«عندما ودعني أخي وشقيقي الأديب الدكتور "عبد السلام العجيلي" رحمه الله، على درج عيادته قائلاً لي: (ارجع فالبلد كلها بانتظارك)، عندها أحسست أن العالم كلّه ملك يميني، وبأنني كبير بقدر الثقة التي منحني إياها شقيقي ومثلي الأعلى، حاملاً وصاياه في حلِّ وترحالي».

هكذا يبدأ أول مهندس في "الرقة" الأستاذ "عبد العظيم العجيلي" حديثه لموقع eRaqqa الذي التقاه بتاريخ (15/1/2009) في مكتبه الذي يقع في حي "الثكنة" في "الرقة"، وينقل لنا في تضاعيف هذا المقال، نبذة عن حياته، ودراسته، وعلاقته بشقيقه الدكتور "العجيلي"، وكيف أمضى سنوات الدراسة، ثم العمل في معترك الحياة.

إن منصبك كوزير جعلني أعمل لورديتين، أي أنه لم يجلب لي سوى المتاعب

يقول المهندس "عبد العظيم العجيلي: «ولدت في مدينة "الرقة" عام /1941/، ودرست الابتدائية في مدارسها، وفي عام /1952/ انتقلت إلى مدينة "حلب"، حيث درست في المرحلة الثانوية في ثانوية "المأمون" (التجهيز الأولى )، وفي عام /1959/ حصلت على الثانوية العامة الفرع العلمي، وكانت نقطة الانطلاقة الأولى في الحياة».

دار الأسد للثقافة في الثورة

وعن سبب اختياره دراسة الهندسة دون غيرها من الفروع العلمية، يقول: «كنت منذ صغري أميل إلى الهندسة، ورأيت أن بلدي بحاجة لمهندسين، وكنت على يقين بأن مدينة صغيرة مثل "الرقة" ستكون واعدة مستقبلاً عمرانياً وثقافياً واجتماعياً، أضف إلى ذلك أن والدي كان مهتم بأعمال البناء، وكنت أمتلك رغبة بدراسة الهندسة عموماً، والعمارة حصراً دون غيرها، خصوصاً أن موهبة فنية بالرسم تجلت لدي أثناء دراستي الثانوية».

ثم يضيف "العجيلي": «ذهبت إلى الجامعة الأمريكية في "بيروت" ودرست فيها لمدة سنتين، حيث حصلت على درجاتٍ عالية أهلتني لإتمام دراستي في أمريكا، حيث استقر بي المقام في مدينة "كولومبوس" في ولاية "أوهايو"، وتقع هذه المدينة في الشمال على البحيرات الكبرى، حيث يقع مركز الصناعات الأمريكية، وأثناء فترة دراستي هناك كنت من الطلبة العرب الناشطين، حيث كنت وقتها نائباً لرئيس اتحاد الطلبة العرب، وفي عام /1967/ حصلت على شهادة "البكالوريوس" بالعمارة، ولم أكتفِ عند هذا الحد من التحصيل العلمي، بل تابعت دراساتي العليا، واجتهدت حتى حصلت على درجة "الماجستير" في تنظيم المدن بعد عام واحد فقط، أي في عام /1968/».

أحد تصاميم العجيلي

ويضيف "العجيلي" قائلاً: «كانت تصورات الأمريكيين تفوق الواقع، وتسابق الزمن، فلقد كانت أطروحة "الماجستير" التي تقدمت بها تدور حول تطوير مدينة، ومراكز اتصالات لعام /2000/، وكان ذلك قبل ثلاثة عقودٍ ونيف..!».

وعن ذكريات تلك الأيام يقول "العجيلي": «بعد وفاة والدي تولى شقيقي الدكتور "عبد السلام العجيلي" الأخ الأكبر لنا شؤون الأسرة، وأذكر من تلك الأيام أنه في يوم راسلت الدكتور "عبد السلام" من أجل أن يبعث لي مصاريف الجامعة وأقساطها، وتأخر رده على مكاتبتي له، ولدى إعلامي له مرة ثانية أن أقساط الجامعة قد حان موعد تسديدها أخبرني أنه قد أغلق عيادته في مدينة "الرقة" وقد أصبح وزيراً للإعلام، ولدى إلحاحي عليه بإرسال المصاريف، كتب إلي مرة أخرى، وأخبرني أنه ينوي ترك الوزارة والعودة إلى الرقة، انشغال الدكتور "عبد السلام" بعمله كوزير، وتأخر أقساط الجامعة اضطرني لبيع سيارتي».

العجيلي في مكتبه

ثم يضيف "العجيلي" ضاحكاً وكثيراً ما كنت أمازحه (أي الدكتور "عبد السلام" رحمه الله) وأقول له: «إن منصبك كوزير جعلني أعمل لورديتين، أي أنه لم يجلب لي سوى المتاعب».

وعن زملاء دراسته، وأين أصبحوا بعد تخرجهم، قال "العجيلي": «درس معي العديد من الطلاب العرب الذين استلموا أماكن حساسة، وحملوا على أكتافهم مسؤوليات جسام يحضر البعض منهم في ذاكرتي ويغيب عنها عدد منهم بسبب تباعد السنون، وانشغالي بالعمل وأذكر منهم: الدكتور "عدنان نجار"، وهو حالياً أستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة "دمشق"، والدكتور "معن العبيدي" وهو من "العراق" والذي أصبح رئيساً لغرفة التجارة العربية الأمريكية بولاية "تكساس" الأمريكية، و"وليام خوري" وهو فلسطيني مقيم بأمريكا ورئيس تحرير جريدة، والدكتور "صبّاح الحاج" من لبنان، وهو مدير مصارف في "باريس"، ووالده كان وزيراً للزراعة في لبنان، والدكتور "تحسين بشير" من مصر والذي كان مستشاراً للرئيس المصري "أنور السادات"».

وعن عمله ضمن مجال تخصصه في "أمريكا" قال: «بعد انتهاء تخرجي عملت في نفس المدينة التي درست بها، في مكتب هندسي له العديد من الفروع خارج أمريكا، ويقوم بوضع تصاميم المستشفيات والفنادق والمراكز الصحية، ثم انتقلت إلى مدينة "تورنتو" بكندا للعمل في أحد فروع المكتب الرئيسي».

أما عن ظروف عودته إلى مدينته "الرقة" فيقول: «كان هاجس العودة إلى بلدي يسيطر علي، وعندما مرضت والدتي قررت الرجوع، وبعد عودتي مباشرة دُعيت لتأدية خدمة العلم، والتي بقيت فيها لمدة أكثر من ثلاث سنوات، ترافق ذلك مع حرب "تشرين" التحريرية، وكنت من الذين شاركوا فيها، وهذه الفترة أعادتني إلى واقع بلدي، ومعاناته بقسوتها وتحولاتها الكبرى، وبعد عام /1973/عملت في "الرقة"، وفي هذه الأثناء تم تأسيس نقابة المهندسين السوريين، وكنت من المؤسسين، وانتخبت عضواً في فرع "الرقة"، وكذلك في المؤتمر العام، وبقيت حتى عام /1990/، وأيضاً كنت عضواً لمجلس مدينة "الرقة" منذ عام /1974/ حتى عام /1990/، وفي هذه الأثناء افتتحت مكتباً هندسياً في مدينة "الرقة"، وفي فترة الثمانينيات نشطت "الرقة" عمرانياً، فلقد كانت هذه المرحلة مرحلة تحول كبير تنموياً».

ثم يضيف "العجيلي" مفتخراً: «ساهمت في نشاطات المحافظة، وشاركت بمؤتمرات عدة على مستوى القطر ضمن مجال تخصصي، وأخذت مبادرات لم تكن موجودة ومنها التخطيط الإقليمي، خصوصية المنطقة الشرقية، قضايا العمران في المناطق التي تم غمرها بعد إنشاء السد، التنمية السياحية، الحفاظ على التراث والانطلاق منه نحو المستقبل، ومثال على ذلك حصول "الرقة" على جائزة المدن العربية في "الدوحة" عاصمة دولة قطر في شباط عام /1986/، في الحفاظ على التراث المعماري، حيث قمت خلال سبعة أشهر بإعداد مشروع أعمال الحفاظ على التراث المعماري، وكان النموذج المقدم مشروع ترميم سور "الرافقة" الأثري، ومازلت إلى الآن أساهم في العديد من الفعاليات العلمية، وكان آخرها مساهمتي في مؤتمر المجلس الأعلى للعلوم، والذي انعقد في "دير الزور" من تاريخ (11- 15 تشرين الأول 2008)، حيث ألقيت بحثاً بعنوان (المسألة العمرانية وآفاق التنمية)».

وعن أهم المعالم والأبنية التي صممها في مدينة "الرقة" يقول "العجيلي": «صممت العديد من المباني داخل محافظة "الرقة"، ومنها: مبنى دار الأسد للثقافة في "الثورة"، بناء نقابة المهندسين ب"الرقة"، مبنى اتحاد العمال، مبنى مديرية المالية، جامعة "الاتحاد" الخاصة، بناء الهلال الأحمر، مبنى ذوي الاحتياجات الخاصة، معمل السكر، إضافة لإشرافي على العديد من مشاريع البناء».

ومما يذكر أيضاً أن المهندس "عبد العظيم العجيلي" عضو في اللجنة الإقليمية في محافظة "الرقة"، وعضو في لجنة تنمية المنطقة الشرقية، وله العديد من الدراسات والمقالات العلمية، وقد نشرت في العديد من الصحف والدوريات العربية، وهو متزوج وله ثلاث بنات أكبرهن الأديبة والناقدة المعروفة الدكتورة "شهلا العجيلي"، و"رزان" و"مزنة".