يغادر الدنيا كثير من الرجال، ولا يلتفت أحد إليهم، مع أنهم في عصرهم وزمنهم كانوا رجالاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ومن هؤلاء الشيخ "فيضي الفواز"، الذي ترك بصمات عظيمة في تاريخ محافظة "الرقة"، فمن هو؟ وما هو الأثر الاجتماعي والسياسي الذي تركه خلفه؟.

ولد الشيخ "فيضي" في مدينة "الرقة" عام /1889/م، وتنتسب عائلته لعشيرة "البياطرة"، التي تعود بجذورها إلى عشائر "العقيدات" الشهيرة، وأسرته من أوائل الأسر التي سكنت "الرقة"، وبنت فيها بيتاً قائماً، ومازال إلى حينه، وذلك بعد عملية الاستقرار الأسري، إثر بناء المخفر العثماني الثابت عام /1863/م.

عند صدور قانون الطابو في (25 شباط 1913)، قام الشيخ "فيضي" بإصلاحات أهمها: تجديد صكوك التملك بإدخال أصول التسجيل العقاري، والذي يعيَّن بصورة مستقلة عن شخصية المتملك، مستندة على أساس المساحة المحددة، وإعطاء حق التملك الحقيقي والقطعي إلى الأشخاص، حتى لا يبقى مجالاً للشك بتعيين حدود الأملاك، وحل مسائل الوراثة، وأعطى حقوق التملك الخاصة لكل إنسان في حجة مستقلة مسجلة، وله الحق في أن يطلَّع على حقوق تملك الآخرين، وحدد أملاك الدولة في سجلات خاصة منعاً للاعتداء عليها، وحدد مسارات الطريق التي تساعد الأراضي الخاصة والعامة على توريد حاصلاتها

درس الشيخ "فيضي" في مدرسة "الرشدية" في "الرقة"، وبدت عليه علامات النجابة والذكاء، وتأكد ذلك بعد حصوله على معدل /111/ علامة من أصل /120/ علامة في تلك الفترة، وأُرسل إلى "الأستانة" (اسطنبول) ليكمل دراسته في مدرسة أبناء العشائر، وحصل فيها على شهادة تحصيل علوم إدارية عام /1907/م، عين بعدها مدير طابو (السجل العقاري) في "أورفه" (الرُّها)، ثم إلى "براجيك"، ومنها إلى مدينة "حلب" مديراً للطابو عام /1913/م.

الشيخ فيضي يتوسط جلسة من الوجهاء

ويقول الباحث "حمصي فرحان الحمادة" لموقع eRaqqa بتاريخ (24/7/2008): «عند صدور قانون الطابو في (25 شباط 1913)، قام الشيخ "فيضي" بإصلاحات أهمها: تجديد صكوك التملك بإدخال أصول التسجيل العقاري، والذي يعيَّن بصورة مستقلة عن شخصية المتملك، مستندة على أساس المساحة المحددة، وإعطاء حق التملك الحقيقي والقطعي إلى الأشخاص، حتى لا يبقى مجالاً للشك بتعيين حدود الأملاك، وحل مسائل الوراثة، وأعطى حقوق التملك الخاصة لكل إنسان في حجة مستقلة مسجلة، وله الحق في أن يطلَّع على حقوق تملك الآخرين، وحدد أملاك الدولة في سجلات خاصة منعاً للاعتداء عليها، وحدد مسارات الطريق التي تساعد الأراضي الخاصة والعامة على توريد حاصلاتها».

ويضيف "الحمادة": «عند قيام الحرب العالمية الأولى (السفر برلك)، وتهجير الأرمن من ديارهم في عام /1915/م، عُين الشيخ "فيضي الفواز" نائباً لمدير التهجير والإسكان في ولاية "حلب" و"الرقة"، وقد كُرِّم من قبل المؤسسة الأرمنية بإهداء ولده "محمد أمين" درعاً تذكارياً، وسجل عليه اسمه في السجل الذهبي للأرمن.

ونتيجة لإخلاصه في حماية الأرمن ـ والذي أزعج السلطات العثمانية آنذاك ـ جاء أمر بكف يده في أيلول عام /1916/م، وإحالته إلى المحكمة العسكرية بتهمة السماح للأرمن بالهرب، وبمساعدة من صديقه المحامي "لطيف غيمة" وتدخل القنصل الأمريكي "مستر ديكسون" بُرِّئت ساحة الشيخ "فيضي".

وبعد تبرئته عين مستشاراً في محكمة الجنايات في "حلب"، وعند دخول القوات العربية مدينة "حلب" في (12تشرين الأول 1918)، عُين وكيلاً للقائم مقام، وكاتباً للتحريرات في مدينة "الرقة"، وعند تعيين الشيخ "رمضان باشا الشلاش" حاكماً عسكرياً لقضاء "الرقة" و"السبخة" و"الخابور"، أرسل إليه الأمير "فيصل" رسالة من قيادة الجيوش العربية الشمالية، ديوان الأمير، (13 صفر 1338هـ، 1919م).

وهذا متن الرسالة التي أرسلت من الأمير "فيصل" إلى "الشيخ الفواز"

(حضرة الوجيه الشيخ "فيضي الفواز"، مأمور تحريرات قضاء "الرقة" وبعد.

فقد أمرنا بتعيين القائم مقام "رمضان الشلاش" حاكماً عسكرياً على قضاء "الرقة" و"الخابور" و"الفرات"، فالأمل من عشيرتكم الوطنية وحميتكم العربية مساعدته على إتمام وظيفته، وتسهيل مهمته، وأن تكونوا يداً واحدة معه لخدمة الأمة والوطن.

التوقيع

ابن ملك العرب "فيصل الحسين")».

ويتابع "الحمادة" حديثه قائلاً: «كان الشيخ "رمضان الشلاش" قريباً للشيخ "فيضي الفواز" فكلاهما من قبيلة واحدة "العقيدات"، وكانا زميلين في مدرسة العشائر في "الأستانة"، وعندما دخلت القوات الفرنسية إلى "سورية"، حرَّض الشيخ "رمضان الشلاش" على الوقوف ضد الانتداب الفرنسي، وبمعونة الشيخ "فيضي" والشيخ "هويدي الشلاش"، تم إقناع الشيخ "حاجم بن مهيد" على تشكيل دولته (دولة حاجم) بين عامي (1920 ـ 1922م)، وكان القائم مقام الشيخ "هويدي الشلاش"، والمجلس الاستشاري مكوناً من الشيخ "فيضي الفواز" و"وهبي العجيلي" و"إبراهيم الخليل الملحم" و"أحمد الحاج عبد الله" و"عبيد أغا الكعكه جي" وكان رئيساً للبلدية، و"عمر بك آنزور" وكان قائداً للدرك».

وعند دخول القوات الفرنسية إلى "الرقة" نقل الشيخ "فيضي" قاضياً إلى بلدة "الميادين"، فاستقال من الوظيفة رافضاً العمل تحت ظل الانتداب الفرنسي. وظلَّ وجيهاً، ومن كبار الملاك العقاريين في "الرقة"، وقد ساعد كثيراً على توسع مدينة "الرقة"، وذلك من خلال بيع أملاكه بأثمان رمزية، بل كان البعض لا يعطيه شيئاً، وكان الشيخ "فيضي" قارئاً ممتازاً، وخلَّف مكتبة كبيرة، موجودة لدى ولده "محمد أمين"، وكان محدثاً لبقاً، وصاحب ذاكرة قوية، وكان الدكتور "عبد السلام العجيلي"، و"أحمد الحاج عبد الله" والكثير من أعيان "الرقة"، من رواد مضافته.

وبقي الشيخ "فيضي الفواز" سليم الجسم، ولم يصب بأمراض الشيخوخة إلا من ألم في المفاصل، وكان يحب المشي والسير في تنقلاته، وتوفي وهو يسير بالقرب من مقهى "النخيل" حالياً، وذلك خلال فترة حرب تشرين التحريرية عام /1973/م.

ودفن "الشيخ فيضي" خارج جدار مسجد "الفواز" الذي بني على نفقته سابقاً، في غرفة خاصة تقع في الجهة الغربية من الجامع.

والجدير بالذكر أن الشيخ "فيضي الفواز" خلف سبعة أولاد هم "محمد صادق" و"محمد صبحي" و"حسين فهمي"، و"عمر شوقي"، و"محمد عصمت"، و"عبد اللطيف"، و"محمد أمين"» وعدد من البنات...