نجاح إبراهيم صوت نسائي في عالم الأدب، صوت له خصوصية متفردة، رسمت معالمه باقتدار، في وقت عزّت فيه الكلمة، فاستطاعت خلال مسيرتها الإبداعية المحفوفة بالأشواك أن تضع نفسها بمقارعة الكبار

فمنذ مجموعتها الأولى «المجد في الكيس الأسود» أثارت الانتباه إلى موهبتها القصصية، وبشرت بولادة قاصة سيكون لها شأن كبير في عالم الأدب الإنساني الرحب، وكما كتبت القصة، خاضت معترك الشعر، وتوّجت خلاصة فكرها بأعمال روائية ستترك علامة فارقة في تاريخ الأدب.

لاحظت أن ما تكتبينه متميز عما أقرأه لكتاب القصة اليوم، فهو يحمل طابعاً خاصاً لا تماثلين فيه غيرك

كيف بدأت الأديبة نجاح إبراهيم الكتابة؟!.. وما هي عوالمها الأدبية؟!.. موقع eraqqa سألها عن حكاية نجاحها في عالم الأدب، فرَّدت قائلة: حينما قرأت رواية «باسمة بين الدموع» لأديبنا الراحل الدكتور عبد السلام العجيلي، كنت في الصف الثاني الإعدادي، فتمنيت من كل قلبي أن ألتقي بكاتبها، لكني كيف ألتقي به إن لم أكن كاتبة؟!..، قلت في نفسي...

الأديبة نجاح إبراهيم مع السيدة أسماء الأسد

وأضافت: بوادر الموهبة بدأت في المرحلة الابتدائية، حيث مواضيع الإنشاء كانت مميزة، كنت أحصد عليها ثناءً ومدحاً من أساتذتي، وكما تمنيت أن أكون روائية وكنتها، بعدما اشتغلت كثيراً على أدبي، وبعد مجموعات قصصية عديدة، كذلك التقيت بمبدع «باسمة بين الدموع» حينما أصبحت كاتبة، وهكذا صار العجيلي من أقرب الأدباء إلى نفسي، وصرت أقرب الأديبات إليه، ودامت صداقتنا سنوات، أفخر من خلالها بلقائي به، وثقته بي أيضاً، وبما كتب عني، كمقدمات لكتبي، لم أضعها في أي كتاب إلى حينه.

وهي تعتقد أن كل بداية في الكتابة، هي انطلاقة نحو بداية جديدة تعيش فيها تجربة مختلفة، بمعنى أنها تتجدد في كل عمل، وتدافع عن هذا التجدد من معاناة وارتهان للأدب، والاطلاع على الجديد المغامر في التجريب وتقول: «بعصا الأدب أتوازن على حبل الحياة» أي الأدب هو العصا التي تتوازن بها، وهي تسير على حبل مشدود فوق مرتفع، والهوة مستنفرة من تحتها، إنه الأسئلة التي تملؤها، وغالباً يكون الجلد الذي يكسو لحمها.

وعن بداياتها بالنشر تقول: بدأت الكتابة منذ عام 1978 وهي السنة التي اعتليت بها المنبر في إحدى الأمسيات الأدبية، ونشرت أولى القصص في مجلة «الضاد» لصاحبها «عبد الله يوركي حلاق» عام 1989 ثم توالت القصص المنشورة في العديد من الصحف والمجلات العربية والمحلية.

وعن الأسلوب الذي تسلكه في كتابتها، وهل هي مسكونة بالقصة؟!... أم قاصة معجونة بالشعر؟!.. تقول: من سؤالك تنبلج فضة الجواب، هل أقول قاصة تراعد الشعر فوق نصِّها؟!.. أم شاعرة هزَّها القصُّ،؟!.. فتهاطلت كأبخرة النزف؟!.. أم امرأة ضاق الاثنان عن الاحتفاء بي؟!... أم تراهما استوعبا رائحة صبري؟!... لست أدري؟!.... ما أدريه أنني أعطي لغتي وعطري وفكري ليشفّ بالتالي صهيلاً؟!...

وفي هذا المجال يقول عنها الدكتور العجيلي: «لاحظت أن ما تكتبينه متميز عما أقرأه لكتاب القصة اليوم، فهو يحمل طابعاً خاصاً لا تماثلين فيه غيرك». وعن قصائدها كتب ذات مرّة: «لا أكتمك أني قرأت قصيدتك ثلاث مرات متتالية، قبل أن أستطيع الإلمام بكل معانيها، وقرأتها مرّة رابعة قبل أن أخط هذه السطور».

سألتها: هل «نجاح» الأديبة والإنسانة، مسكونة بالشعر ومهمومة باللغة؟!.. فردت قائلة: سأكتفي بما يقوله عني الأديب الكبير حنا مينة تحت عنوان «الأفق في الكلمة»، ففيه أوضح الجواب عما تريد، يقول: ... إن الأفق في الكلمات، لعب بالكلمات لا يجيده إلاّ من امتلك زمامها، ومن كانت له منها ثروة بغير نفاذ، تعطي ما ازدادت العطايا، وتتبرج تبرج المدلّ على الدنيا تيهاً، لأنه في اللغة كرة شمس تتداولها اليمنى واليسرى، وتعيد في لهو التداول ما بدأت، حتى يكون الامتلاك، وعندئذ تتسيّد، وتغدو اللغة لفظاً ودلالة، على كفاء مع هذا التسيد المأخوذ عنوة، بعد أن روّض ترويضاً.

السيدة نجاح إبراهيم في قصصها وما يتخاطر، تبدو وبجدارة متسيّدة على لغتها، في القص الشعري، وفي مزدلف الاستعارة والتشبيه، وفي اللفتات المفاجئة التي تبعث على شيء من دهش، وشيء من التأمل في المضمون المؤطر بالشكل تأطيراً جميلاً».

بقي أن نشير إلى أنه صدر للأديبة نجاح إبراهيم مؤلفات عدة، فقد صدر كتابها الأول «المجد في الكيس الأسود - قصص» عام 1992، ثم «حوار الصمت - قصص» عام 1997 ثم «أهدى من قطاة» عن اتحاد الكتاب العرب عام 2001، و«الأجراس وقيامات الدم» و«ما بين زحل وكمأة» و«عطش الاسفيدار» رواية عام 2004، و«احرقوا السذاب لجنونها» عام 2005، و«لمن ائتلاق الهَوْما» عام 2007، و«نداء القطرس» و«التميمة» رواية عام 2008 ولها قيد الطبع مجموعة قصصية بعنوان «أورورا».

كما يذكر بأن الأديبة نجاح إبراهيم قد فازت بالعديد من الجوائز الأدبية، منها: جائزة العجيلي للقصة القصيرة، وجائزة دمشق للثقافة والتراث، وجائزة مجلة الموقف الأدبي للقصة القصيرة، جائزة المزرعة عن روايتها «عطش الاسفيدار» وروايتها «التميمة»، وجائزة البتاني، وثابت بن قرة الحراني، ومسابقة فرع اتحاد الكتاب العرب في الرقة، وشاركت في العديد من المهرجانات الأدبية في سورية ولبنان، وقد تُرجمت بعض قصصها إلى اللغة التركية.

كما حظيت الأديبة نجاح إبراهيم هذه السنة بلقاء السيدة أسماء الأسد عقيلة السيد الرئيس بشار الأسد، وتكريمها كأم مثقفة ومبدعة من هذا الوطن، مع العديد من الأمهات السوريات.