«تحس أنك منجذب إليه، وأن التعرف عليه واجب، كله أنس: حديثه، ترحابه، استقباله، ووداعه، سيره، صلاته، له حضور كبير، لا تمل حديثه، ولا تضيق بمجالسته، يفرض عليك احترامه بتواضعه، تنقاد إليه الأسماع رغم بساطته، أنيق في حديثه، وفي مظهره، بقي محتفظاً بذاكرته الوقادة إلى آخر عمره، كُفَّ بصره عام /1997/ م، فصار يستعين بأذنيه لمعرفة محدثه، واحتاج إلى دليل يقوده في ذهابه وإيابه».

بهذه الكلمـات، يقـدم لنا الباحث الأسـتاذ "حمصي فرحان الحمادة"، الشاعر الرقي الراحل "مصطفى العـبد الله الطه"، عـندما الـتقاه مـوقع eRaqqa بتـاريخ (3/11/2008).

أحب الشاعر "الرقة" وأهلها ودفعه هذا الحب للعودة إليها فمن قصيدة له عن "الرقة" قال: سـلام الله يا دار الـرشـيد سلاماً ربَّة الـفخر الـعـتيدِ أجـلُّ رباك عن مدح نـظيم مخافةَ أن أقصر في قصيدي مراتع في حنايا السور مهوى لـغزلان الحمى وحِسانٌ غيدِ وملْ بي للربـوع فبي حـنين يـحركني إلى ناد الـرشيـدِ

ويكـمل "الحمادة" تعريفه بهذا الشـاعر بالقول: «هـو "مصطفى العبد الله العلي الطه الحمد الابراهيم الحمد العلي الحمد الأوس" الملقب "أوسو"، ينتسب لقبيلة الأكراد الرقية، التي يـؤكد الأستاذ "محـمد عبد الحميد الحمد" في كتابه (عشائر "الرقة" والـجزيرة) أنها قبيلة عربـية من "الجبور"، أنـجب من الأولاد خمسة هم: "زهير" الذي توفي في ليبيا عام /1993/م، و"أسامة"، و"حـسان"، و"عـمار"، و"صـهيب"، وله من الـبنات ثلاثاً، افـتتح في "الرقة" منتدىً أدبياً عام/1981/م، حيث كان يلتقي فيـه العديد من الأدبـاء والمهتمين بالشأن الثقافـي، ويعتبر هذا المنتدى أول منتدى أدبي في "الرقة"».

الشاعر " مصطفى العبدالله الطه".

وعن بـداياته الشعرية، يـقول الأديب "إبراهيم الخليل": «كـتب أول قـصيدة فـي عام /1934/ م مـطلعها:

ذكرتك والدموع لها انفـجار ودمعي لا يـقر لـه قـرار

الباحث "حمصي فرحان الحمادة"

ونار الشوق تلهب في فؤادي ومن ذكراك في الأحشاء نار

وكان تقليدياً في شـعره، اجتهد كثيراً في تركيب الصـورة وخلق المعاني، يسـيطر على شـعره الحـس القومي، والاندفاع الوطني والـعاطفة الدينية، وبهذا فقد توزع شـعره بين الـوجدانيات والذاتيات، وكان يـتفاعل مع الأحداث الوطنية والقومية، وخاصة حرب /1948/ م، فـقبل أن تحدث النكبة تفـجر الشاعر حماساً فقال في قصيدة طويلة:

الأديب "ابراهيم الخليل"

هات يـا بلبل واصدح يا هزار نغمة المـجد ولـحن الانتصار

واسجعي ياورق في أيك الحمى هبت الأبـطال أشـبال الـديار

هب مـن كل عـرين قـسور أروع يـحدوه للـموت فـخار

طبعه الـحرب وقـد أرضـعه من لبـاها عبد شمـس ونـزار».

ويكمل الباحث "الحمادة" حديثه لموقعنا عن هذا الشاعر الرقِّي بالقول: «عند قيام الوحدة بين مصر وسورية، تعالت نفسه عظمة وأملاً، فقال في قصيدة بهذه المناسبة:

الفـجرُ أوفى وليل البغيِّ يندحـرُ/ والحـقُّ جلجل فاسمـع أيها القدرُ

صـوت العروبة دوى يوم وحدتها/ فوق المـجرة من أصواتـه أثـرُ

يا وثبـةً من سنا الماضي بها قبس/يسري ومن عزة الماضي بها صورُ

يا قائد الـثورة الكبرى لـوحـدتنا/ مـرنا نـخضْ عادياتِ الهول نأتمرُ

يا طلـعة الحرِّ في سـيناءَ مشرقة/ في جـيشه خالدٌ في شعـبه عـمرُ

وعندما سمع بوفاة الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، رثاه ببيت واحد رأى فيه قصيدةً كاملة إذ قال:

حُمَّ القضاءُ ولما يُجتنى الثمرُ/ الله أكبرَ مـا أقساكَ يـا قدرُ

كتب الكثير من القصائد العاطفية وقد ضاع معظمها، ومن قصيدته "فاتنة" نختار:

عيون تصيد الأُسْدَ وهي نواعس وتروي شغاف القلب وهي ذوابل

وثغر إذا مـا افترَّ بارقُ لـمعه يجـاوبه مزنٌ من الدمـع هاطل

فيا ويح قلبي مـن تقلب طبعه ويا ويح قلبي حـين يشمت عاذل

ولـه في الرثاء قصيدة رثى فيها الدكتور "مهند العجيلي" ابن الأديب الدكتور "عبد السـلام العجيلي"، قرأها الشاعر في مضافة "العجيلي" ومنها:

مصـابٌ حلَّ وانفطرت قلوبُ فـما بالُ المدامـع لا تـذوبُ

أمنَ هول الفـجيعةِ في جمودٍ أم افـتقرت فعـاودها نضوبُ

أبا بـشرٍ سلـمتَ من الرزايا جلالُ القَـدْرِ تـبرزه الخطوب

مصابك بالمهند جـل وقعـاً وخطـباً لا يـترجمه خـطيبُ

ترحَّم واسقِ لحداً صار غمداً ثوى فيـه مـهندنا الـحبيـبُ

ولـه قصيدة في رثـاء المجاهد "سعيد العاص"، وقصيدة أخرى في رثاء زوجته الثانية».

وعن عشقه لمدينته "الرقة" يكمل باحثنا "الحمادة": «أحب الشاعر "الرقة" وأهلها ودفعه هذا الحب للعودة إليها فمن قصيدة له عن "الرقة" قال:

سـلام الله يا دار الـرشـيد سلاماً ربَّة الـفخر الـعـتيدِ

أجـلُّ رباك عن مدح نـظيم مخافةَ أن أقصر في قصيدي

مراتع في حنايا السور مهوى لـغزلان الحمى وحِسانٌ غيدِ

وملْ بي للربـوع فبي حـنين يـحركني إلى ناد الـرشيـدِ».

وعن الـنزعة الدينية في شـعره يحـدثنا "الحمادة" بقوله: «كـان يتفجر شوقاً لزيارة المدينة المنورة، وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والرسوم الدينية التي تحمل ذكريات عطره، فكتب قصـيدته "شـط المزار" في عام /1980/ م حينـما توجه لأداء فريضة الحـج ومنها:

شـطَّ المزار وبات القلب خفَّاقا يصبو إلى عذبات البان مشتاقا

فـما تذكرت جيراناً بـذي سلم إلا تحدَّر سـيل الـدمع دفَّـاقا

يا جيرةَ البانِ رفقاً فالنوى لهبٌ إن دام يدمي جراحَ القلبِ إحراقا

وفـي مدح الـرسول صلى الله عليه وسلم له معارضة لبردة "كعب بن زهير" ابتدأها وحملها فيض مشاعره، إذ يقول فيها:

كـفَّ الملام فإني عنك مشغولُ وفاتني ما لـقلبي عـنه تـحويلُ

فـخلني وشجوني ساهرين فقد بانـت سعادُ فـقلبي اليومَ متبولُ

هيفاءُ إن خطرت فاحت نوافجها فالـندُّ والوردُ والنسرينُ مبذول».

أما عن بداياته ومعاناته، فيقول الباحث "الحمادة": «ولـد في "الرقة" في (19/10/1921 م)، توفي والده وهو في الثالثة من عمره، فعاش يتيماً في كـنف أخيه غير الشقيق "محمد علي"، درس المرحلة الابتدائية في مدرسة "الرقة" الوحـيدة آنذاك، وكان امتحان الشهادة الابتدائية "الصف الخامس"، يجرى في "دير الزور"، فـكان الأول على أقرانه، قرأ القرآن في "الرقة"، وتعلم الـخط عند الشيخ "حسين العليان"، في مدرسته التي أقامـها في بيته، وعند الشيـخ "علي البوعـذيج" والشيخ "مصطفى الرهاوي"، في جامـع "الجراكسة"، تابـع الدراسـة المتوسطة في "دير الزور" ثم في "حلب" ثم حالت الظروف دون إتمام دراسته، وبدأت المعاناة أمـام لقمة العيش، فعمل في حمل الحجارة، ثم بيع الخضـار، تـزوج زوجته الأولى، لكنها ما لبثت أن ماتت بعد أن أنجبت ولداً لحـق بها بعد زمن لـيس بطويل، تطوع في سلك "الدرك" لمدة سنتين ثم اسـتقال، وتزوج من امرأة ثانية لم تمكث عنده طويلاً، حتى تبعت طريق الأولى إلى الدار الآخـرة، تاركة وراءها ابنةً صغيرة بعد أربـعة عشر يوماً من ولادتها، فـضرب في الأرض يبحث عن عمل ورزق، فحطَّ الرحال في جسر "الشغور"، حيث تزوج هناك زوجته الثالثة التي توفيت عام /2003/م، ليعمل دهَّاناً أو عاملاً عادياً، ثم كُلف بالترجمة عن اللغة التركية، تقدم بعدها بمسابقة لتعيين مراقبين للحدود، وبقي في هذه الوظيفة إلى أن أحيل إلى التقاعد عام/1980/ م، وبعد التقاعد عاد إلى "الرقة" مسقط رأسـه واستقر بها بشـكل نهائي، إلى أن انتقل إلى رحـمة الله تعـالى في (8/9/2004)م».