«كان الأستاذ "إسماعيل الحمود"، ذو ثقافة موسوعية، ومعرفة كبيرة بالمسرح، حيث ألف مسرحية "المهداوي"، عندما حكم "عبد الكريم القاسم" العراق، ونكل بالقوميين، وعين "فاضل عباس المهداوي" رئيساً لهذه المحكمة المهزلة، فقام بإخراج تلك المسرحية، وانتقى ممثليها من أبناء محافظة "الرقة"، ممن تتوفر فيهم الكفاءة، وأذكر منهم الفنان "حمود الصطاف"، و"محسن ذويب"، "أحمد مختار غالب"، "رشيد رمضان"، وغيرهم، حيث نجح ذاك العمل ونال إعجاب من حضره».

هكذا يبدأ الأستاذ "غسان الصطاف"، حديثه لموقع eRaqqa بتاريخ (5/12/2008)، عن جانب من جوانب شخصية الأستاذ "إسماعيل الحمود"، ويتابع حديثه لنا قائلاً: «كان بهي الطلعة مهاباً، يمتاز بحبه لأصدقائه، ويتفقدهم باستمرار، وكان شاعراً يملك أدواته جيداً، ويستطيع توظيفها بما يناسب الموقف، ولي معه في ذلك قصة طريفة، ففي إحدى المناسبات الاجتماعية لدي، بعث لي برسالة طويلة أقتطف منها قوله:

في عام /1954/م، كنا طلاباً في الثانوية الأهلية الأولى بـ"الرقة"، وكانت الحصة الأولى في العام الدراسي، حيث دخل علينا الصف، الأستاذ المرحوم "عبد الجليل الحمود"، مدير المدرسة، فقدم لنا الأستاذ "إسماعيل الحمود"، كمدرس لمادة اللغة العربية، ومن يومها بدأت تتوثق أواصر المعرفة بيننا كطلاب محبين للعربية، وبين هذا المعلم العاشق لها والمتمكن منها، ونظراً لتأثير شخصيته القوية فينا، تحولت حصص اللغة العربية إلى أمتع الحصص الدراسية لدينا

أهـدي إليك تـحيتي مـثنىً، ثـلاثاً، وربـاع

أثناء إحدى المناسبات القومية

وأروم منك تماسكاً، وأن تكـون طـويل بـاع

إذ نحن في فلكٍ نـريد الشطَّ، والصـبر شـراع

"اسماعيل الحمود" في صغره

ولـقد يطول الـفراق، لـكي يـلـذ الاجـتماع

ما كنت تـعرف ما الشفا، لولا سقامك والصداع».

أبناء "الحمود" في حديث للموقع

أما الباحث "علي السويحة"، فإنه يحدثنا عن ذكرى اللقاء الأول، مع أستاذه "إسماعيل الحمود"، فيقول: «في عام /1954/م، كنا طلاباً في الثانوية الأهلية الأولى بـ"الرقة"، وكانت الحصة الأولى في العام الدراسي، حيث دخل علينا الصف، الأستاذ المرحوم "عبد الجليل الحمود"، مدير المدرسة، فقدم لنا الأستاذ "إسماعيل الحمود"، كمدرس لمادة اللغة العربية، ومن يومها بدأت تتوثق أواصر المعرفة بيننا كطلاب محبين للعربية، وبين هذا المعلم العاشق لها والمتمكن منها، ونظراً لتأثير شخصيته القوية فينا، تحولت حصص اللغة العربية إلى أمتع الحصص الدراسية لدينا».

وعن اهتمامات أخرى لمعلمه "الحمود"، يقول "السويحة": «لم يكن الأستاذ "الحمود" خلال مرحلة تعلمنا العربية على يديه معلماً فقط، لكنه كان شاعراً وطنياً، ورساماً رسم بريشته الكثير من اللوحات الزيتية، أذكر منها لوحة للشهيد "عدنان المالكي"، حيث تبرع بها لاحقاً بالمزاد العلني لصالح دعم الجيش في أسبوع التسلح، وكان الرسم هاجسه الأكبر منذ أن درسه على يد الفنان الكبير "سامي برهان"، الذي طلب بزيارته الأولى لـ"الرقة"، بعد أن كان قد غادرها، أن يرى طالبه المجد "إسماعيل الحمود"، وكان شفاه الله شديد التعلق بمهنة التعليم، حيث حدثني الأستاذ "عادل كعكه جي"، بأن "الحمود" كان من المتفوقين في المرحلة الثانوية التي درسها بـ"حلب"، ورغم حصوله على علامات عالية، آثر أن يلتحق بدار المعلمين، وعند تخرجه منها، قرر أن يدرس الثانوية مرةً أخرى، فحصل على شهادتها، لينتسب لكلية الحقوق بـ"دمشق"، وهو بذلك من أوائل الذين حصلوا على الثانوية العامة، والحقوق، وأهلية التعليم، في "الرقة"، إذا علمنا أن مدارس ما بعد التعليم الابتدائي في "الرقة"، كانت غير معممة، باعتبارها محافظة حدودية، في تلك الفترة».

وعن الجانب الوطني في شخصية "الحمود"، وكيف بدأ بالظهور، يقول "السويحة": «بأوائل خمسينيات القرن الماضي، افتتحت مدرستان خاصتان بالتتالي، حيث درَّس "الحمود" بهما مادتي "اللغة العربية"، و"الرسم"، حتى موعد إقفال المدرستين، وفي عام /1962/م، تم افتتاح ثالث مدرسة خاصة بتاريخ "الرقة"، دعيت باسم إعدادية "خالد بن الوليد" الخاصة، فتولى تدريس اللغة العربية فيها، وكان من ضمن أسباب افتتاح هذه الإعدادية بالإضافة لرسالتها العلمية والقومية، أن تسمح بإعادة من لم تسمح لهم ظروفهم بمتابعة الدراسة، وتزامن نشاطها مع الانفصال البغيض، الذي رضَّ نفوس الوطنيين الأحرار، فصارت هذه الإعدادية متراساً للمقاومة العقائدية ضد النظام الانفصالي الرجعي القائم آنذاك، وتمت في تلك الإعدادية إعادة تنظيم صفوف حزب البعث، فكانت المدرسة أشبه بالشعبة غير المعلنة، فأطلق عليها الانفصاليون اسم المدرسة البعثية، فالمدرسون من أوائل البعثيين في هذه المدينة، نما فكرهم في أوائل خمسينيات القرن الماضي حين درسوا في ثانويات "حلب"، ومعاهدها، كثانوية "المأمون"، أو ثانوية "بني حمدان"، التي أصبحت فيما بعد تعرف باسم معهد "جمال عبد الناصر"، وينسب لها الدور الريادي بنشر الوعي الوطني والقومي في شمال سورية، على أيدي خريجيها من الطلاب، وكان من أساتذة تلك المعاهد والثانويات، "فايز إسماعيل"، و"سليمان العيسى"، و"زكي الأرسوزي"، وعلى أيدي هؤلاء الأفذاذ تتلمذ الأستاذ "إسماعيل الحمود"، فتشرب الفكر القومي نقياً، وحاول بدوره نقله لأبناء مدينته "الرقة"».

ويتابع "السويحة" حديثه عن الجانب القومي والوطني في شخصية "الحمود" قائلاً: «كان لإعدادية "خالد بن الوليد"، التي كان "الحمود" من مدرسيها، شرف انطلاق أول مظاهرة في مدينة "الرقة" ضد جريمة الانفصال، وجرى الصدام بين الطلاب المتظاهرين ومعلميهم من جهة، وبين رجال الشرطة من جهة أخرى، وكان سلاح المتظاهرين الحجارة، واعتقل منهم /11/ متظاهراً، ولحق بهم الأستاذ "إسماعيل الحمود" إلى مكان اعتقالهم في المخفر، حيث المتحف الآن، وطلب من المسؤول أن يطلق سراح المعتقلين لأن حرية الرأي مصانة في القانون، فرفض طلبه، واستنفر "الحمود" أهل "الرقة" وقابلوا المحافظ آنذاك وجرى إطلاق سراح المعتقلين، فبفضل نضال "الحمود"، ورفاقه كان للنضال في محافظة "الرقة" محطات مضيئة، حيث عقد بعد ثورة "آذار" أول مؤتمر انتخابي بين جنبات إعدادية "خالد بن الوليد"، وتشكلت أول قيادة فرع لحزب البعث من معلمي تلك المدرسة، وكان أستاذنا "الحمود" أول أمين فرع للحزب في محافظة "الرقة"، وكان الأستاذ "درويش الذويب"، أول عضو في مجلس قيادة الثورة وهو من معلمي الإعدادية ذاتها، وفيما بعد وبعد قيام الحركة التصحيحية، كان هناك اثنان من تلاميذ المدرسة أعضاءً في قيادة فرع "الرقة" للحزب، وهم الأستاذ "حسين الخمري"، والأستاذ "أحمد العبد الهلال"».

كما التقى موقعنا نجل الأستاذ "إسماعيل الحمود"، الدكتور "المعلى الحمود" الأخصائي في التخدير والإنعاش، فتحدث لنا عن والده فقال: «لن تكون شهادتي مجروحةً بالحديث عن والدي، لأنني أتكلم عنه بموضوعية فالكل يعرفه ممن عاصره، فعند الحديث عنه فنحن بلا شك نتحدث عن حقبة تاريخية مهمة في تاريخ هذه المحافظة، فلقد أدرك والدي مأساة الاستعمار وواجب النضال ضده، وشعر بكل أبعاده، فوفق بالتعبير عن صور البطولة والحرية التي اضطرمت بها جبال الجزائر، وسهول العراق، وأراضي سورية ولبنان، فأعطى مع رفاق نضاله معنى جديداً للحرية، فهنا يقود مظاهرةً بالتنديد بمقتل "المالكي"، وأخرى لمقتل "الشواف" في العراق، وثالثة لدعم ثورة "الأوراس" في الجزائر، ورابعة في ذكرى تأميم القنال في مصر، وخامسة في ذكرى نكبة فلسطين، وأستطيع القول جازماً بأنه أمضي زهرة شبابه وهو يناضل في سبيل أفكاره ومعتقداته، ونحن أبناؤه نشعر بكل الامتنان لما أنشأنا عليه، ونحاول جاهدين أن نرد له الجزء اليسير من فضله علينا بأن نكون ناجحين بعملنا بما فيه خدمة وطننا، وهذا جلُّ ما يسعده».

ويذكر أن الأستاذ "إسماعيل الحمود"، هو من مواليد محافظة "الرقة"، عام /1943/م، والده هو الحاج "أحمد الحمود البليبل"، وعشيرة "البليبل" هي إحدى العشائر الرقية، وكان جده الحاج "مصطفى العبيد"، رئيساً لهذه العشيرة، وهو من وجهاء "الرقة" المعروفين، وقد كان جده من الخمسة الذين كانوا يساعدون القائم مقام على إدارة شؤون القضاء في ذلك الوقت، ذاق مرارة اليتم، ختم القرآن صغيراً، وكان من المتفوقين في كل مراحل دراسته، حيث درس الابتدائية في مدرسة "الرشيد"، والإعدادية في مدرسة التجهيز الثالثة بـ"حلب"، حصل على الثانوية العامة في عام /1954/م، التحق بدار المعلمين وتخرج منها ليمارس مهنة التعليم في إعداديات "الرقة" وثانوياتها، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة "دمشق"، ليتخرج منها محامياً سنة /1958/م، فكان من القلة المتعلمة في محافظة "الرقة" في أوائل خمسينيات القرن الماضي.