«لم يكن الوحيد من أبناء العائلة الذي أحب العلم وشغف به، فإخوته كلهم من ذوي التعليم العالي، فوالده الشيخ "محمد" مدرس للقرآن، وهو من غرس فيهم حب العلم، والسعي لاكتسابه، والتفاني في تحصيله، وانتمائه للطبقة الوسطى جعله جديراً بتحصيل أعلى الدرجات العلمية، وكانت الفلسفة محط عشقه وولعه، فيها تعلق، وكانت حلمه الأول بعد تفتحه على قراءات سن المراهقة».

هذا ما قاله لموقع eRaqqa الشاعر "إبراهيم الزيدي"، وهو يقدم شخصية اليوم الدكتور "رشيد الحاج صالح"، ويضيف: «لم يدخر "الحاج صالح" جهداً في التفاني للعلم، والغوص في رحابه، والنهل من بحره الواسع، وقد يسّرت له دراسته للفلسفة في جامعة "دمشق" سبل ذلك، وهناك أيقن أن أم العلوم نبع لا ينضب، وبحر لا تحده الحدود، وكانت تلك بدايات النشأة والتكوين، ومرحلة الانطلاق الأولى، للدكتور "رشيد الحاج صالح" عميد كلية التربية في محافظة "الرقة"».

لم يدخر "الحاج صالح" جهداً في التفاني للعلم، والغوص في رحابه، والنهل من بحره الواسع، وقد يسّرت له دراسته للفلسفة في جامعة "دمشق" سبل ذلك، وهناك أيقن أن أم العلوم نبع لا ينضب، وبحر لا تحده الحدود، وكانت تلك بدايات النشأة والتكوين، ومرحلة الانطلاق الأولى، للدكتور "رشيد الحاج صالح" عميد كلية التربية في محافظة "الرقة"

وتحدث الدكتور "الحاج صالح" لموقعنا بتاريخ (19/1/2009) عن ذكريات الطفولة ونشأته الأولى قائلاً: «كان والدي محباً للعلم وأهله، فنشأت نشأة علمية، فالعلم هو الذي يحدد مكانة الشعوب، وهو ضمانة المستقبل، والغد الأفضل، فلا يمكن أن أنسى سني طفولتي الأولى، بشقاوتها، وبراءتها، وأحلامها وأمانيها، وفي تلك الفترة بُذرت البذرة الأولى في مسيرتي العلمية، فمنذ ولادتي في إحدى قرى محافظة "الرقة" عام /1970/، وبعد أن درجت في مرابع الطفولة، اقتادني والدي في دروب العلم، وحثني على تحصيله، وأدبني على حب العلم وأهله».

مبنى كلية التربية في الرقة

ويضيف: «من أبي استقيت حروف اللغة الأولى، ومبادئ التخاطب، وأصول الكلام، وهو الذي غرس فيّ بذور المحاكمات العقلية الأولى، التي تتناسب مع مدارك الطفل وقواه العقلية، وهذا ما دفعني مستقبلاً لدراسة الفلسفة، والتخصص فيها، وكنت بذلك ممن يحبون المدرسة، ويقدرون للمعلم شأنه الرفيع، بعد أن مررت بمرحلة كنت استاء فيها من المدرسة، بسبب الأساليب التربوية المتبعة، القاسية والجافة، إضافة إلى تنقلي بين عدد من المدارس من مختلف المستويات».

وحول دراسته الجامعية، وتخصصه في الفلسفة يضيف قائلاً: «لم يكن طموحي ليتوقف عند الحصول على إجازة الفلسفة، ولم يكن حصولي على المرتبة الثانية على مستوى الكلية ما دفعني على إتمام دراستي، بل كان هذا حلماً مبكراً، كافحت من أجله، وسعيت لتحقيقه، وكان لا بد من أن أجني ثماره، ولا يمكنني القول إن دراستي الجامعية لم تمر بصعوبات، ولعل أولها بعد المسافة التي تفصل مدينة "دمشق" عن قريتي النائية في "الرقة"، فبعد المسافة، والغربة، لشاب خرج للتو من سن المراهقة، شكلت بالنسبة لي عبئاً عاطفياً ووجدانياً كبيرين، واستطعت بفضل تصميمي وتشجيع أهلي، أن أتجاوز هذه المرحلة».

الحاج صالح في مكتبه

ويتابع: «كنت أنشر حينها بعض المقالات، وأقوم بتلخيص وطبع المحاضرات، التي تساعدني على تدبير مصاريفي الجامعية، وكانت تلك البدايات الأولى التي رسخت في ذهني ضرورة الاعتماد على الذات، وشق طريقي في الحياة، وعقب تخرجي من الجامعة في عام /1993/ عُينت معيداً في كلية الآداب بجامعة "تشرين"، وأوفدت لإكمال دراساتي العليا في الفلسفة في جامعة "دمشق"».

وعن دراسته العليا، وممارسته للعمل الوظيفي، والكتب التي أصدرها، والمؤتمرات التي شارك فيها، ومقالاته وبحوثه المنشورة، يقول "الحاج صالح": «أنهيت رسالة الدكتوراه عام /2001/ بدرجة امتياز، وقد تخصصت بالمنطق، ودرّست عدداً من المقررات في جامعات "تشرين" و"حلب" و"الفرات" و"المعهد الوطني للإدارة"، وتوليت منصب وكيل "كلية التربية" للشؤون العلمية في "الرقة"، ثم عميداً للكلية في عام /2006/، ولا أزال أقوم بتدريس بعض المقررات في جامعتي "حلب" و"الفرات"، ولدي الآن كتابان منشوران الأول بعنوان (المنطق واللغة) و(المعنى في فلسفة "فتجنشتين")، والثاني: فلسفة المنطق عند "كارناب"، ولدي العديد من المقالات والبحوث المنشورة في عدد من المجلات والدوريات المحلية والعربية، وشاركت في العديد من المؤتمرات على مستوى القطر».

الحاج صالح محاضراً

وعن أسباب اختياره للفلسفة، ووقف حياته الدراسية عليها، أجاب قائلاً: «منذ المرحلة الثانوية، لفتت انتباهي المقررات التي تهتم بالفلسفة وعلم النفس، واستغربت عدم منحها حيزاً واسعاً في هذه المقررات، فالفلسفة في نظري لها القدرة في تحليل وفهم شخصية الإنسان، وطريقة تكوين معتقداته، وأحلامه، وتقدم البرهان على أصول المحاكمات العقلية، وبالتالي فهي تضع بين يديك حلولاً ناجعة لما يمكن أن تواجهه من مشاكل وتعقيدات، وتحكيم العقل في حلها، بعيداً عن العواطف والأوهام، ومن أبرز الفلاسفة الذين تأثرت بهم، وشُغلت بدراستهم، "نيتشه" و"هيغل" و"ابن رشد" الذين حاولوا التأكيد على سلطة العقل، ومكانته، وأهتم بنظرتهم للعدالة والمساواة والحرية وانتصار المصالح العامة للشعوب».

وفي حديثه عن الأحلام والأمنيات يضيف: «كان لي حلمٌ عزيزٌ وتحقق، وهو افتتاح كليات جامعية في محافظة "الرقة"، فمنذ دراستي الجامعية، أدركت مدى الصعوبات التي يعانيها الطالب وأهله، وما يتكبده من عناء السفر، ومشقة العيش، وتأمين السكن، وتوفير متطلبات دراسته الجامعية، وتحقق الحلم بإحداث هذه الكليات، ونحن نأمل أن تكون نواة حقيقية لجامعة مستقبلية، فالجامعة إلى جانب دورها العلمي الريادي، لها دور اجتماعي وثقافي واقتصادي عام، فهي ترفع من الشأن الثقافي وتنشط حراكه، وتساهم في النهضة الحضارية للمنطقة بشكل عام».

وعن أحلامه الإنسانية، يضيف قائلاً: «إن الواقع العربي الراهن يشغل بالي، ويثير شجوني، وأكتب بشكل دائم مقالات وبحوث في تحليل هذا والواقع، وأسباب تراجعه، والعقبات التي تزيد من تدهور أوضاعه، فغياب سلطة العقل، وسيطرة المطلقات، والجمود العقائدي، من العقبات الأساسية التي تعيق تقدم المجتمع ولحاقه بركب الحضارة الإنسانية، ولذلك فإن مهمة التنوير ونشر الثقافة العقلانية وروح التسامح، تعد من المهمات الأساسية التي لا بد من العمل عليها، وذلك أضعف الإيمان».