لأن أغنامهم ترعى النباتات العطرية والطبية، اشتهر الرقيون بجبنهم الذي يعد النخب الأول من كافة أنواع الجبن البلدي في القطر، تبيعه النساء الرقيات في الشوارع، ويعد المادة الرئيسية في كل وجبة إفطار هناك، وهو الطعام الأكثر استهلاكاً بعد الخبز، ويشتريه الراغبون بنكهته اللذيذة على امتداد مساحة "سورية"، بدءاً من "حلب" التي تعد أكبر المستهلكين؛ وصولاً إلى "دمشق" التي يحتل فيها واحداً من الأرقام الثلاثة الأولى بحجم الاستهلاك، كما وجد مكاناً له أيضاً في الطائرات المغادرة من "سورية".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 17 تشرين الأول 2014، السيدة "سلوى الحمد" من أهالي "الرقة"، التي قالت: «يعد الجبن "الرقاوي" من أجود أنواع الجبن البلدي في "سورية"، حيث إن حليب الغنم الطازج هو المادة الرئيسية التي تستخدم في صناعته، كما أن جودة المراعي التي ترعى فيها الأغنام وخاصة منطقة "الشامية"، فأصحاب الخبرة يميزون مصدر الألبان التي تسوق في المدن السورية، وذلك من خلال الرائحة؛ حيث إن لكل مرعى ميزة عن بقية المراعي، وألبان منطقة البادية تعد أفضل الألبان التي ترد إلى المدينة، ويعود السبب في ذلك إلى وجود المراعي الطبيعية والمحميات التي تكثر فيها أنواع النباتات ولا سيما العطرية منها والطبية، التي تُضيف إلى الحليب نكهته الخاصة».

مع بزوغ الضوء تأخذ النساء الريفيات بالنزول إلى أسواق "الرقة" حاملات على رؤؤسهن طناجر ملأى بالجبن يجلسن في إحدى الأسواق الرئيسة، أو يجولن في الشوارع ليبيعن الجبنة البلدية الطازجة إلى الأهالي، ولتكون لهن باب رزق يعيل العائلة، ويعد هذا الصنف من الطعام مادة أولية يومية أو شبه يومية يتناولها الرقيون في وجباتهم المختلفة، وتنتشر هذه الصناعة بشكل أساسي بين سكان الأرياف، لكونهم الأكثر اهتماماً بصناعة الألبان ومشتقاتها؛ وذلك بسبب توافر المادة الأولية بشكل أكبر بالمقارنة مع سكان المدن السورية

أما عن كيفية صناعة الجبن البلدي، فتقول "الحمد": «لا تزال النساء في الريف والبادية يستعملن الطريقة التقليدية في تحضير الجبن البلدي، ولا تتم عملية تصنيع الألبان والأجبان إلا بوجود العديد من المواد والعدة التي لا يصح العمل من دونها، وهي: مصفاة ناعمة لتصفية الحليب من الشوائب، "بطانية" أو أي غطاء يؤمن الدفء للحليب، و"قازان" لتجميع الحليب فيه قبل غليه، و"الدوفة"؛ وهي مادة تساعد على تكوين الخثرة في الحليب، وهناك أقراص التجبين التي تحول الحليب إلى الجبن، فبعد أن تقوم النساء بحلب الأغنام، يقمن بتنقية الحليب بواسطة غربال ناعم أو قماش "الشاش"، ومن ثم يضعنه في وعاء كبير "قازان"، ثم يتم وضع خميرة خاصة، يطلق عليها أهالي "الرقة" اسم "الدوفة"؛ وهي عبارة عن حبوب مصنوعة من معدة الأغنام، وتوضع بكميات ضئيلة جداً، ثم يغطى القدر بقطع من القماش ويترك لعدة ساعات، حتى تأخذ الخميرة مفعولها ويتجبَّن الحليب، ثم يتم إزاحة الأغطية عن القدر».

تشبيك الغنم لحلبها

وعن طريقة تخزين الجبن البلدي تقول "الحمد": «بعض النسوة يشاركن في إعداد بعض المؤن من مشتقات الألبان، حيث تتعاون النساء في عمل مؤونة البيت من الجبن؛ لما في ذلك من صعوبة العمل والانتظار الطويل من غلي للحليب وتبريده، وقد تتشارك النساء من أجل إعداد المؤن فتساعد إحداهن الأخرى وكل منها تدعو صاحباتها للمشاركة، وفي البداية أغلب أهالي "الرقة" يقمن بشراء أقراص الجبن من السوق وهي نيئة، ومن ثم يبدأن عملية التخزين، حيث تقوم المرأة بداية بتقطيع أقراص أو قوالب الجبن، وذلك على شكل مكعبات صغيرة، ثم يتم وضع قطع الجبن في أوعية كبيرة "طشت" أو "فرش"، ويملح بشكل جيد ويترك لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام أو أكثر، وهذه العملية تساعد على تماسك الجبن، وتمنع فساده، وثم يتم وضع كمية من الماء في قدر متوسط الحجم على النار، وبعد غليانه يوضع الجبن فيه، لكن بكميات قليلة وعلى شكل وجبات، ثم يتم إخراجها ووضعها فوق أوعية مسطحة "سفرة"، حيث لا تتراكم فوق بعضها بعضاً، وعند انتهاء عملية الغلي والتبريد يوضع الجبن على شكل صفوف في أوانٍ معدنية "تنك"، أو مصنوعة من الزجاج "قطرميز". ولا يزال أهالي "الرقة" يقومون بقياس الماء المملح بوضع بيضة داخله، وعندما تطفو البيضة على سطح الماء يكون المعيار جاهزاً لوضعه على الجبنة للتخزين».

وبينت السيدة "خنسا ابراهيم" خطوات التسويق بالقول: «مع بزوغ الضوء تأخذ النساء الريفيات بالنزول إلى أسواق "الرقة" حاملات على رؤؤسهن طناجر ملأى بالجبن يجلسن في إحدى الأسواق الرئيسة، أو يجولن في الشوارع ليبيعن الجبنة البلدية الطازجة إلى الأهالي، ولتكون لهن باب رزق يعيل العائلة، ويعد هذا الصنف من الطعام مادة أولية يومية أو شبه يومية يتناولها الرقيون في وجباتهم المختلفة، وتنتشر هذه الصناعة بشكل أساسي بين سكان الأرياف، لكونهم الأكثر اهتماماً بصناعة الألبان ومشتقاتها؛ وذلك بسبب توافر المادة الأولية بشكل أكبر بالمقارنة مع سكان المدن السورية».

"فرش" الجبنة

الباحث "خالد الحسين" قال عن عادات أهل "الرقة" عند صناعة الجبن بالقول: «ترتبط بصناعة الأجبان والألبان بعض المعتقدات ففي منطقة وادي الفرات يعتقد أنه يجب على المرأة النفساء ألا تشم رائحة الجبن لأن ذلك يؤدي إلى أذيتها، كما يجب على الطفل الذي أجري له الختان ألا يشم شيئاً من رائحة اللبن أو الجبن أو السمن؛ لأن ذلك يؤذيه أيضاً، كما يجب أن تعلم الأمهات بناتهن عملية إعداد وتحضير اللبن والزبدة وغيرها من مشتقات الحليب، ولكون هذه المادة أساسية في الوجبات في الريف أو حتى البادية، فمن غير المقبول (حسب العرف في البادية والريف) أن تكون الفتاة مقبلة على الزواج من دون أن تعرف تفاصيل إعداد هذه المادة، وعادة ما تقوم المرأة بتعليم ابنتها الكبرى منذ وقت مبكر هذه الطريقة وهي بدورها تقوم بتعليم أخواتها».