«هو "توفيق بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن يوسف قنبر"، لم تلده مدينة "الرقة"، بيدَ أن أجمل ما أبدعه في المجالات الأدبية والفكرية وُلدَ في هذه المدينة، كان أول مديرٍ لمدرسة أهلية في "الرقة"، كما كان من أكثر الشعراء تغزلاً بها، ومن أهم المؤرخين لحضارتها».

بهذه الكلمات يعرفنا الباحث "حمصي فرحان الحمادة" بالأستاذ والشاعر والمؤرخ "توفيق قنبر"، وهو يتحدث لموقع eRaqqa بتاريخ (14/4/2009) قائلاً: «ولد الأستاذ "توفيق قنبر"، في مدينة "دير الزور" عام /1909/م، من أسرةٍ عربية عريقة، سكنت المنطقة منذ أكثر من مائتي عام، حيث عملت بالتجارة وأصبحت ذات سوية اقتصادية جيدة، فملكت الأراضي والمتاجر، وهي تنتمي إلى عشيرة "الحصاني" المعروفة، ومنذ طفولته وعلامات النبوغ ارتسمت صريحة واضحة في منحى حياته.

ولد الأستاذ "توفيق قنبر"، في مدينة "دير الزور" عام /1909/م، من أسرةٍ عربية عريقة، سكنت المنطقة منذ أكثر من مائتي عام، حيث عملت بالتجارة وأصبحت ذات سوية اقتصادية جيدة، فملكت الأراضي والمتاجر، وهي تنتمي إلى عشيرة "الحصاني" المعروفة، ومنذ طفولته وعلامات النبوغ ارتسمت صريحة واضحة في منحى حياته. ففي المرحلة الابتدائية كان يجادل أساتذته بل يخالفهم الرأي إلى مرحلة التحدي، وهناك حادثةٍ فريدة من نوعها، حدثت أمام اللجنة الفاحصة في اختبار الشهادة الفرنسية، التي ترددت في قبوله لصغر سنه، حيث أخضعته لامتحان عسير، عندما طلب منه رئيس اللجنة الفرنسي الجنسية، وهو مفتش اللغة الفرنسية، تصريف إحدى الكلمات، فأطرق مليِّاً وأجاب بأنه يقبل الانسحاب، إذا استطاع المفتش نفسه تصريفها، عندها صفَّق له أعضاء اللجنة، وأحاطوه بإعجابهم، لأن الكلمة ليس لها تصريف أصلاً، وهذه الحادثة وردت في مقدمة ديوانه "تأملات" والذي تمت طباعته بعد وفاته. وقد حاول أهله تنمية ملكاته وموهبته، وتوجيهها بعيداً عن التجارة وعن مهنة أبيه، فنمت هذه الموهبة لتأخذ مساراً علمياً واهتماماً شغوفاً بالمطالعة وحبُّ الكتابِ، وكذلك فعل مدرسوه، فأولوه من العناية والرعاية، ما جعله يبدأ بمطالعة دواوين فحول الشعراء وأمهات الكتب العلمية والأدبية، فنمى ذكاؤه أكثر وزاد اندفاعه، وقد كان يؤمن بالعلم التطبيقي سبيلاً حقيقياً، حيث بدأ بتطبيق بعض ما درسه في أمثلة علمية واقعية، فقد صنع مرقاباً "تلسكوب" ليرى من خلاله هو وزملائه الكواكب والنجوم، كما قام بصناعة بعض التطبيقات الميكانيكية الصغيرة. وفي مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، شارك شاعرنا في النضال ضد المستعمر الفرنسي إلى جانب رفاقه من المناضلين، واضطر للسفر إلى العراق، بعد أن أصدر الفرنسيون أحكاماً بالإعدام عليه وعلى بعضٍ من رفاقه الذين اقتيدوا إلى السجن، وبقي هناك على الرغم من تخفيف الحكم عام /1933/م، من الإعدام إلى الحبس خمس سنوات، مع غرامة مالية قدرها /3000/ فرنك فرنسي، وعلى الرغم من صدور عفو شامل بعد اتفاق الحكومة الفرنسية والوطنيين عام /1937/م، حيث تابع هناك النضال ضد المستعمر الإنكليزي، من خلال كتاباته الصحفية العديدة، التي أثارت نقمة الإنكليز عليه، فتم نفيه إلى مصر، ولما بدا مصمماً على المتابعة، أُعيدَ قسراً إلى سورية عام /1941/م، وفي مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، قدم إلى مدينة "الرقة"، عندما عُرض عليه إدارة أول مدرسة أهلية في هذه المحافظة، والتي قام بإنشائها الوجيه "صادق الفواز" شيخ عشيرة "البياطرة"، وأُطلِقَ عليها اسم "متوسطة المأمون"، حيث لم يكن هناك متوسطة في كل أنحاء قضاء "الرقة"، يُكمِلُ فيها أبناء هذه المدينة تعليمهم المتوسط بعد الابتدائية، فقد كان ميسورو الحال يذهبون إلى "حلب" لإكمال تعليمهم، ومن لم يستطع كان يتوقف عن متابعة الدراسة، فجاءت هذه المدرسة منقذاً لأبناء "الرقة" من متوسطي الحال والفقراء، وقد مارس الأستاذ "توفيق" تدريس بعض المواد، بالإضافة لتوليه الإدارة، ومنها مادة اللغة العربية، وقد عمل معه في ذلك الوقت، كلاً من الأساتذة: "إسماعيل الحمود البليبل" و"محمد آنزور" و"محمود السيد توفيق" و"أحمد جمال عويِّد". وفي هذه المدينة، وجد هذا الشاعر الثائر، الهدوء والسكينة، وجذبته بسحرها، كما شُغف بآثارها وتاريخها العربي، فانشغل بالبحث وأنجز موسوعته الكبيرة "تاريخ الرَّقتين"، وهي ثلاثة مجلَّدات، وتقع في /3000/ صفحة، وهي ماتزال مخطوطة تنتظر شعاع النور، كما كتب مخطوطة عن أعلام "الرقة"، وحقق ديوان الشاعر "الصنوبري"، وقد تم مؤخراً طبع ديوان شعر له بعنوان "تأملات" على نفقة أولاده، تغنى فيه بوادي "الفرات" من خلال العديد من القصائد، كما ذكر "الرقة" بقصائد كثيرة منها: "وادي الفرات" و"الفرات والحضارة" و"الرقة وشعر الصنوبري" و"عين عيسى" و"وقفة ذكرى على طول "الهني" و"المري" و"عين العروس" و"حصن مسلمة"، و من قصيدة "عين عيسى" نقتطف هذه الأبيات: (تعشَّقتُ العيون الخضرَ طفلاً/ وروض الحسن تعشقه العيـونُ سبتني بالمحاسن "عين عيسى"/ و"عيسى" في الهوى رجلاً رزينُ رمـاني لحظها وسبى فـؤادي/ وتيَّمـني هـواها المستكيـنُ رضيت بأسرها عبـداً ومـولىً/ وأسر الحبِّ أشهى ما يكـونُ ومـن عشـق الحـرائر ذلَّ نفساً/ وذلُّ الحبِّ في الدنيا ثمينُ) ومن قصيدة "عين العروس" نختار: (على "عين العروس" جلست صبحاً/ وما أحلى العروس ضحى الصباح أمـامي والـريـاح لهـا اعتزافٌ/ زمـردة مُشـذَّرة الـوشـاحِ يكـاد الطـرفُ يبصـر أن دنيا/ من الأحلام تظهـر في التمـاح خـريــر لـذَّ للأسمـاع لـحنـاً/ ووجـه فيـه إغراء الرداح فـأنَّى ســار طـرفـك حيَّرته/ مفاتن جنَّـةٍ في ذي البـطاحِ فيخلـبُ حسُّـكَ اليقظـانِ نجـمٌ/ ويستهوي شعورك بالأقاحـي تـرى "النيلوفر البسَّـام فيها/ عذارى وسـط أثبـاجِ القـراحِ) ويقول في قصيدة "الرقة" وشعر "الصنوبري": (أبـا بكـرٍ لقد خلَّفـتَ شعراً/ منيحةَ لذَّةٍ أو لذتين فأيـكما المُخلِّدُ صاحبيه/ أشعرُكَ؟ أم ربـوع الرَّقتينِ؟ ولا أدري مع الأيـام طولاً/ أذكركما سيبقى مقرنينِ؟ فإن لعبت بها أيدي الليالي/ فشعرك قد أخاف اللعبتين ومثلك زارها الشعراء غنماً/ فعاشوا بين جنَّاتٍ وعينِ) وبالرغم من راحة شاعرنا في "الرقة"، وانشغاله بالتاريخ والشعر فيها، إلا أن الظروف أجبرته على تركها والعودة إلى مدينة "دير الزور" عام /1957/م، ليقبل عرض أحد أصدقائه بتدريس مادة اللغة العربية في ثانوية "الفرات"، فعمل في هذا المجال أكثر من أربع سنوات، لكنه لم ينسَ "الرقة" وما كتبه فيها، ثم شغل هناك في "دير الزور" منصب أمين المكتبة الوطنية، خلفاً للشاعر الكبير "محمد الفراتي"، الذي انتقل آنذاك إلى "دمشق". وفي السادس من أيلول عام /1972/م، توفي الشاعر والمدرس "توفيق قنبر"، في مدينة "دير الزور"، وهو يقرأ أحد كتب التاريخ، ولم يرد خبر وفاته إلا في زاوية صغيرة، لجريدة يومية كتبها أحد طلابه تحت عنوان: "عاش بهدوء ومات بهدوء"، وهكذا أسدل الستار على نجم لمع في سماء فراتنا الحبيب

ففي المرحلة الابتدائية كان يجادل أساتذته بل يخالفهم الرأي إلى مرحلة التحدي، وهناك حادثةٍ فريدة من نوعها، حدثت أمام اللجنة الفاحصة في اختبار الشهادة الفرنسية، التي ترددت في قبوله لصغر سنه، حيث أخضعته لامتحان عسير، عندما طلب منه رئيس اللجنة الفرنسي الجنسية، وهو مفتش اللغة الفرنسية، تصريف إحدى الكلمات، فأطرق مليِّاً وأجاب بأنه يقبل الانسحاب، إذا استطاع المفتش نفسه تصريفها، عندها صفَّق له أعضاء اللجنة، وأحاطوه بإعجابهم، لأن الكلمة ليس لها تصريف أصلاً، وهذه الحادثة وردت في مقدمة ديوانه "تأملات" والذي تمت طباعته بعد وفاته.

الباحث حمصي فرحان الحمادة

وقد حاول أهله تنمية ملكاته وموهبته، وتوجيهها بعيداً عن التجارة وعن مهنة أبيه، فنمت هذه الموهبة لتأخذ مساراً علمياً واهتماماً شغوفاً بالمطالعة وحبُّ الكتابِ، وكذلك فعل مدرسوه، فأولوه من العناية والرعاية، ما جعله يبدأ بمطالعة دواوين فحول الشعراء وأمهات الكتب العلمية والأدبية، فنمى ذكاؤه أكثر وزاد اندفاعه، وقد كان يؤمن بالعلم التطبيقي سبيلاً حقيقياً، حيث بدأ بتطبيق بعض ما درسه في أمثلة علمية واقعية، فقد صنع مرقاباً "تلسكوب" ليرى من خلاله هو وزملائه الكواكب والنجوم، كما قام بصناعة بعض التطبيقات الميكانيكية الصغيرة.

وفي مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، شارك شاعرنا في النضال ضد المستعمر الفرنسي إلى جانب رفاقه من المناضلين، واضطر للسفر إلى العراق، بعد أن أصدر الفرنسيون أحكاماً بالإعدام عليه وعلى بعضٍ من رفاقه الذين اقتيدوا إلى السجن، وبقي هناك على الرغم من تخفيف الحكم عام /1933/م، من الإعدام إلى الحبس خمس سنوات، مع غرامة مالية قدرها /3000/ فرنك فرنسي، وعلى الرغم من صدور عفو شامل بعد اتفاق الحكومة الفرنسية والوطنيين عام /1937/م، حيث تابع هناك النضال ضد المستعمر الإنكليزي، من خلال كتاباته الصحفية العديدة، التي أثارت نقمة الإنكليز عليه، فتم نفيه إلى مصر، ولما بدا مصمماً على المتابعة، أُعيدَ قسراً إلى سورية عام /1941/م،

الأستاذ توفيق قنبر يميناً مع بعض الأصدقاء في أحد المواقع الأثرية لمدينة الرقة

وفي مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، قدم إلى مدينة "الرقة"، عندما عُرض عليه إدارة أول مدرسة أهلية في هذه المحافظة، والتي قام بإنشائها الوجيه "صادق الفواز" شيخ عشيرة "البياطرة"، وأُطلِقَ عليها اسم "متوسطة المأمون"، حيث لم يكن هناك متوسطة في كل أنحاء قضاء "الرقة"، يُكمِلُ فيها أبناء هذه المدينة تعليمهم المتوسط بعد الابتدائية، فقد كان ميسورو الحال يذهبون إلى "حلب" لإكمال تعليمهم، ومن لم يستطع كان يتوقف عن متابعة الدراسة، فجاءت هذه المدرسة منقذاً لأبناء "الرقة" من متوسطي الحال والفقراء، وقد مارس الأستاذ "توفيق" تدريس بعض المواد، بالإضافة لتوليه الإدارة، ومنها مادة اللغة العربية، وقد عمل معه في ذلك الوقت، كلاً من الأساتذة: "إسماعيل الحمود البليبل" و"محمد آنزور" و"محمود السيد توفيق" و"أحمد جمال عويِّد".

وفي هذه المدينة، وجد هذا الشاعر الثائر، الهدوء والسكينة، وجذبته بسحرها، كما شُغف بآثارها وتاريخها العربي، فانشغل بالبحث وأنجز موسوعته الكبيرة "تاريخ الرَّقتين"، وهي ثلاثة مجلَّدات، وتقع في /3000/ صفحة، وهي ماتزال مخطوطة تنتظر شعاع النور، كما كتب مخطوطة عن أعلام "الرقة"، وحقق ديوان الشاعر "الصنوبري"، وقد تم مؤخراً طبع ديوان شعر له بعنوان "تأملات" على نفقة أولاده، تغنى فيه بوادي "الفرات" من خلال العديد من القصائد، كما ذكر "الرقة" بقصائد كثيرة منها: "وادي الفرات" و"الفرات والحضارة" و"الرقة وشعر الصنوبري" و"عين عيسى" و"وقفة ذكرى على طول "الهني" و"المري" و"عين العروس" و"حصن مسلمة"، و من قصيدة "عين عيسى" نقتطف هذه الأبيات:

في المركز الثقافي بدير الزور

(تعشَّقتُ العيون الخضرَ طفلاً/ وروض الحسن تعشقه العيـونُ

سبتني بالمحاسن "عين عيسى"/ و"عيسى" في الهوى رجلاً رزينُ

رمـاني لحظها وسبى فـؤادي/ وتيَّمـني هـواها المستكيـنُ

رضيت بأسرها عبـداً ومـولىً/ وأسر الحبِّ أشهى ما يكـونُ

ومـن عشـق الحـرائر ذلَّ نفساً/ وذلُّ الحبِّ في الدنيا ثمينُ)

ومن قصيدة "عين العروس" نختار:

(على "عين العروس" جلست صبحاً/ وما أحلى العروس ضحى الصباح

أمـامي والـريـاح لهـا اعتزافٌ/ زمـردة مُشـذَّرة الـوشـاحِ

يكـاد الطـرفُ يبصـر أن دنيا/ من الأحلام تظهـر في التمـاح

خـريــر لـذَّ للأسمـاع لـحنـاً/ ووجـه فيـه إغراء الرداح

فـأنَّى ســار طـرفـك حيَّرته/ مفاتن جنَّـةٍ في ذي البـطاحِ

فيخلـبُ حسُّـكَ اليقظـانِ نجـمٌ/ ويستهوي شعورك بالأقاحـي

تـرى "النيلوفر البسَّـام فيها/ عذارى وسـط أثبـاجِ القـراحِ)

ويقول في قصيدة "الرقة" وشعر "الصنوبري":

(أبـا بكـرٍ لقد خلَّفـتَ شعراً/ منيحةَ لذَّةٍ أو لذتين

فأيـكما المُخلِّدُ صاحبيه/ أشعرُكَ؟ أم ربـوع الرَّقتينِ؟

ولا أدري مع الأيـام طولاً/ أذكركما سيبقى مقرنينِ؟

فإن لعبت بها أيدي الليالي/ فشعرك قد أخاف اللعبتين

ومثلك زارها الشعراء غنماً/ فعاشوا بين جنَّاتٍ وعينِ)

وبالرغم من راحة شاعرنا في "الرقة"، وانشغاله بالتاريخ والشعر فيها، إلا أن الظروف أجبرته على تركها والعودة إلى مدينة "دير الزور" عام /1957/م، ليقبل عرض أحد أصدقائه بتدريس مادة اللغة العربية في ثانوية "الفرات"، فعمل في هذا المجال أكثر من أربع سنوات، لكنه لم ينسَ "الرقة" وما كتبه فيها، ثم شغل هناك في "دير الزور" منصب أمين المكتبة الوطنية، خلفاً للشاعر الكبير "محمد الفراتي"، الذي انتقل آنذاك إلى "دمشق".

وفي السادس من أيلول عام /1972/م، توفي الشاعر والمدرس "توفيق قنبر"، في مدينة "دير الزور"، وهو يقرأ أحد كتب التاريخ، ولم يرد خبر وفاته إلا في زاوية صغيرة، لجريدة يومية كتبها أحد طلابه تحت عنوان: "عاش بهدوء ومات بهدوء"، وهكذا أسدل الستار على نجم لمع في سماء فراتنا الحبيب».