«سيرتي الذاتية لا تغري أحداً بقراءتها، أو الالتفات إليها، فليس فيها من الإنجازات شيئاً، غير أنها على الرغم من هذا الاعتراف المبدئي ستكون هي منهلي الأول الذي أغرف منه في كل اعتداءاتي المتلاحقة على عالمي الكتابة والأدب الذي لم يكن مقرراً لي أن أخوض فيه يوماً، وتكمن وقاحتي الأولى في تجاوزي نصائح الذين قالوا لي: "إياك والاقتراب من هذا الميدان!" حين تلمسوا بوادر تمردي ورغبتي العارمة في رفض الواقع، الذي ألفيت نفسي فيه عارياً من المال والوجاهة والشهادة العلمية الرفيعة، أجرجر خلفي كماً من الخيبات».

بهذه الكلمات التي تتميز بالصراحة يفتتح الأديب والصحفي "فرحان المطر" بتاريخ 29/1/2010 حديثه لموقع eRaqqa، وهو يتحدث عن سيرته الذاتية والأدبية.

مثلما يرى المهندس في كل شيء بالحياة حاجة للهندسة، أرى كذلك أن في كل شيء في الحياة قصة، هذا أولاً، أما الإعداد التلفزيوني فهو عمل وصلت إليه عن طريق الحب والرغبة بتجاوز ذاتي دائماً، ومن خلال هذا العمل شعرت بقيمة النجاح في عيون الآخرين، وفي صداقاتهم، وفي تلك الأجواء التي تخلق حالة من تحدي الذات فعلاً والتجديد الدائم، ففي هذا العمل أنا في اختبار مستمر لثقافتي، وعلاقاتي بالآخرين ومتابعتي لما يجري من حولي، وفيه أيضاً متعة جديدة، فقد استطعت أن أُظهر على الشاشة مبدعين لم يكونوا قادرين على الإطلال من خلال التلفزيون دون وجودي، أو وجود من يشبهني في طريقة التفكير وسلم الأولويات، وهذا مبعث فرح لا يتوقف ما دمت أعمل في هذا الميدان. أم أنهما متكاملان؟ فالقاعدة عندي أن العمل، أي عمل كان لا يمكن أن يكون حصيلة خط واحد مهما كان هذا الخط ناجحاً وقوياً، إذ لا بد من وضع حصيلة الخبرة والتجارب والثقافة، إن توافرت

ويتابع في السياق ذاته، قائلاً: «أما سيرتي الأدبية فهي الأخرى ابنة المصادفة وحدها، حيث إن المصادفة هي القانون الثابت الوحيد الذي ينظم حياتي، فأي شيء حصل معي، وأي تغير شهدته حياتي كان بفعل المصادفة أيضاً، ومن هنا فإن دخول عالم الأدب هو ابن هذا الواقع أيضاً المبني على المفارقات التي تضرب كالمصائب خبط عشواء، كما يقول الشاعر.

الأديب والصحفي فرحان المطر

لم أخطط لأن أكون قاصاً، أو معداً تلفزيونياً، أو حتى مجرد أب لخمسة أبناء، وزوجاً لامرأة جنيت عليها حين اقتطعتها من بيت أهلها فقط لتقاسمني شقاء الحياة الذي أنعم به حتى الثمالة.

كتبت قبل أن أعرف ما هو الفرق بين الأشكال، أو الأجناس الأدبية، وهذا الذي حدث كان استجابة لرغبة عابرة ذات يوم في أن أعيد تدوين ما شهدته في حياتي، حين اعتقدت أنني وصلت إلى عمر يسمح لي أن أدلي بدلوي فيما أرى وأسمع، وكنت قد بدأت الدخول في العقد الخامس من العمر، الأمر الذي جرَّ علي نقمة شيوخ الكار في "الرقة" ممن كنت أرى فيهم أساتذة يحق لي أن أفخر بالانتماء إلى عالمهم الجميل.

غلاف مجموعة عين واحدة تكفي

هذه هي البداية والخطوة الأولى لدخول هذا العالم السحري الذي يضع المرء في قائمة الناس الذين يتم تداول أسمائهم وآرائهم والحديث عنهم وعما يفعلون».

وحول الخطوة الأولى التي أدخلتني عالم الأدب، يقول "المطر": «الخطوة التالية التي عززت الوقوع في شرك الكتابة، فهي تلك المتمثلة بنصيحة أحد الأصدقاء الذين أطلعتهم على بعض ما فاضت به مخيلتي حين قال: "أنت كاتب وعليك أن تواصل".

المطر في غرفة المعدين بالتلفزيون العربي السوري

أطربتني النصيحة ربما لأنها وافقت بعض هوى يعتمل في داخلي، فصدقت الحكاية، ودفعت ببعض أوهامي إلى النشر، وكانت النتيجة أن رأيت اسمي على صفحات الجرائد، وهنا وللمناسبة أذكر حادثة طريفة جرت معي، فحين سمع أحد أقربائي أن اسمي منشور بالجريدة صرخ مستغرباً مستنكراً: "يا لطيف خير إن شالله.. ليش شو عامل المسكين!!.."، وهذه الحادثة على بساطتها وطرافتها تعطي صورة عن البيئة التي قدمت منها، بيئة لا مكان فيها للثقافة، ولا للمتابعة أو الاهتمام بالشأن العام، جلَّ اهتمام أفرادها أن يمشي أحدهم إلى جانب الحائط طالباً الستر، ولكن ماذا يفعلون مع هذا الذي يخيب آمالهم دائماً، ويخرج على مألوفهم في كل مناسبة جالباً لهم المتاعب؟!.. هذه المحطة أحدثت في داخلي تغيراً حقيقياً حين ارتعدت أوصالي فعلاً من الرهبة، وأنا أقف أمام مكتبة "الخابور" في "الرقة"، أشاهد اسمي على الصفحة الأولى لجريدة أدبية، اشتريت أربعة أعداد منها، وذهبت طائراً على جناح الحلم لأري أصدقائي اسمي وصورتي في مصاف الكتاب والأدباء.

ردة الفعل في الوسط الثقافي الرقي كانت مدهشة، إذ انقسم الرأي فيها إلى رأيين، الأول هو الذي احتفل بولادة كاتب جديد في هذه المدينة، وبارك لي على طريقته التي لا تنسى، والثاني هو من استهجن الأمر واعتبره مجرد خطأ سيتم الاعتذار عنه لاحقاً من قبل الجريدة، وإلى أن يتم هذا الأمر قرر أصحاب هذا الرأي خوض معركة التشهير والتسفيه، ومحاولة إقناعي بالعدول عن هذه المغامرة الصبيانية، وقالوا: "أن يكتب المرء في مثل هذا العمر هو دليل كاف على انعدام الموهبة، وستنقضي هذه الفقاعة عند المحاولة التالية". ولكنني للأسف الشديد خيبت ظنونهم أيضاً، وواصلت عنادي في ارتياد الممنوع عليّ..».

"المطر" علاقته مع الثقافة مبكرة، بوادرها الاهتمام بالقراءة، وعن كيفية تطور هذه العلاقة، يقول: «قبل أن أتحدث عن علاقتي مع الثقافة، أود العودة إلى علاقتي مع القراءة أولاً، ففي طفولتي الأولى درست القرآن على يد شيخ الحي، المعروف آنذاك باسم "الشيخ رحمو"، وعلى يديه تلقيت دروسي الأولى في فك الحرف، كما يقال، وحين وصلت إلى الصف الأول الابتدائي، كنت قد ختمت القرآن قراءة، الأمر الذي يعني تفوقي اللاحق على جميع أقراني في المدرسة.

أذكر هنا أنني في المرحلة الابتدائية قد واجهت الأسئلة الكبرى، الأمر الذي أوصلني إلى صراعات شديدة بيني وبين نفسي، فقضية الإيمان، ونقيضها شغلت تفكيري بصورة مبكرة جداً، والقضية الفلسطينية حضرت إلى عقلي ووجداني من خلال مجموعة المدرسين الفلسطينيين الذين كانوا في "الرقة" أيام انطلاقة الثورة الفلسطينية، وكان لهم الأثر الأول في تشكل وعيي الوطني والقومي والسياسي فيما بعد.

في بدايات المرحلة الإعدادية تأثرت بالفكر الماركسي وشغفت به، الأمر الذي يعتبر المحطة الأولى الفاصلة في حياتي لجهة الاهتمام بالقراءة بصورة جادة، لدرجة أنني كنت أقفز من سور ثانوية "الرشيد" في حصص الفراغ لأدخل المركز الثقافي المجاور وأقرأ، ففي الصف الثامن مثلاً قرأت "أصل الأنواع" لـ"داروين"، وهو كتاب أكبر من أن يستوعبه عقل طفل في مثل سني ولكنني كنت أواصل القراءة بنهم جائع وجد نفسه في مواجهة ما يشتهي من الطعام بعد معاناة.

في تلك المرحلة أيضاً خضت غمار تجربة فيها خروج على المألوف حين تركت "الرقة"، ويممت وجهي صوب "دمشق"، وأنا الذي لم يغادر حدود المدينة من قبل، وكنت أقصد الالتحاق بمنظمة "أشبال فتح"، ولذلك ادعيت أمامهم في أحد المعسكرات أنني فلسطيني، فلم أستطع إقناعهم، وطلبوا مني العودة إلى أهلي للحصول على موافقتهم، لم أقبل هذه الهزيمة، فعدت إلى "حمص"، وكررت المحاولة في المخيم هناك، وكانت نفس النتيجة، ثم انتقلت إلى "حماة"، وفشلت مرة أخرى، فتوجهت إلى "حلب" قاصداً مخيم "النيرب" فيها، وحين وصلت معسكر "أشبال فتح"، قرروا قبولي، والتحقت من فوري في الدورة المقامة، بقيت قرابة العشرين يوماً حتى نهاية الدورة، وعدت إلى أهلي وأنا على ثقة بأنني أنجزت عملاً كبيراً يليق بالرجال، ضارباً عرض الحائط يومها بما لحق بأهلي من خوف على مصيري، وحين أتذكر تلك التجربة، وإعادتها مرة ثانية خلال شهر ولكن هذه المرة برفقة صديقين من أترابي، الأول "غالب سليمان غانم"، والثاني "أحمد زيدان"، وهو فلسطيني كان يقيم في "الرقة" آنذاك، وقد قبلنا هذه المرة بسهولة في معسكر الأشبال، الذي كان قائماً في مخيم "اليرموك" مكان "المدينة الرياضية" الحالية، أقول حين أتذكر تلك التجربة، أكاد لا أصدق أبداً الجرأة التي دفعتني نحو المجهول، كنت مأخوذاً بأخبار الفدائيين، وكنت أعتقد أنني سأكون واحداً ممن سيدخلون فلسطين، ولكن لا بأس حين وصلت بي الأيام إلى أن أعيش مستأجراً في "مخيم فلسطين".

مختصر القول عن علاقتي مع الثقافة، هو ارتباطها بأشياء ذات معنى حقيقي في حياتي، ولم تكن ترفاً تلك الأيام أن أشتري الكتب بدل الألعاب، وأنا الفتى المعدم مادياً».

"فرحان المطر" كتب القصة متأخراً، وحين سألناه هل كنت قبلها في مرحلة كمون، أم هي استراحة محارب استمرت طوال سنوات، وهل وجدت نفسك أخيراً بالكتابة؟ أم تراها متنفساً تحب أن تبوح بأسرارك من خلاله؟ أم هي خيانة للذات عبر البوح بمكنوناتها؟ أجاب قائلاً: «أنت أدرى يا صديقي لأنني وإياك أبناء ذات البيئة التي تعتبر الحكاية زاد أهلها اليومي، خلقنا ونحن نسمع حكايات الأم والجدات، وكيف كنا نسهر على الحكاية، وكيف كان يجذبنا أكثر من يجيد القص والسرد والحكي الجميل، وتذكر أيضاً أن البعض كان يبرع في تطويل الحكاية حتى تصير أشبه ما تكون بالمسلسل "بلغة التلفزيون اليوم"، ولهذا فالحكاية كانت حاضرة دائماً وجاهزة دائماً في مخيلتي، ولذلك لم أكن مضطراً للتفكير يوماً بأنني سأكتب القصة، أو لنقل الحكاية، لأنها جاهزة وتحت الطلب، وأحد المؤشرات على هذا الأمر أسوقه الآن هو إشادة كل من يحيط بي بطريقتي وأسلوبي في السرد الشفهي، وقدرتي على جذب الانتباه وصنع "الحبكة"، دون أن أعرف بالطبع هذه المصطلحات واستخداماتها أبداً، ولذلك حين وجدت أنني وسط الفضيحة، وأؤكد على عبارة الفضيحة، لأن الكتابة دائماً هي فعل فضح، وكشف للمستور، والمسكوت عنه، وأداة رفض، سواء عبرنا عنها بهذه الطريقة أم لا، حين وجدت نفسي في هذه الزاوية لم أشعر بصعوبة تذكر في مواصلة المشوار في الكتابة، وأنت تذكر بلا شك إحدى العبارات التي قيلت لي يوماً في بداية مشواري الأدبي: "إنه يكتب مثلما يتكلم".

طبعاً كان القصد من هذا الكلام هو الذم، ولكنني أفخر تماماً، ومنذ سماع العبارة بأنني فعلاً أفكر وأكتب وأتكلم، وأحاول أن أعيش بذات الطريقة، هل هو الوضوح؟!.. هل هي الشفافية؟!.. هل هي الثقة الزائدة بالذات؟!.. هل هي كل هذه الأشياء مجتمعة؟!.. إنها جميعاً الأحرف التي تشكل اسمي، والشرايين التي يجري الدم فيها من وإلى كل خلاياي، هذا أنا.

عن قضية الكمون أحب القول إنني لم أكن أعي أنني أعيش حالة الكمون اليوم، لأظهر غداً كاتباً، وكما قلت المصادفة وحدها هي التي تحكم حياتي، ولكن ثمة ظرف حياتي خاص أخذ من عمري زهوة الشباب ووضعني، أو وضعت نفسي فيه خارج إطار متابعة الحياة الطبيعية التي كان يمكن لمثلي أن يحياها، والتي بسببها نسيت أن أتابع دراستي، ولم أصبح المهندس الذي كنت أحلم أن أكون يوماً.

وعن استراحة المحارب في السؤال، فيا صديقي من المحارب، ولماذا هي استراحته، حين لا حرب ولا من يحزنون؟!.. وعن مجموعة الاحتمالات الواردة في الشطر الأخير من هذا السؤال حول المتنفس والخيانة والبوح وهل وجدت نفسي؟ أقول: ذات يوم قال أحد الأصدقاء مجيباً عن هذا السؤال نيابة عني: "إنه يحاول إثبات ذاته".

لا أعرف إذا يقصد المديح أم الذم، إذ ليس مهماً هذا الآن أبداً، فالمهم أن الكتابة دائماً وأبداً هي إثبات وجود، مهما حاول الكاتب تجاهل هذه الحقيقة لأسباب عديدة، أما عن المتنفس فهي دائماً وأبداً متنفس، وهي للبوح دائماً وأبداً أيضاً، وقد وجدت نفسي فيها حقاً، وأنا أفخر أنني أختتم حياتي ككاتب، ويسعدني جداً أن يقول لي شخص ما، أنا أعرفك، أنا قرأتك في المادة كذا، وسمعت عنك في كذا، طبعاً مثل هذا القول سيغيظ حتماً من أصروا على نصيحتي بعدم الكتابة، وأنا لا أقصد بالطبع إغاظة أحد، لأن من طبعي التسامح على الرغم من شيمة الإصرار والتحدي التي تسري في عروقي أبداً.

أما خيانة الأسرار فهي متعتي الحقيقية إن أردت أن أصدقك وأصدق القارئ القول، لسبب بسيط هو أنني لا أرى أسراراً أصلاً في حياتي، فلم أعمل في أي مفاعلات نووية قبل الآن، ولم أجر تجارب على تحسين النسل البشري بعد، فأنا حتى اللحظة أفكر باختراع ألف طريقة وطريقة فقط لكي أعيش بالكفاف، وما زلت حتى اللحظة أحلم بأن يكون لأبنائي بيت من بعدي خشية أن يشتموا الساعة التي جعلت مني أباً لهم، ومع ذلك فإن هذا الحلم يشبه المستحيل، ويبدو أن العيش في الحاجة دائماً هو ضرورة مطلقة لإثبات أن الإنسان كائن حي قوي يستطيع العيش في أسوأ الظروف، وربما العيش وهو ميت».

"المطر" بين القصة والإعداد التلفزيوني، أين تجد نفسك؟ أم ترى العملين يكمل أحدهما الآخر؟ عن ذلك يقول: «مثلما يرى المهندس في كل شيء بالحياة حاجة للهندسة، أرى كذلك أن في كل شيء في الحياة قصة، هذا أولاً، أما الإعداد التلفزيوني فهو عمل وصلت إليه عن طريق الحب والرغبة بتجاوز ذاتي دائماً، ومن خلال هذا العمل شعرت بقيمة النجاح في عيون الآخرين، وفي صداقاتهم، وفي تلك الأجواء التي تخلق حالة من تحدي الذات فعلاً والتجديد الدائم، ففي هذا العمل أنا في اختبار مستمر لثقافتي، وعلاقاتي بالآخرين ومتابعتي لما يجري من حولي، وفيه أيضاً متعة جديدة، فقد استطعت أن أُظهر على الشاشة مبدعين لم يكونوا قادرين على الإطلال من خلال التلفزيون دون وجودي، أو وجود من يشبهني في طريقة التفكير وسلم الأولويات، وهذا مبعث فرح لا يتوقف ما دمت أعمل في هذا الميدان.

أم أنهما متكاملان؟ فالقاعدة عندي أن العمل، أي عمل كان لا يمكن أن يكون حصيلة خط واحد مهما كان هذا الخط ناجحاً وقوياً، إذ لا بد من وضع حصيلة الخبرة والتجارب والثقافة، إن توافرت».

"المطر" ابن "الرقة"، يستطيع أن يأخذ بها إلى أصقاع بعيدة، أنت في "دمشق".. هل تسكنك "الرقة"؟ أم هناك عوالم جديدة يخلقها المبدع في نفسك فتتبدى مثل "ماكندو" الكاتب "ماركيز"، أو عوالم "ألف ليلة وليلة" أو غيرها من المتخيل السردي؟

وفي إجابته عن هذا السؤال، يقول: «"الرقة" هي جلدي الذي أحتمي به، والذي لا يمكنني التفكير يوماً بالعيش دونه، فكيف تتصور إنساناً يواجه العالم ويعيش دون جلد يحمي كل كيانه الداخلي؟!.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فـ"الرقة" هي أهلي وطفولتي وأصدقائي وذكرياتي وناسي، والفقر والحرمان الذي لم ولن أنساه يوماً، فهو زوادتي، ومعيني الذي لا ينضب في الكتابة وفي الحلم.

أما كيف تتبدى "الرقة" في كتابتي، فقد لا أمتلك الإجابة الآن عن هذا السؤال، قد تأتي لحظة يبدأ فيها قلمي الكتابة دون أن يأخذ رأيي المسبق.

و"دمشق" هي المكان الذي أحبه وأخلص له، المكان الذي كان حاضنة لشبابي ولأحلامي، ما تحقق منها، وما تحطم على صخرة الواقع القاسية التي لم تكن تعترف بالحالمين أمثالي، خاصة إذا كان رصيدهم غير مشفوع بالمال، الذي يثبت على الدوام أنه سيد في كثير من المواقف.

وعن عوالمي يا صديقي في الكتابة القصصية، أو الروائية إن شئت، فأنا حين أكتب لا أتذكر "ماكندو"، ولا "ماركيز"، ولا "ألف ليلة وليلة"، فقط أنهمك بالحالة، وحسبي من تلك الأسماء أنني حين أقرؤها أعيش متعة ولذة القراءة».

تعرض "المطر" لوعكة صحية قبل أن نجري معه اللقاء بعدّة أيام.. وسألناه إبانها ماذا يعني لك الموت والحب؟ فيقول: «يرى البعض أن مثل تلك الوعكات الصحية إن هي إلا جرس إنذار حقيقي للإنسان ينبهه إلى ضرورة الالتفات إلى ذاته الإنسانية، وأهمية إعطائها حقها، وهذا دليل على أننا نظلم أحياناً أنفسنا دون أن ندري، وذلك بحجة جرينا وراء احتياجات الحياة ومتطلبات البيت والأولاد وما إلى ذلك.

أثناء هذه الوعكة شعرت فعلاً أنني أمام مفترق جديد وحقيقي في حياتي، لأنني بالنسبة لتاريخ عائلتي المرضي لم نعرف أية أمراض مثل السكري والضغط والغدد والقلب وغير ذلك من الأمراض المزمنة، ولهذا فقد شكلت سابقة لهم في هذا الأمر، حيث إنني أول من يصاب بالقلب فيها، مما أصابهم بالرعب، لأن كلمة القلب لدى البعض تشكل هاجساً وكابوساً، أما بالنسبة لي فقد فوجئت حقيقة من ردة فعلي على هذه الحالة حين رأيت أن الناس يخافون في مثل هذه الحالة من أسوأ الاحتمالات ألا وهي الموت، وأنني هزئت من هذا الذي يخافون منه، واستسخفت فكرة الخوف من النهاية، وكانت معنوياتي في أعلى حالاتها، وواجهت الأمر بطريقة أثارت استغراب كل من حولي، وهنا لا أدعي بطولة زائفة، ولكن هذا ما حدث، ولست أطلب من أحد أن يصدق ذلك.

أما عن استحقاقات الموت والحب، فقد قررت قبل دخول المشفى أن أخلص للحب أكثر من أي وقت إذا أخطأ الموت طريقه إلى قلبي، أو أن قلبي قد انتصر عليه وقهره، وحين خرجت مثلما دخلت قوياً، قررت الوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسي بأنني سأخلص لك أيها القلب مدى الباقي من الأيام، ولن تتوقف إلا على الحب ومن أجله».

يذكر بأن الأديب والصحفي "فرحان المطر" من مواليد مدينة "الرقة"، عام /1956/، عضو اتحاد الكتاب العرب، جمعية القصة والرواية، فرع "دمشق"، صدر له في مجال القصة: "تفاصيل اللقاء"، "ما يدعو للهذيان"، "عين واحدة تكفي"، "بروق" مجموعة قصص قصيرة جداً بالاشتراك مع عدد من الكتاب.

كما يعمل "المطر" في التلفزيون العربي السوري، معداً للبرامج منها: "صباح الخير" على الفضائية السورية، وبرنامج "نهار جديد" على القناة الأولى. وأنجز عدداً من الأفلام الوثائقية منها: "رحلة الحب المريمية"، "أعمدة الشمس"، "غزة". كما أنجز عدداً من البرامج التلفزيونية الخاصة منها: "مسلمون ومسيحيون معاً"، "حوار خاص مع ناشطة السلام الأمريكية آنا بالتزر". إضافة إلى عدد من الأفلام التسجيلية الخاصة بالتعاون مع المجموعة الأوروبية بإشراف الأستاذ "إبراهيم ياخور".

وعمل في الصحافة في عدد من الصحف السورية الخاصة منها: "الاقتصادية"، "الاقتصادي"، "دليل السائح"، "المجتمع الاقتصادي"، "الوردة". ونشر العديد من القصص والمتابعات والتحقيقات الثقافية في الصحافة العربية والمحلية. وعمل مستشاراً إعلامياً لدى إحدى الشركات الخاصة المتخصصة في العلاقات العامة.