (السورية- التركية) في منطقة تقابل بلدة "حران" التاريخية في تركيا، وكانت "رجعان" فيما مضى من الأيام تتبع إدارياً إلى "الرقة"، أما الآن فهي تتبع إلى محافظة "الحسكة"، وقد قال "الجدوع": (هكذا يؤرخ والدي- رحمه الله- عام ولادتي).

لابد من التنويه إلى أن العنونة "عبادلة الفكر" تعرّف ذاتها بذاتها، فهي ليست جمعاً لأسماء تبدأ بـ(عبد)، بقدر ما تطمح لأن تكون جزءاً من مشروع فكري، نقدي مقارن يحاول– والمحاولة بداية الشروع في المشروع– تقصّي الدراسات الفكرية والعطاءات الإبداعية ذات الفرادة والتميّز، من خلال ما تتغيّاه في النهوض بالواقع الراهن، التي تتبدى أصالتها بمقدار ما تتصدى لما نحن فيه، إضافة إلى المحاولات والتوجهات النقدية التي تساهم هي الأخرى في الممايزة بين الصالح الأصيل، والغث الأثيل

مدونة وطن "esyria" التقت الكاتب بتاريخ 5/1/2008 فبدأ حديثه بالقول: «كانت ومازالت "خربكة" هي النواة الأولى التي شكلّت شخصيتي، فهي تعني لي الكثير، ففيها رضعت الصدق والصراحة والكرم والأنفة والاعتداد بالرأي، وهكذا نشأت بكل عفوية، لكن في ذهني اختراق لجج المجهول وكشف خباياه، يحدوني الأمل بتعميم هذه الثقافة الأصيلة. في مدرسة العشائر تعززت هوايتي بالمطالعة، حيث نظام المدرسة يُلزم تلاميذ المرحلة العليا بالمطالعة المسائية لمدة ساعتين في يومين من كل أسبوع توزع فيهما قصص وكتيبات لشخصيات تاريخية خارج المنهاج الدراسي. كما أن جدتي لوالدي كانت تحفظ قصائد كثيرة من الشعر "النبطي"، وتسمعني إياها، وخاصة قصائد "نمر بن عدوان" الذي تعتبره أنبل وأشجع فرسان قبيلتها "عدوان"، بالمقابل تشترط علي قراءة القصص الشعبية الأثيرة لديها، خاصة قصص "الزير سالم" وسيرة "بني هلال" و"عبد الله الفاضل". وهكذا استطعت خلال السنوات الأولى من تعلمي إضافة شيء جديد إلى حياتي، حيث بدأت تتشكل ملامح جديدة لشخصيتي الأدبية».

وأضاف: «في عام /1965/ وبمناسبة الأخبار التي تواردت عن نية إسرائيل تحويل مجرى نهر "الأردن"، كانت بداية الكتابة في المرحلة الإعدادية، حيث كتبت خاطرة بعنوان: "من كان حارساً لا ينام". نشرتها اللجنة الأدبية الطلابية في جريدة الحائط التي كانت ثانوية "الرشيد" تصدرها آنذاك. ثم تلتها أولى محاولات الترجمة من الفرنسية إلى العربية في عام /1968/ بمساعدة المدرس القدير"حسن مامو" الذي شجعني على متابعة المطالعة والترجمة من الفرنسية إلى العربية، وكانت المحاولة الأولى ترجمة مقاطع من قصيدة "بودلير" (الباتروس ـ البطريق). وفي عام /1972/ وبعيد احتلال شاه "إيران" الجزر العربية الخليجية الثلاث: (أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى)، نشرت أول مقالة لي بعنوان: "واعروبتاه فلسطين.. ثانية في الخليج" في دورية شعبة نقابة المعلمين في "تل أبيض"، وفي عام /1984/ ألقيت أول محاضرة في رابطة الدراسات العليا فرع "الرقة" بعنوان: "الآيديولوجيا بين الشكل والمشكل"، وفي عام /1985/ ألقيت المحاضرة الثانية في المركز الثقافي العربي بـ"الرقة" بعنوان: "المرأة عند العجيلي"، وهي النواة الأولى لكتاب "التاريخ والعجيلي"، الذي نشر من قبل اتحاد الكتاب العرب بـ"دمشق" عام/2006/ تبعه كتاب "آيديولوجيا القميص بين القضية والرعية"، ثم تلاه الكتاب الثالث دراسة "عبادلة الفكر"».

في بداية الألفية الثالثة استطاع الباحث "محمد جدوع" أن يرّسخ اسمه علماً بارزاً بين نقاد "سورية" ويُشار إليه بالبنان من خلال الدراسات الأدبية والنقدية التي نشرت له في العديد من الصحف والدوريات المحلية والعربية، فقد تميز بجرأة الطرح من خلال منهجية علمية رصدت العديد من الشخصيات الأدبية البارزة في مقدمتها الأديب "عبد السلام العجيلي"، حيث أصبح مرجعاً مهماً في رصد دقائق وتفاصيل كتابات "العجيلي" المختلفة وحياته، كما استطاع التأسيس لمشروع يهتم بدراسة ثلاث شخصيات فكرية مهمة في ساحة المشهد الثقافي والفكري العربي: "عبد الوهاب المسيري، وعبد الرحمن بدوي، وعبد الله العروي".

وعن هذا الكتاب، قال: «لابد من التنويه إلى أن العنونة "عبادلة الفكر" تعرّف ذاتها بذاتها، فهي ليست جمعاً لأسماء تبدأ بـ(عبد)، بقدر ما تطمح لأن تكون جزءاً من مشروع فكري، نقدي مقارن يحاول– والمحاولة بداية الشروع في المشروع– تقصّي الدراسات الفكرية والعطاءات الإبداعية ذات الفرادة والتميّز، من خلال ما تتغيّاه في النهوض بالواقع الراهن، التي تتبدى أصالتها بمقدار ما تتصدى لما نحن فيه، إضافة إلى المحاولات والتوجهات النقدية التي تساهم هي الأخرى في الممايزة بين الصالح الأصيل، والغث الأثيل».

وتابع: «على هذا الأساس تعتبر الدراسة "عبادلة الفكر" البداية الأولى التي ستتبعها دراسات أخرى حول عبادلة الإبداع القصصي والروائي، وعبادلة الإبداع الشعري، وتختتم السلسلة بعبادلة النقد. وما نحن بصدد دراسته (ثلاثة أبحر) فكرية، وكما أن لكل بحر لونه ومسمياته، طيباته وجواهره، مرجانه ولؤلؤه، كذلك هم "العبادلة": "عبد الرحمن بدوي، عبد الوهاب المسيري، وعبد الله العروي". فالبدوي لا تَذكر الفلسفة الوجودية أحداً على الساحة يضارعه فيها، ولا يذكر الفكر المقاوم للمشروع الصهيوني إلا والمسيري يتسيّده ويتقدم صفوفه، أما التنظير "الآيديولوجي" والمنهج "التاريخاني"، إضافة إلى مجموعة المفاهيم في العلوم السياسية فيعتبر "العروي" مصدرها ومشكاتها. ولأن جهود "العبادلة" وصلت من حيث المستوى إلى مضاهاة ومساماة الدراسات الفكرية ذات الجدّة والحضور، ليس على الساحة العربية فحسب، إنما على مستوى الساحة الفكرية العالمية، وهذه المكانة التي حظيت بها جهود عبادلتنا ليس من قبل شهادات عربية، التي على أهميتها تعتبر شهادات ذات قربى، إنما استحوذت اهتمام مؤسسات وشخصيات أجنبية لها حضورها الفكري ووزنها المعرفي على الساحة الفكرية العالمية».

ثم أضاف:«عدا حضور وتأثير فكر "العبادلة" الفعّال على الساحة الفكرية العالمية، فإنه في المقابل مصدر إغناء وإثراء للفكر العربي المعاصر، الذي كثيراً ما وصف بالسبات والركود من جهة، وبالتابعية والتقليد من جهة أخرى، ومع تردي الوضع العربي وضعفه وهوانه في الساحتين الإقليمية والدولية، إلا أن ثقافة الأمل والنهوض يجب أن تشع في النفوس، وهو ما قام به فكر "العبادلة" من خلال جهود مضنية، وظروف قاسية من المعاناة والمعاياة، لكنه في المقابل أسس لبدايات مشاريع فكرية لها رؤى وأفكار منهجية، بعيدة كل البعد عن فوضى المعالجة والاعتباطية، وتعاملنا مع هذا الوزن المعرفي، لا ينطلق من أهواء وعلاقات شخصية ذاتية، لأن الحكم إن لم تضبطه ضوابط، وتحدده نواظم، يوقع الدراسة بمطب الذاتية، والذات بقدر ما فيها عقل، فيها هوىً وعواطف، والنواظم تقلل نسبة العاطفة والهوى، وتزيد من حكم العقل، لأنه -العقل- (أعدل الأشياء)».

وأكد "جدوع" أن ما نشهده اليوم في الساحة الفكرية العربية، من ارتداد ونكوص، وتأويل وتقويل للنصوص لمصلحة دعاوى مغرقة في الجهالة والظلامية، تعود إلى أدنى الدرجات، في ضحالتها الفكرية التي لا تنتسب إلى عصرنا بقدر ما تنتسب إلى عصر الأساطير والطفولة الفكرية. هذه الدعاوى الظلامية والفتاوى (الصراطية) تتناقض وتتعارض ليس مع الإسلام بآياته القرآنية وأحاديثه النبوية التي تحض على العلم والتدبّر وإحكام العقل بدل العاطفة والهوى من جهة، وتدعو إلى الاعتدال والوسطية، وترفض الإفراط والتفريط من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه تنهى عن المغالاة واللامبالاة، وعلى الطرف الآخر يقف الفريق النقيض الذي لا يرى سفينة الخلاص إلا في التنكر للماضي كلياً، والتوجه نحو الغرب بذريعة اللحاق به، الذي تحيلنا دعوته إلى كائنات لا ذاكرة لها ولا أصول. وهؤلاء "الفاوستيون" –أتباع فاوست– خطرهم ليس أقل من الفريق "الفتووي" (الصراطي) الذي وصلت به الجرأة إلى إعادة المقولة سيئة الصيت (من تمنطق فقد تزندق)، وما يقابله الآن: (من تحزب خان)، وإن الفكرة والكفر مصدرهما واحد، لذا يبدو أن وضع الفريقين في كفتي الخطورة على المصلحة العامة، ومواجهتهما بالحجة والمنطق هو السبيل الأجدى للحد من دعوتيهما المريبتين».

يذكر أن "جدوع" التحق بثانوية "الرشيد" حيث تابع دراسته الإعدادية والثانوية، وما لبث أن حصل على شهادة أهلية التعليم الابتدائي بعد حصوله على الثانوية، وكان ذلك في عام /1971/ وتابع دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم "الجغرافية" في جامعة "دمشق" وحصل على شهادة الليسانس عام /1976/م.

ثم عمل معلماً، ومدرساً ومديراً في عدد من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية بالمحافظة، ثم مدرساً في معهد إعداد المدرسين في "الرقة" من عام /1976 ـ 1985/م. تخللتها خدمة العلم الإلزامية.

وله قيد الطبع كتاب بعنوان: "فلسطين بين النصوص التوراتية والكتابات الصهيونية"، ودراسة بعنوان: "رجال الاستقلال في سورية". إضافة إلى سلسلة العبادلة التي سيكملها بـ"عبادلة الشعر، وعبادلة الإبداع، وعبادلة النقد، وعبادلة المسرح، وأخيراً عبادلة الكفاح".

أما في مجال الإبداع فقد كتب "محمد جدوع" الرواية والقصة القصيرة، ولديه مخطوطه في مجال الرواية (مشروع رواية) بعنوان: "حصاد السراب"، ومجموعة قصصية بعنوان: "عرافّة حران".

عام /2003 و2004/م، ساهم في الموسوعة العربية بـ"دمشق" بعدد من الدراسات عن مدينة "الرقة"، وبعض الشخصيات التاريخية. إضافة إلى العديد من الدراسات المنشورة في الدوريات المحلية والعربية، مع عشرات المحاضرات التي ألقاها في المراكز الثقافية ضمن القطر. أما الدوريات والصحف التي تناولت الدراسات التي كتبها فهي مثار حافز للمتابعة، منها وأهمها: "أخبار الأدب المصرية، الجزيرة السعودية، البيان الإماراتية، الوطن القطرية والبعث وتشرين والثورة والفرات السورية"، إضافة إلى البرامج الثقافية في التلفزة التونسية والعراقية والسورية الفضائية التي تناولت كتاب "التاريخ والعجيلي"، و"آيديولوجيا القميص بين القضية والرعية".

  • تم تحرير المادة بتاريخ 5/1/2008