«حققت المرأة السورية حضوراً لافتاً في المشهد الثقافي والسياسي، وحصلت المرأة على مكاسب حقيقية، ووصلت إلى مراكز متقدمة في تسلمها مناصب وزارية، وإدارية مختلفة، وأخرى في مجال القضاء ودخولها معترك العمل السياسي، الذي أهّلها لاكتساب عضوية مجلس الشعب بتمثيل لم تشهده سورية من قبل، وكان آخر ثمار هذا الحضور وصول المرأة لمنصب نائب رئيس الجمهورية.

في "الرقة" كان حضور المرأة أكثر من لافت، على اعتبار أن المجتمع فيها يعتبر من المجتمعات الوليدة، إضافة لاعتبارها من مدن الآفاق الجديدة، فقد كان الحديث عن تمثيل المرأة في الحياة السياسية مبكراً، وسرعان ما وجد هذا الموضوع آذاناً صاغية، وسجلت المرأة الرقية تواجداً في المفاصل الإدارية والسياسية في المحافظة وخارجها، وبرزت أسماء فاعلة آخرها تمثل باعتلاء أول امرأة رقية رئاسة نقابة المهندسين في سورية».

لعّل والدي كان له الدور الأكبر في حياتي، فقد كان شخصاً طموحاً ومنفتحاً ونير العقل، وأذكر مثلاً كان يردده دائماً أمامي، يقول: "ما فاز باللذات إلا كل جسور"، وآخر: "لكل مجتهد نصيب"، وكنت أسمع كلامه منذ صغري، لذلك تأثرت به إلى أبعد الحدود

هكذا استهلت السيدة "هند الطريف" عضو مجلس الشعب، حديثها لموقع eRaqqa عن واقع المرأة السورية عموماً، والمرأة الرقية خصوصاً.

تترأس وفد برلماني في الكويت

وحول ظروف نشأتها الأولى، وبداية تشكل وعيها للحياة تحدثت قائلة: «لعّل والدي كان له الدور الأكبر في حياتي، فقد كان شخصاً طموحاً ومنفتحاً ونير العقل، وأذكر مثلاً كان يردده دائماً أمامي، يقول: "ما فاز باللذات إلا كل جسور"، وآخر: "لكل مجتهد نصيب"، وكنت أسمع كلامه منذ صغري، لذلك تأثرت به إلى أبعد الحدود».

وعن ولادتها ومراحل الطفولة والدراسة، تقول "الطريف": «ولدت في مدينة "الرقة"، ودرست الابتدائية في مدرسة "عائشة أم المؤمنين"، وكنت من المتفوقات في مدرستي، وبعدها تابعت دراستي في ثانوية "خديجة الكبرى"، وخلال دراستي الثانوية تم تكليفي أمينة وحدة الشبيبة، ودرست بعدها الصف الخاص في معهد إعداد المعلمين في محافظة "الرقة"، وترأست خلالها لجنة الطلبة في المعهد من عام /1981/ إلى عام /1983/، وتخرجت من معهد إعداد المعلمين في عام /1982/، وتعينت بمزرعة "ربيعة" لمدة عامين، وانتقلت إلى مدرسة "هواري بومدين" كمعلمة حتى تاريخ /1993/، وتم تكليفي كمديرة للمدرسة ذاتها من عام /1993/ وحتى عام /2006/.

تناقش في إحدى جلسات المجلس

وأثناء الفترة الزمنية التي كلفت بها بإدارة المدرسة تم حصولي على مجموعة من الثناءات والامتيازات المحلية والمركزية، إضافة لثناء من منظمة "اليونيسيف"، وذلك لتفوق وتألق المدرسة على مستوى القطر في مجالات الدراسة والنظافة، وإعداد الجيل إعداداً حضارياً، وخلال فترة وجودي في المدرسة، أكملت دراستي العلمية الجامعية، حيث التحقت بكلية الحقوق بجامعة "حلب"، وتخرجت منها».

وتتابع في السياق ذاته قائلة: «في عام /2007/ انتخبت لعضوية مجلس الشعب وفي عام /2009/ دخلت الانتخابات في مجال منظمة الاتحاد النسائي، ونلت عضوية المجلس بأعلى الأصوات.

الطريف تحت قبة البرلمان

ومن خلال تجربتي كعضو لمجلس الشعب السوري ازدادت خبرتي في العمل والممارسة والأداء، لأن مجلس الشعب هو مزيج من الخبرات، ومدرسة نضالية حقيقية، تساهم في كثير من النشاطات، من خلال سن القوانين، وورشات العمل، والسفر إلى خارج القطر، واستقبال الوفود البرلمانية، وهذه كلها تجارب ممكن لأي شخص لديه طموح ورغبة في التعلم أن يستفيد من آلية عمل المجلس».

وعن الطبيعة الاجتماعية الخاصة التي تمتاز بها محافظة "الرقة" تتحدث "الطريف" قائلة: «تعتبر محافظة "الرقة" من المحافظات التي تتميز بأعراف وتقاليد ممكن أن تعرقل أحياناً المسيرة الحياتية للمرأة، إلا أنه من المؤكد أن تصميمها وقوة شخصيتها وقدرتها على إثبات ذاتها تستطيع أن تتجاوز كل هذه التقاليد الاجتماعية والعقلية الذكورية السائدة في المحافظة، وهذا ما نشهده حالياً لمجموعة من السيدات في هذه المحافظة وإن كنا قليلات من حيث العدد، ولكنهن استطعن أن يثبتن حضورهن وقدرتهن في النشاط والحضور وطرح الأفكار والعمل إلى جانب الرجل في مختلف مناحي الحياة من خلال قناعة المرأة أن لها في المجتمع حقوق مثلها مثل الرجل يمكن أن تنالها».

أما عن دور الرجل والعائلة في حياة "الطريف" تقول: «الرجل سواء كان أباً، أو أخاً، أو زوجاً، أو صديقاً، أو رئيساً في العمل، له دور أساسي في حياتي وفي مسيرتي النضالية التي أعتز بها، سواء في مسيرتي الحزبية ضمن المهام التي تكلفت بها، أو في مسيرتي التربوية التي أعتبرها فخر لي أن أكون معلمة أساهم في بناء هذا الوطن من قناعتي الحقيقية بأن المعلم يبني البشر، ومن يبني البشر يبني الوطن».

وعن أسرتها تحدثت "الطريف" قائلة: «أنا متزوجة منذ عام /1986/، ولدي أربعة أطفال، الأول "مهند" يدرس في كلية الحقوق بجامعة "دمشق"، والثاني "أغيد" في الثالث الثانوي، و"هيا" في الإعدادية، وأخيراً "وجد" بالابتدائية، وأرى أنه من خلال التنسيق والتنظيم تستطيع المرأة أن تقوم بأكثر من دور في حياتها، أنا والحمد لله استطعت التوفيق بين عملي، وأن أكون أم مثالية لأطفالي، وربة أسرة ناجحة، ومن وجهة نظري أني إذا لم أستطع أن أحافظ على أسرتي وابتسامة كل طفل من أطفالي لن أستطيع أن أحافظ على مجتمعي وبلدي، وبالتالي وطني، لأن الخلية الأولى في المجتمع تبدأ من الأسرة».

وعند سؤالها عن الحراك الثقافي في المحافظة وطبيعته تحدثت قائلة: «الحراك الثقافي الذي تشهده محافظة "الرقة" أنا أعتبره جيداً قياساًً إلى بعض المحافظات السورية الأخرى، لتواجد مثقفين بهذه المحافظة نعتز بهم، ولهم دور فاعل في هذا الحراك، لكن أشد ما أتمناه أن يتألق هذا الحراك الثقافي، ويستمر بشكل أفضل ضمن خطط وبرامج نتوسع بها بشكل مدروس من خلال محاضرين ومثقفين يغنون هذا الحراك بأفكارهم البناءة، والأهم من ذلك أن لا نركز على أشخاص محددين، أي أن نبتعد عن الأنانية ونفتح المجال أمام وجوه جديدة تمتلك ثقافة، ولكن لم يسلط الضوء عليهم من قبل، ربما لأن عامل الأنانية يقصي الناس الأكفاء في هذا المجال، وأتمنى أن نحل هذه المعضلة في المستقبل القريب، لأن للمثقفين دوراً كبيراً وهاماً في بناء المجتمع.

وهنا لدي نصيحة أريد أن أتوجه بها لكل سيدة في هذا المجتمع، أن تكون امرأة تثبت حضورها بالعمل والكفاءة والخبرة والنزاهة، لتكون قدوة لمثيلاتها من النساء، فالمرأة عندما تتبوأ موقعاً يجب أن تتبوأه كما يتبوأه الرجل، من خلال عمله وأدائه وكفاءته، وقدرتها على إثبات ذاتها وقيامها بالأعمال الموكلة إليها».

أما عما قدمته "الطريف" لمحافظة "الرقة" خلال وجودها في البرلمان، تتحدث قائلة: «أنا أرى أن أهم عمل قدمته لمحافظة "الرقة"، هو لمدرستي "هواري بومدين" التي أعتز بها، وأعتبرها وسام أضعه على صدري، ويشهد على ذلك كل من يعمل في هذا القطاع، واعتبرته وزارة التربية ومنظمة "اليونيسيف" مدرسة أنموذجية، وأطلقوا عليها مدرسة صديقة الطفولة.

وأنا أعتبر هذه المدرسة بتلاميذها وكادرها التدريسي والإداري وأولياء أمورها ومستخدميها جميعهم لهم الفضل الكبير في نجاح هذا العمل المثمر، لأني عملت فيها بشكل مؤسساتي جماعي بعيد عن الأنانية، وبصراحة أكثر استطعت من خلال موقعي كعضو قيادة في شعبة التربية أن أقوم بتنمية هذه المنطقة من حيث التعليم والطرق، والحديقة المرورية، والأرصفة، هذا ما استطعت أن أستفيد وأغتنمه في عملي».