«درَّس ثلاثة أجيال أثناء استلامه مدرسة "الرشيد"، الوالد، والولد، والحفيد، وحين نهاية خدمته ألقى كلمة أرسلها لبعض تلامذته وأصدقائه ومنهم الأستاذ "فيصل البليبل"، ومن كلمته أذكر قوله: (أما أنا فأحب العلم، وأحب المعرفة، وأحب الطبيعة، وأحب الرياضة، وأحب الحياة، وأحب الأزهار، وأحب.. وأحبُّ، إلى أن يصل لآخر قوله وأحبُّ الله وأخشاه)، وعندما استلم كلمته الأستاذ "فيصل" وكأني به سأله بضمير الغائب أتحب هذه الأشياء حقاً؟؟! ثم أجابه شعراً:

أما أنا فأحبُّ نفسي، وأحب ميلي للرجال، وللنساءِ أحبُّ "مكسي"

مسرحية "معركة ذي قار"، قمنا بعرضها في مدينة "حلب"، حضرها كل من "ابراهيم هنانو"، و"عمر أبو ريشة"، كما حضرها حشد كبير من الناس، وحدثت مشكلة أثناء عرض المسرحية، فلقد كان أحد المواقف يتطلب سحب السيف، ولم يكن من أوكل إليه ذاك الدور يجيد سحب السيف، فجرح نفسه، فأغلقت الستارة، وقام الشاعر "أبو ريشة" بالصعود إلى خلف الكواليس، ولبس لباس ذاك الممثل وامتشق السيف وتمت متابعة العرض وسط تصفيق الجمهور

وأحـبُّ لــو عـادت إلـيـنـا حـرب ذبـيـانٍ وعـبس

الأستاذ غسان الصطاف

وأحـبُّ لـو جـفَّ الـفرات ليـشـرب الفــلاح "ببـسي"

وأحـبُّ عـهـد الـبـرلمان وإلى الجـلاء تحـنُّ نـفـسي

الأستاذ عبد الفتاح بشبابه ـ من أرشيف الأستاذ غسان الصطاف

وينهيها بقوله:

مع العجيلي ـ من أرشيف الأستاذ غسان الصطاف

وأحـبُّ أن يـلقـى علـى "عـبد الـسـلام" بـبعض تَعسي

فقال الدكتور "العجيلي" رحمه الله مداعباً: (والله لأعذبنه عند مجيئه)، وأهدى الشاعر "البليبل"، الأستاذ "عبد الفتاح" بعد هذه المداعبة قصيدة شهيرة من ديوانه "إني معلم" بدأها برسالة قال فيها: (معلم "الرقة" الأول، الأستاذ "عبد الفتاح الصطَّاف"، لقد انتهى الفصل الأول من الرواية...، وما زالت هناك فصول، ولقد أديت واجبك المقدس في الفصل الأول أجمل الأداء وأروعه، ولا أحسبك إلا مؤدياً الواجب المقدس في الفصول التالية، أشدَّ ما يكون الأداء جمالاً وروعة، لن تقعد ولن تتقاعد يا أستاذنا الكريم، فما زال أمامك نصف قرن آخر تنشر فيه الدرر على حسناء "الرشيد"، مدينة "الرقة")».

أما القصيدة فهي تحمل اسم "وسام لمعلم "الرقة" الأول"، واسطة العقد من ديوانه، "إني معلم"، ومنها نقتطف هذه الأبيات:

أنت الفتى، كـيف الفتى يتقاعد فلتهبط الستون إنك صـاعد

بعض الرجال الأربعون تهدهم وتظل تسخر بالدهور فراقد

الفتـح أنت يا فتـاح الـهدى فلتشـهد الـدنيا فإني شاهد

أهـدي إليـك قلادة عـربية وبديع شعري للنـجوم قلائد

أثنـي عليـك مربـياً ومعلماً قرأ الـوليد أمـامه والوالد

الشمس يجحد نورها وضياءها ذاك الغمام وما لنورك جاحد

قـم للمعلم قالها "شوقـي" وقد نطق الفخار فقال إني ساجد

يا فرقداً في الرقتين به اهتدى زحف له فوق الخلود قواعد

رغم التقاعد سوف تبقى قائماً إنَّ النجوم الـزهر لا تتقاعد».

هكذا يبدأ الأستاذ "غسان الصطاف"، حديثه عن الأستاذ "عبد الفتاح الصطاف"، لموقع eRaqqa الذي التقاه في منزله بتاريخ (25/1/2009)م، ويتابع الأستاذ "غسان الصطاف" حديثه عن شخصية ضيفنا "الصطاف"، بالقول: «هو "عبد الفتاح إبراهيم الصطَّاف" من آل "رمضان آغا"، ولد في مدينة "الرقة"، في عام /1915/م، من أسرة معروفة بالعلم والثقافة، درس المرحلة الابتدائية في "الرقة"، في مدرسة "الرشيد"، التي خلفت المدرسة "الرشدية"، ثم تابع دراسته في مدرسة "اللاييك" الفرنسية في "حلب"، وعاد إلى "الرقة" ليعمل في حقل التعليم منذ عام /1939/م، كمدرس للغة الفرنسية، تولى إدارة مدرسة "الرشيد" الأولى، في "الرقة"، التي سميت فيما بعد بمدرسة "بلقيس" للإناث في خمسينيات القرن الماضي».

أما الباحث "علي السويحة"، فيساهم في تقديم هذه الشخصية بالقول: «عبر رحلته التعليمية الطويلة تخرجت على يديه أغلب الكوادر المثقفة في مدينة "الرقة"، وكان بحق أستاذاً لهم، وهو أول مدير مدرسة من أهل "الرقة"، فلقد أهلته شخصيته العلمية، المبنية على حب العلم، أن يمارس الإدارة والتربية لفترة طويلة من الزمان، وكانت تربطه بالدكتور "عبد السلام العجيلي" رحمه الله صداقة عميقة، إذ كان الأستاذ "عبد الفتاح الصطاف" ذوَّاقةً للشعر العربي، عاشقاً لروايته، ويهوى العزف على آلة العود، حيث كان شديد العشق لكل ما هو شرقي أصيل، وكان لديه ميل واضح للتمثيل والمسرح، إذ أنه أخرج مجموعة من المسرحيات للدكتور "عبد السلام العجيلي"، كان قد كتبها "العجيلي"، وهو طالب في مدرسة "التجهيز الأولى" في مدينة "حلب"، نذكر منها ، "الرشيد في بلاد الروم"، "هارون" و"زبيدة"».

بينما يتحدث الأستاذ "غسان الصطاف" عن حادثة طريفة رواها له الأستاذ "عبد الفتاح الصطاف"، عن موقف حصل أثناء عرض مسرحية "ذي قار"، التي أخرجها بنفسه في مدينة "حلب"، فيقول: «مسرحية "معركة ذي قار"، قمنا بعرضها في مدينة "حلب"، حضرها كل من "ابراهيم هنانو"، و"عمر أبو ريشة"، كما حضرها حشد كبير من الناس، وحدثت مشكلة أثناء عرض المسرحية، فلقد كان أحد المواقف يتطلب سحب السيف، ولم يكن من أوكل إليه ذاك الدور يجيد سحب السيف، فجرح نفسه، فأغلقت الستارة، وقام الشاعر "أبو ريشة" بالصعود إلى خلف الكواليس، ولبس لباس ذاك الممثل وامتشق السيف وتمت متابعة العرض وسط تصفيق الجمهور».

وعن أهم سمة في شخصية "الصطاف"، يعاودنا "السويحة" بالقول: «كان عشق التعليم، هي الصفة الأكثر بروزاً في شخصية "الصطاف"، إذ ترك بصمة لا تنسى في هذا الباب، يعرفها كل من تخرج على يديه، وكان رحمه الله صاحب مواقف قومية مشهودة، إذ أنه وقبيل الاستقلال كان يدرب تلاميذ مدرسته على الأناشيد الحماسية التي تتغنى بالجلاء، كما كان يدربهم على رفع العلم السوري، حيث اصطحبهم بعد جلاء الفرنسيين إلى ثكنتهم العسكرية المعروفة عند أهل "الرقة" باسم "القشلة"، وقام بإنزال العلم الفرنسي، ورفع بدلاً منه العلم السوري، يضاف لذلك عن شخصيته، أنه كان صاحب حضور في إلقاء الكلمات الخطابية في كافة المناسبات، القومية والاجتماعية، ومنها كلمته الشهيرة في تأبين المرحوم الشيخ "محمد الهويدي" شيخ عشيرة العفادلة، من كبرى عشائر المنطقة، الذي توفي في موقع قريب من "الرقة"، يدعى جسر "شنينة"، حيث حضر التأبين جمع من رجالات الدولة، وشيوخ عشائر المنطقة، نظراً لثقل الرجل العشائري، ومكانته الاجتماعية».

ويذكر أنّ الأستاذ "عبد الفتاح الصطاف"، انتقل إلى رحمته تعالى في يوم السبت الواقع في (13/12/1997)م، وخرجت جماهير مدينة "الرقة" في تشييعه، وبفقده فقدت "الرقة" علماً من أعلام التربية والتعليم، كان له الفضل الكبير في تثبيت ركائز العلم والمعرفة فيها.