«هو "رمضان بن يحيى بن محمد العثمان"، وهو ينتسب لآل "الرملة" وهم فرع من "العشاريين"، و"كشَّة" لقب لـ"يحيى" والده، أطلقته عليه والدته، وكلمة "كشة" هي كلمة فارسية، وقد ولد كفيفاً، وسبب ولادته كذلك كما روي، أن والدته عندما جاءها المخاض به، كانت وحيدة، فولدته واقفة بعد أن أمسكت بعمود كان بجوارها،

وولد المولود "رمضان" حيث ارتطم وجهه بالأرض فور ولادته، وهذا ما جعله كفيفاً كما قيل، وكان منزله ملاصقاً لباب المسجد "الحميدي" الشمالي، الذي سكن به بعد ذلك كل من مفتي "الرقة"، و"حسن الحويجة"، درس في كُتَّابِ الشيخ "محمد رشيد الخوجة"، وكان يتعلم القرآن الكريم حفظاً لأنه كفيف، وكان يتابع له على القراءة أحد أخوالي المدعو "عبد الله الحاتم"، حيث حفظ نصف القرآن في ستة أشهر، لكن أُغلق عليه في النصف الثاني، حيث قال أهل "الرقة" بأنه أصيب بالعين لشدة ذكائه، فحفظ النصف الثاني في سنة ونصف، وبذلك يكون قد حفظ القرآن الكريم وعمره تسع سنوات».

مرض في ستينيات القرن الماضي، عندما استوزر الدكتور "عبد السلام العجيلي"، في فترة الانفصال، فزار "العجيلي" "الرقة"، فأذنَّ الشيخ بعد صلاة الظهر، وخلال مروره أمام "أوضة الحسون"، سقط فحمله الناس لبيته وبقي شهراً في الفراش، لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم إلا لماماً، ولا يتناول الدواء، فزاره "العجيلي" في بيته، وفي نهاية الشهر صباح يوم الخميس، نطق، حيث قال لولده "إبراهيم" قائلاً: روحي تناجيني وتقول الجسم تخ/ فقال له الولد: أمعقول أن الروح تتكلم؟! فأجابه: نعم!! والله ألهمني ونظمت هذه القصيدة، فطلب من ولده أن يأخذه لصلاة العشاء، ليمجَّد ليلة الجمعة، فقال منتشياً حباً بالله، بصوت رخيم: يا صاحب المعجزات الباهرات/ ألا تعينني بنظرة أبلغ بها الأملَ

هكذا يقدم الباحث "حمصي فرحان الحمادة" لموقع eRaqqa الشيخ الحافظ "رمضان الكشة"، عميد شعراء "الرقة"، وأقدم مؤذني جامعها، عندما التقينا به في تاريخ (24/1/2009)م، حيث يتابع لنا حديثه قائلاً: «نجد في مقدمة ديوانه نبذة عن حياته، حيث ولد في عام /1889/م، في "الرقة"، حسب بطاقة الأحوال الشخصية لدولة "حلب"، رغب والده بإرساله إلى "الأزهر" الشريف، ولكن حالت سنة /1917/م، التي دعيت بسنة الحمَّى، الوالد من إرسال ابنه للدراسة في الأزهر، فعين مؤذناً للجامع الكبير في تلك السنة، وفيها أيضاً توفي والده، فخصص راتبه لإعالة أسرة والده المكونة من ثلاث زوجات، وثلاث بنات، وأخ، كان يعرف أوقات الصلاة من خلال ساعة تم إزالة البلور عنها ووضعوا له نقاطاً من "المانيكور"، على مواضع الساعات والدقائق، وكان لديه ثلاث ساعات، ماركاتها "ساركاسوف"، "لونجين"، و"زينيت"، ويقال أن المفتي "الخوجة"، كان عندما يذكره بموعد الصلاة يتحسس ساعته فيقول له يا مفتي بقي كذا دقيقة، وذلك لشدة تثبته بالوقت، إذ كان يتقيد كثيراً بالساعة، وكان صوته عندما يرفع الآذان جهورياً ندياً، وفي شهر رمضان الكريم كان يجمع الأولاد والطلاب في الجامع، فيختار ذوي الأصوات الجميلة، حيث يصعدون إلى المئذنة ويمجِّدون توديعاً لرمضان، وكان هو يمجِّد طوال بقية السنة بقصائد دينية، ودعاءٍ، وتضرع وغير ذلك، وتقاعد عام /1965/م، براتب /50/ل.س، ويذكر البعض أنه لشدة ذكائه كان يعرف كل بيوت "الرقة"، فعندما كان الأولاد يلعبون لعبة قديمةً تسمى "الضايع"، فيوصلهم عندما تغيب الشمس لبيوتهم، وحيكت حوله روايات شعبية كثيرة أقرب إلى لأسطورة منها للواقع، كتعليمه الشعر للجنَّ، له العديد من الألقاب منها "أبو العلاء الرقي"، لجودة شعره، ولقب بشاعر البيضاء، نسبة للرقة البيضاء، وسمي بالحافظ لحفظه كتاب الله، وأطلق عليه أهل "الرقة" كلمة "الهامَّة"، لشدة ذكائه، وهي دابة أسطورية تحاك حولها الكثير من الروايات الخيالية، وكان حافظاً لأنساب العرب، ولشدة ذكائه كان يعرف الناس من أصواتهم، ومن لمس أياديهم عندما يصافحهم، فلقد أزال الله عنه نعمة البصر، ولكنه وهبه ملكات أخرى، نطق الشعر كما يقول ولده "إبراهيم" وعمره سبع سنوات، وكان يعتبر نفسه الشاعر الأول في "الرقة"، وأغلب شعره كان دينياً، تدرب على يديه الشاعر "مصطفى العبد الله الطه"، "فيصل البليبل"، الدكتور "عبد السلام العجيلي"، "مصطفى الحسون"، وكان هؤلاء عندما يختلفون يرجعون له للرأي والمشورة حيث يكون لديه فصل الكلام، له مساجلات طريفة بينه وبين "حمدي العلوش"، أحد شعراء الرقة الشعبيين»,

الدكتور العجيلي أمام صورة شيخه ومعلمه الكشة

ويتابع ضيفنا حديثه عن ملكاته الشعرية قائلاً: «من مساجلاته التي دارت بينه وبين "حمدي العلوش" نذكر قول الأخير: إن رمت أن تلقاني يا متواني/ لا تاكل باذنجان وفاصوليا

فرد عليه "الكشه": تالله إنك شاعر/ جداً ماهر/ من سادات أكابر حسينية

الباحث الحمادة.

وجرت بينه وبين "عساف الجابر" مساجلات شعرية، فعندما رشح السيد "عبيد آغا" للنيابة، كان آل "العجيلي"، ضده بسبب ترشيح "وهبي العلوش العجيلي"، و"عساف" يعتبر "البجري" من أخواله فقال مؤيداً "عبيد آغا":

لا تحسبنا من الحضران/ دليم وطي وكردان/ يا بن أختي يا رمضان/ خالاتك بيك يوصنَّا

الكشة وصورة قديمة وهو أصغر سناً.

فرد عليه "رمضان "الكشة" بالقول: يا بن شعاع احنا اليدحمنا/ نطحن راسو طحن الحنَة/ من دور الدور الحكم النا/ إرثاً عن طه المكنى/ واحنا رخوين المحازم/ ننداسينا نقضي اللازم/ قبلك طيرنا أبو حازم/ والجتلة والقايد منا/، حيث "أبو حازم" هو القائم مقام آنذاك، وهناك قصة طريفة تروى أنه في أيام زمان وخوفاً من الدولة، لاستيلائها على الحنطة، يخبأه الأهالي في مكان يدعى "الجفر"، حيث تأتي الدولة التي لم يخف عليها الأمر، بسيخ من معدن حيث يغرز بالأرض لكشف وجود الحنطة، وكل وحظه، فكان لدى أم الشيخ "رمضان" جفراً، حيث سرقه أحدهم، وباعه للدرك علفاً للحيوانات، فهجاه "عساف" بقوله:

وان هلهلتي يا حبابة عاللوذة الغربي الدبابة/ مرزوق يقش بترابا/ ويقول نبيعو للعسكر

فجاء السارق لائذاً بالشيخ أن يستر عليه ويرد على "عساف الجابر"، فرد عليه الشيخ قائلاً:

وان هلهلتي يا أم الخصرِ/ للمسواك وطول الشبرِ/ خلو خالي يبطل الشعرِ/ ترى يصير الحرب الأكبر

فرد عليه "عساف":

ليش تسبني وآني خالك/ لا شفت خيرك وفعالك/ جاك مرزوق اشتكالك/ قص البدلة ما باغ النقر

فرد الشيخ:

ليش تسبني وآني ابن أختك/ ليش تزعل وآني نصحتك/ إن كان هذي مزعلتك/ جرد سيفك لا تتأخر، وسكتوا وتركوا ذاك الأمر، وكان الشيخ حاد اللفظ في الهجاء، ولا يجامل وحول ذلك قصص كثيرة، كقصة من كتب به ليزيحه عن الآذان».

أما مرضه الذي توافق مع استلام الدكتور "العجيلي" لوزارة الإعلام، فيحدثنا "الحمادة" عنه بالقول: «مرض في ستينيات القرن الماضي، عندما استوزر الدكتور "عبد السلام العجيلي"، في فترة الانفصال، فزار "العجيلي" "الرقة"، فأذنَّ الشيخ بعد صلاة الظهر، وخلال مروره أمام "أوضة الحسون"، سقط فحمله الناس لبيته وبقي شهراً في الفراش، لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم إلا لماماً، ولا يتناول الدواء، فزاره "العجيلي" في بيته، وفي نهاية الشهر صباح يوم الخميس، نطق، حيث قال لولده "إبراهيم" قائلاً: روحي تناجيني وتقول الجسم تخ/ فقال له الولد: أمعقول أن الروح تتكلم؟! فأجابه:

نعم!! والله ألهمني ونظمت هذه القصيدة، فطلب من ولده أن يأخذه لصلاة العشاء، ليمجَّد ليلة الجمعة، فقال منتشياً حباً بالله، بصوت رخيم: يا صاحب المعجزات الباهرات/ ألا تعينني بنظرة أبلغ بها الأملَ».

وعن سبب بناء الجامع "الحميدي" الذي كان "الكشَّة" مؤذناً له، ووجود رواية ثانية لبنائه، يقول "الحمادة": «الرواية الأولى تذكر المفتي "عبد الرحمن الحجار" ووالد الشيخ "أحمد الحاج عبد الله الموصللي"، وكان أول مسجد بني في "الرقة" في شارع "القوتلي"، مكان مديرية الأوقاف، حيث بناه آل "العجيلي"، فحين ضاق بالمصلين بُدء ببناء الجامع "الحميدي"، حيث ذهب "الحجار" و"الموصللي"، إلى "استنبول"، وطلبا من السلطان بناء جامع لأهل "الرقة"، وأمر السلطان "عبد الحميد"، والي "حلب" ببنائه، وكان ذلك في عام /1310/هـ، أما الرواية الثانية فتقول بأن والد الشيخ "رمضان الكشة"، ذهب مع ابن عمه "حمود الرفاعي"، بتجارة خيل إلى تركيا حيث اختار والد الشيخ حصاناً فأهداه للسلطان الذي ردَّ بهدية عينية، فرفضوها بأدب، وطلبوا منه بدلاً عنها بناء مسجد في "الرقة"، وتبرع السلطان لبنائه من ماله الخاص، وتبرع بأرضه والد الشيخ "رمضان"، حيث كانوا يملكون الأرض من عند الجامع حتى بيت المفتي، عبارة "الزيات" حالياً، وكان من قام بالبناء حسب رواية الثقاة، عمال من "دير الزور"، وكان المشرف على البناء السيد "خلف الحسون"، كونه أول رئيس بلدية في تلك الفترة، حيث أُعطي /5000/ليرة ذهب، وأحضر العمال وكان كبيرهم يدعى "درار"، وأنفق عليه كل المبلغ وزاد منه /500/ ليرة ذهب فأعادها لوالي "حلب" تعففاً، حيث أكرمه بإعطائه /50/ ليرة ذهب فبنى فيها أوضة "الحسون"، في نفس سنة بناء الجامع "الحميدي"، التي تعتبر ثالث أوضة في "الرقة"، فأول أوضة تم بنائها في "الرقة"، هي أوضة "حاج علي الفرج الشعيب"، ثم "العجيلي"، ثم "الحسون"».

وعن طرائف أعماله وأفعاله، ومراسلاته الهامة التي تبين علو كعبه، وبعض أشعاره، يقول "الحمادة": «كانت لديه مكتبة عامرة، وكان إذا جاءه أحد للاستعارة يقول له شعراً:

ألا يا مستعير الكتاب دعني فإن إعارة المحبوب عارُ

فمحبوبي من الدنيـا كتابي فهل أبصرت محبوباً يعارُ

وكان له مراسلات مع كل من الرئيس "جمال عبد الناصر"، والملك "غازي"، ومن رسائل "جمال عبد الناصر له نذكر: (السيد رمضان الكشة، تحية طيبة وبعد، أشكر لك تحيتك الرقيقة ووطنيتك الخالصة التي أعربت عنها في قصيدتك الصادقة الأحاسيس، وفقنا الله جميعاً وسدد خطانا، والله أكبر والعزة للعرب، القاهرة في (25/5/1958) رئيس الجمهورية "جمال عبد الناصر")، ومن رسائل الديوان الملكي للملك "غازي" نذكر: (البلاط الملكي في بغداد (13/شباط/1934)، الرقم ط/150، حضرة الفاضل الحافظ رمضان المحترم ـ الرقة، بأمر مولاي صاحب حضرة الجلالة الملك المعظم، أشكر لكم شعوركم الطيب بتهنئتكم الرقيقة بمناسبة قران جلالته الميمون، متمنياً لكم العزَّ والسلام، سكرتير صاحب الجلالة الخاص).

وكرم من من قبل متحف "طه الطه" في (7/7/2005)م، حيث ألقيت محاضرة في ذلك التكريم، وهو ثالث مؤذن في "الرقة"، بعد جدِّ الدكتور "العجيلي"، ثم الحافظ "ابراهيم"، له ديوان مخطوط باسم "زهرة البستان للحافظ رمضان"، جمع أشعاره فيه، ومن مدائحه النبوية قوله:

يـا أيـها المبـعوث بالبـشرِ عطفاً على المفتون يا بدرِ

من للمعنَّى في الهوى العذري في حبِّ ربِّ النُهى والأمرِ

وله في المولية الفراتية:

يا ناهي لا تعذب الروح خَلّها/ عساها تموت بعد فراق خِلها/ جسّ الحكيم ايدي وقلت خَلها/ الألم وسط الكبد ما هو بديَّا/

وله في الحكمة قوله:

فإن الرمز يفهمه لبيب ومن أين اللبابة للبليد

وله تشطير، وتخميس، وأتقن فن الرثاء، كتب الشعر للأطفال وله مدائح في التابعي "أويس القرني"، إذ يقول:

يا أويس ما هذا الجفا والصدِّ لأجلك أتيت بشوق جئت بضدِّ

وله مدائح في آل البيت منها:

توازينا وبنينا للفزع راية لدور البلد ما حَّد وصف دوايا».

ويختتم "الحمادة" حديثه عن الحافظ الشيخ "رمضان الكشَّة" فيقول: «من أفضل ما نختتم به شهادة تلميذه "محمد شريف العجيلي" الذي أثنى عليه، فيقول: (تلقيت العلم الشرعي من فقه ومنطق وحديث وبيان وإظهار وإعلام على يد الشيخ "الكشة"، وتفسير القرآن الكريم، وكان يجيد اللغات الفارسية والأرمنية والتركية والعربية الفصحى يجيد المدح وضرب الدَّف، كما قيل بأنه يجيد جمع الجن وصرفها، على حسب أقوال أهل "الرقة"، آنذاك، وتلقى علومه على يد "محمد رشيد الخوجة"، وكان حليماً بعيد البصيرة ذكياً).

ويذكر أن الشيخ "رمضان الكشة"، توفي في عام /1977/م، ليلة الوقوف بـ"عرفة"، وكانت وضعية وفاته هي وضعية المدفون في قبره، وحيكت حول ذلك الروايات الأسطورية، التي يتناقلها أهل "الرقة" حتى الآن.