ولد الفنان التشكيلي جورج شمعون في مدينة رأس العين عام 1957، وانتقل عام 1972 ليعيش هو وأسرته في مدينة الرقة

كما أقام لمدة سبع سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية والسويد والدانمرك من عام 1988 إلى عام 1994، ثم عاد إلى مدينة الرقة، وما يزال يمارس نشاطه الفني بحضور متميز على مستوى سورية والوطن العربي والعالم.

اشتغل شمعون في النحاس وأبدع، وبرع في تكريس اسمه بقوة بكل أنواع الرسم،ومن المحطات المهمة في مسيرة حياته الفنية اقتناء متحف آرت إنستيوت (أمريكا) لوحة زيتية من لوحاته عام 1990، والمتحف فيه مقتنيات لمشاهير الفن في العالم مثل بيكاسو وغوغان وفان كوغ وغيرهم، وفوزه بالجائزة الأولى في معرض موفي آرت (إيطاليا) عام 2003، ومعظم أعماله مقتناة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبارغواي والسويد والدانمرك وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستراليا وكوريا، إضافة للعديد من الدول العربية.

جورج شمعون ليس فناناً عادياً، فلقد استطاع أن ينشر رسالته الفنية على مساحة كونية واسعة، وأن يقيم معارض فنية في بلدان كثيرة من العالم، كما أن لآرائه طعماً خاصاً، فلقد استمد ثقافته من إرث تاريخي حافل بالعطاء والتميز، ويعتبر نفسه وريثاً لثقافة ما بين النهرين وثقافة السوريين القديمة، كما أن للثقافة الإسلامية حضوراً قوياً في أعماله، وتمثل الصوفية الإسلامية والغنوص (العرفان) المسيحي تجذراً في جلِّ أعماله الإبداعية، ومجمل آرائه النقدية. ينحاز إلى المطلق دون تطرف، ويضع روحه ،بلمسات مدروسة ،بين ثنايا اللوحة، ديدنه التفرد، يداعب الريشة على فضاء اللوحة مثلما تداعب نسمة باردة وجه أنثى لفحها الحر في ظل الهاجرة، وهو نسيج وحده، لا يشبه أحداً ولا يقتفيه فنان.

أنا والرسم:

كتب أدجار آلان بو :حين نقسم العقل إلى أقسامه الثلاثة الواضحة المباشرة، يكون لدينا العقل الصرف، والذوق، والحس الأخلاقي. العقل الصرف يُعنى بالحقيقة، أما الذوق فيدلّنا على الجميل، في حين أن الحس الأخلاقي يهتم بالواجب.

يقول شمعون: الوجود يتحقق من خلال الوعي، ونمط الإنتاج يحدد نمط التفكير، فمدرسة الأدب للأدب عزلت الأدب عن المجتمع والأخلاق، وزعمت أن الأدب دولة مستقلة ليس فيها سلطان إلاَّ الجمال، وبهذا أهملت الحس الأخلاقي الذي يهتم بالواجب.

أما المدرسة الإنسانية الأدبية، وهي مدرسة الصفوة لحماية القيم الاستقرارية في المجتمع، التي أسسها الناقد الأمريكي بابيت قد حوَّلت الإبداع إلى كليشهات مسبقة الصنع، وبذلك تكون قد وضعت قيوداً على الظاهرة الإبداعية، فالإبداع لا يمكن أن يحده حدود بغرض حماية القيمة.

قد أتفق تماماً مع توماس إليوت ممثل الكلاسيكية الجديدة الذي يعتبر أن الحياة فانية، وما هي إلاَّ جسر إلى حياة ثانية خالدة. لذا فالتقدم العلمي والفني يجب أن يترافق مع التقدم الأخلاقي والروحي، فالعمل البصري يحتاج عقلاً صرفاً لامتلاك الأدوات، وذوقاً سليماً نجده من خلال جمالية الخط والتشكيل، وحساً أخلاقياً يهدف إلى ارتقاء الذائقة الأخلاقية والروحية لدى المتلقي. وهذا الارتقاء لا يتم إلاَّ من خلال الفكرة، فالمحسوسات والحسيَّات أدوات مثيرة للأعصاب، والفنان يستخدم هذه الأدوات، لكنها لا تؤدي وظيفتها على الوجه الصحيح إلاَّ بتوجيه من الفنان، وهذا التوجيه مصدره الفكرة أولاً وأخيراً. ولإبراز الفكرة قد أعتمد الصورة الجزئية، والرمز والقصص التاريخية، فالقصص التاريخية مليئة بالدلالة ومستقرة في الضمير الجمعي للشعوب، فأنا أرى الأرابسك موشحاً ميلودياً تنضح به رقية من نبات خيالي، ومدن روحية، فاستخدام الوجود التاريخي الزاخر بالقصص والدلالات ضروري لإغناء المشهد البصري بالتعبير.

أما الصورة الجزئية فيجب أن تساند مجموعة الصور الأخرى المكونة للوحة كي تكسبها دوراً حيوياً وخصباً، وبذلك يتم نقل المتلقي إلى عوالم الفنان من خلال الصورة الخصبة التي تستطيع أن تشع في جميع الاتجاهات، وأن تتجمع فيها عناصر متباعدة في الزمان والمكان غاية التباعد، لكنها سرعان ما تأتلف في إطار شعوري واحد. وهذا وجه الشبه بين العمل الفني والحلم، ففي الحلم تتحطم الحدود المكانية والزمانية، وتصطدم الأشياء بعضها ببعض، وهذا ما يتفق مع رأي بول ريغاردي الذي يرى أن الصورة إبداع ذهني صرف، وهي لا يمكن أن تنبثق من المقارنة، وإنما تنبثق من الجمع بين حقيقتين واقعتين تتفاوتان في البعد، قلّة وكثرة.

أما عن وجود النص الأدبي في لوحاتي التشكيلية، فأنا أتفق مع الشاعر الفرنسي بودلير حين قال: هناك علاقات متبادلة بين الحواس. وكان غوتيه من أقدم الذين دعوا إلى فكرة العلاقات المباشرة بين الحواس، ومثل هذه العلاقات يسفر عن التداعي، فإذا قُدّر لي أن أشعر بقيام علاقة وثيقة وقرابة موحية بين أريج يفوح بشدة من بعض أزهار الحديقة عند الأصيل، وبين صوت قطرة ماء تسيل من صنبور لم يحكم إغلاقه، ولّد عندي شعوراً مشحوناً بفتنة قوية، توجب علّي نقل هذا السحر الذي يصيب شغاف القلب إلى المتلقي. ولما أردت أن أضيف الزمان على اللوحة وجدت في الأدب والموسيقا، باعتبارهما ذواتي دلالة زمانية ،أن أكتب النص على اللوحة، وأن أدون الدلالة الموسيقية من خلال الانسجام والهارموني في اللون والإيقاع في الشكل، فحصلت على لوحة زمكانية، وهذا ما يتفق مع قول إيتيان سوريو :إن الفن هو الفنون جميعها، ويذكرنا بقول هوغو حين بعث إلى النحات فرومان موريس بقصيدة يقول فيها:

إنما نحن أخوة

الزهرة يبدعها أكثر من فنان

الشاعر ينحت اللفظة في وضعها

والنحات يفيض عليها من روحه الشعرية.

بقي أن نشير إلى أن الفنان جورج شمعون عضو تجمع فناني الرقة عام 1979، وعضو نقابة الفنون الجميلة عام 1983، وعضو مجلس إدارة نقابة الفنون الجميلة- فرع الرقة عام 1984، وأقام المعارض التالية: معرض فردي في الرقة عام 1979، ومعرض ثنائي مع الفنان زاهي عيسى صاحب غاليري جاك (إيطاليا)، ومعرض تحية للندوة الدولية لتاريخ الرقة وإحياء آثارها عام 1981، ومعسكر فناني القطر في مدينة الثورة عام 1984، ومعرض تحية لانطلاقة الثورة الفلسطينية ـ دمشق ـ عام 1984 ومعرض فردي في الولايات المتحدة الأمريكية ـ شيكاغو ـ عام 1989، ولوس أنجلوس عام 1990، وفردي في الرقة 1994، ومعسكر فناني الرقة في ثقافي الرقة عام 2000، ومعرض فردي مجازر الأرمن في مدينتي الرقة والثورة عام 2001، معرض فردي نصوص إبراهيم الخليل في الرقة والثورة عام 2002، ومعرض فردي أبواب في حلب والرقة والثورة عام 2003، وشارك في معرض موفي آرت في إيطاليا عام 2003، ومعرض فردي نصوص مختارة في الرقة والثورة عام 2004، ومعرض فردي كيف تبتدئ القصيدة لونها الراعش في حمص والرقة والثورة عام 2005، ومعرض فردي في مدينة السلمية عام 2006، ومعرض فردي في مدينة شيكاغو عام 2006، وهو مشارك دائم في جميع معارض متحف طه الطه، ويعمل الآن على إقامة معرض لأعلام الرقة.