من شعراء مدينة "الرقة" الرابضة على ضفاف نهر الفرات، تكنى "بالرَّقِّيّ" نسبةً إليها، وكان يلقب "بالغاوي" لتعلقه بغير جارية ما جعله ينظم غزلاً كثيراً، فقال عنه "ابن المعتز": إنه أشعر أهل زمانه جميعاً في الغزل وما أجد أطبع ولا أصح غزلاً منه"..

مدونة وطن "eSyria" التقت مدرس اللغة العربية "محمد الحمود" الذي قال: «اسمه "ربيعة بن ثابت بن لجأ بن العيزار الأسدي" ولد قرابة عام /128/هـ في "الرقة"، عاش ربيعة حتى نهاية عام ثمانية وتسعين ومئة هجري وتوفي ودفن في مسقط رأسه الرقة عن عمر يناهز السبعين عاماً، وعن حياته فقد أصيب برمد في عينه، وفي شعره إلى جانب المديح قصائد في الغزل كانت تتردد على ألسنة الجواري والقيان، وفي مجالس المنادمة والغناء، فهو دائم المباهاة بتعلقه بالنساء ونزواته العاطفية، حتى إنه ذكر في شعره منهن ليلى وعَثْمة وغنَّامة ورُخاص وسعاد، ويظهر أن "عثمة" أول جارية تغزل بها ربيعة وأحبها، حتى قال فيها:

ينحو نحو الغزل العذري الوجداني تارةً، ونحو الغزل الحسي الوصفي تارة أخرى، كما أنه يجنح إلى الأوزان الخفيفة القصيرة التي يسهل على السامعين حفظها، وعلى المغنين أداؤها. وله في شعر الحكمة مقطوعات وعظية ترجع في أصولها إلى المفهومات الدينية، وإلى الثقافة الزهدية التي أخذت بالنمو في صدر العصر العباسي الذي عاشه الشاعر، فمن ذلك قوله: ولا تسأل الناس ما يملكون / ولكن سل الله واستكفِهِ ولا تخضعن إلى سِفلةٍ / وإن كانت الأرض في كفه

أحِبُّ حديثَها وتحبُّ قربي / وما إنْ نلتقي إلا لماما

غلاف ديوان ربيعة الرقي

فيا ليتَ النهارَ يكون ليلاً / وليت الصبحَ لا يجلو الظلاما

ويا ليت الحمامَ مسخراتٌ / لنرسلَ في رسائلنا الحَماما».

وأضاف "الحمود": «ينحو نحو الغزل العذري الوجداني تارةً، ونحو الغزل الحسي الوصفي تارة أخرى، كما أنه يجنح إلى الأوزان الخفيفة القصيرة التي يسهل على السامعين حفظها، وعلى المغنين أداؤها. وله في شعر الحكمة مقطوعات وعظية ترجع في أصولها إلى المفهومات الدينية، وإلى الثقافة الزهدية التي أخذت بالنمو في صدر العصر العباسي الذي عاشه الشاعر، فمن ذلك قوله:

ولا تسأل الناس ما يملكون / ولكن سل الله واستكفِهِ

ولا تخضعن إلى سِفلةٍ / وإن كانت الأرض في كفه».

يقول "شوقي ضيف" في كتاب "العصر العباسي الأول": «وكان ضريراً، وتفتَّحت شاعريته مبكرة، فاخذ شعره يشيع حتى رقي إلى سمع "المهدي" فأشخصه إليه، فمدحه بعدة قصائد، وأثابه عليها عطاءً جزيلاً.. غير أنه حنّ إلى موطنه، فعاد إليه، وكان لا يبرحه إلا قليلاً، ما كان سبباً في إخمال ذكره، لبعده عن بلاط الخلفاء ومخالطة الشعراء في "بغداد"، ولم تروِ له كتب الأدب شيئاً من مديحه في "المهدي".. إنما رويت له مقطوعةٌ من قصيدةٍ بديعةٍ قالها في "العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس" الذي كان "صفيَّ الرشيد" وفيها يقول:

لو قيل للعباس يا بن محمد / قل: لا، وأنت مخلدٌ ما قالها

ما إن أُعدُّ من المكارم خصلةً / إلا وجدتك عمّهَا أو خالَها

وإذا الملوك تسايروا في بلدةٍ / كانوا كواكبها وأنت هلالُها.

وجزاهُ "العباس" جزاءً بخساً، إذ بعث إليه بدينارين، فجنَّ غيظاً، وهجاه هجاءً مريراً، وعلم "الرشيدُ" بالقصة، فغضب على "العباس" وأمر لـ"ربيعة" بثلاثين ألف درهم وخلعة.

والحقيقة أنَّ الرجلَ شاعرٌ مطبوعٌ، يمتاز شعره برقة وسلاسة، لا يرتقي إلى وعر الكلام وإلى خشن اللفظ، إنما يميل للبساطة والعذوبة دون إسفاف، ما يجعل شعره قريباً من النفس والقلب، يسيراً على الحفظ، فسارت به الركبان وحفظته العامة والخاصة، حتى سرى في البلاد كالنسيم، ويقال: إن جواري "المهدي" قد شغفنَّ به، حتى كان بعض النسّاج يكتبون أشعاره على البُسط ومنها قوله:

وتزعم أني قد تبدلت خُلةً / سواها وهذا الباطل المتقوّلُ

لحى الله من باع الصديقَ بغيره / فقالت: نعم حاشاك إن كنت تفعلُ.

وتأثّر ربيعة أيضاً بشعر "مجنون ليلى" حتى إنه حاكاه في بعض أشعاره فقال:

خليلي هذا ربع ليلى فقيِّدا / بعيريكما ثم ابكيا وتجلدا

قفا أسعداني بارك الله فيكما / وإن أنتما لم تفعلا ذاك فاقعدا

وإلا فسيرا واتركاني وعَوْلتي / أقُلْ لجَنابَيْ دِمْنَةِ الدار أسْعِدا

فقالا وقد طال الثويُّ عليهما / لعلَّكَ أنْ تنسى وأنْ تتجلدا.

ولعل بساطة الكلمة وسهولة الشعر واضحة، على أن ذلك لا يعني ابتذالاً في الشعر، لكنه مما يقال فيه: "السهل الممتنع"... وهو لا يكون إلا لشاعر مطبوع، ينفر من وعر اللفظ وغليظ الكلام، فتجود قريحته بما يجول فيها من غير تعمُّدٍ أو تكلُّفٍ واصطناع، كما كان البعض من شعراء عصره، ولعلّ ذلك الذي دفع "ابن المعتز" إلى أن يقدمه على أهل زمانه جميعاً، ويرفعه على رؤوسهم كأشعرهم، وهذا الكلام لا يأتي جزافاً أو تملقاً، إنّما قد صدر عن ناقدٍ حصيف وجهبذ من جهابذة المدارس النقدية القديمة، ولعل كتابه "طبقات الشعراء" أشهر من أن يعرَّف».