عرفت محافظة "الرقة" زراعة الرز مرتين، الأولى في منتصف القرن العشرين، والثانية في سبعينيات القرن العشرين إبان انطلاقة مشاريع الري الحكومية، وبناء مزارع الدولة، ولكن لفترة محدودة.

"محمود عبد الله الحمود"، الملقب بـ"أبي جوهر"، وهو أحد الفلاحين الذين ربطوا عملهم بالتطور البحثي العلمي الزراعي، والاهتمام بالمكننة الزراعية، وتطوير المنتج الزراعي بالنسبة لوحدة المساحة، وزراعة الرز، والبحوث الزراعية التي تعنى بتجارب تطوير زراعته.

سيشهد هذا العام /2012/ بعد هذه التجربة الناجحة توسعاً في تعميم هذا التجارب، وبما يؤسس لإدخالها بشكل رسمي خاصة على ضوء ما قررته اللجنة الزراعية الفرعية، ووزارة الزراعة، وتعميمها وتطبيق تقنياتها الخاصة، بما يسهم باعتبار محصول الرز من البدائل الغذائية الممكنة، التي تغني عن استيراده من الدول المنتجة للرز

موقع eRaqqa التقى بتاريخ 25/4/2012 مع "أبي جوهر"، وأجرى معه هذا الحوار للتعرف على تجربته الزراعية، واشتغاله بزراعة الرز..

حقل أبو جوهر الإرشادي

  • هل اقتصرت تجربتك بالزراعة على الموروث المحلي، أم طورت علاقتك بالزراعة من خلال الدراسة والتعلم؟
  • ** علاقتي بالزراعة علاقة وثيقة منذ الطفولة، نتيجة ارتباط أسرتي بالأرض، لكون العمل الزراعي هو الدخل الرئيس للأسرة الريفية، فالكل يعمل بالأرض، الصغار والكبار، النساء والأطفال، لذلك امتدت علاقتي بالأرض إلى نهاية المرحلة الإعدادية، حيث تابعت بعدها دراستي في الثانوية الفنية للآلات الزراعية بمدينة "القامشلي" في محافظة "الحسكة"، ونلت الشهادة الثانوية في عام /1978/، وبعدها أكملت دراستي في "المعهد المتوسط لاستصلاح الأراضي" في "الرقة"، وتخرجت في عام /1980/م، حيث عملت مباشرة في المؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات في مجال الهندسة الريفية، وهي دائرة معنية بالمكننة الزراعية، وفي عام /1990/ تم إيفادي إلى ألمانيا الاتحادية على نفقة الجانب الألماني، ولحساب وزارة الري في مجال هندسة تقنيات الري الحديث، وبعد عودتي إلى الديار عملت مع الخبراء الأمان في مجال التسوية بالليزر، ومكننة المحاصيل الرئيسية من البذار حتى جني المحصول في مركز "التدريب والتأهيل"، و"المشروع الرائد"، وفرع "الفرات الأوسط".

    حقل رز

  • ما مظاهر الاهتمام بتطوير المنتج الزراعي؟
  • ** نتيجة للتعليم الذي تلقيته في مجال الآلات الزراعية واستصلاح الأراضي والري، والمقدرة العلمية المكتسبة من الكادر الفني الذي كنت أعمل معه آنذاك، وارتباطي بالعمل الزراعي كمهنة ورثتها عن الآباء والأجداد، تشكل لدي هاجس وحيد ومستمر حول كيفية الارتقاء بالعمل الزراعي من يدوي تقليدي إلى زراعة آلية حديثة للوصول إلى أعلى درجات الإنتاج بالنسبة لوحدة المساحة، وبأقل التكاليف الممكنة، ما ينعكس إيجاباً على الفلاح، وتحسين دخله ومستوى معيشته، إضافة إلى رفع مستوى الإنتاج على مستوى القطر، وتأمين الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، لذلك من المهم توفير الآلات الزراعية الملحقة بالجرارات والحصادات، والآليات الأخرى المساعدة الخاصة بعمليات الزراعة، وتسويق المنتج الزراعي.

    حصاد الرز

  • كيف فكرت بزراعة الرز، ولماذا؟
  • ** في عام /2010/ تم تنفيذ تجربة زراعة أصناف رز في مركز البحوث العلمية الزراعية في "الرقة" بمساحة تقدر بحوالي /500/م2 لكل صنف، وهي مساحة قليلة، لكنه في طور التجريب، حيث تمت بإشراف خبراء من مصر بالتعاون مع خبراء المركز وطلاب الدراسات العلمية العليا.

    تابعت هذه التجربة بشكل شخصي، وتكونت لدي رغبة عارمة لزراعة الرز، وخصوصاً أن هذه الأصناف غير مغمورة بالماء، وتكاليفها أقل قياساً للمحاصيل الأخرى، ما ينعكس على الفلاح إيجاباً في مجال زيادة الإنتاج بالنسبة لوحدة المساحة، وزيادة الغلة على مستوى القطر، والدخل المالي، إذا ما قورنت أسعار الرز قياساً على المنتجات المشابهة، وتعاظم الطلب العالمي على هذه المادة الغذائية الرئيسية، وصولاً إلى المسعى الأساسي لدي في أن يزرع الرز مثل القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

  • ما تقييمك لزراعة الرز في "الرقة" في ظل تجربة الزراعة الهوائية؟
  • ** زراعة الرز الهوائي غير المغمور في "الرقة"، تعتبر قفزة نوعية في مجال الزراعة لإضافة محصول استراتيجي إلى محاصيلنا الرئيسية والاستراتيجية الأخرى، لكونه من المحاصيل ذات العروة التكثيفية، التي تزرع بعد المحاصيل البقولية المروية كالفول والبازلاء، أو بعد زراعة الشعير المروي، أو بعد القمح بالنسبة للأصناف المبكرة.

    ومن خلال عملي المباشر بدءاً من البذار إلى الري والتعشيب إلى الحصاد، فأنا أعتبرها تجربة ناجحة تميزت بنظافة الحقل، وكثافة النبات وطوله، وعدد الإشطاءات، ومرحلة السنبلة، أما مرحلة النضج وبسبب تدني درجات الحرارة ليلاً من 20 تشرين الأول إلى 10 تشرين الثاني في مرحلتي الطور اللبني والعجيني، حيث سجلت دراجات الحرارة -1 مئوية إلى -3 مئوية ما أدى إلى عدم النضج التام، وهذا يستدعي التبكير بالزراعة من 1ـ15 حزيران.

    أما بالنسبة لتجربة زراعة الرز في المشروع الرائد، فقد بدأت في موسم 1974ـ 1975 بمساحة قدرها /440/ هكتاراً، وكان مردود الإنتاج بحدود /488/كغ في الدونم الواحد، أما في موسم 1975 ـ 1976 فكانت المساحة المزروعة نحو /914/ هكتاراً، وأنتج الدونم الواحد نحو /500/كغ، وفي عام /1977/م توقفت زراعة الرز لاعتبارات فنية، مع العلم أن الزراعة كانت عائمة، مغمور بالمياه، تعتمد على الشتل، وتمت بإشراف خبراء من كوريا.

    إن نجاح زراعة أي محصول زراعي مرتبط بعوامل عدّة هي: توافر مستلزمات الإنتاج، والظروف الجوية، والتربة المناسبة، ومياه الري المناسبة، والعامل البشري.

    وبالنسبة للتذرع بالأسباب الفنية، فلو أن الدول التي تنتج الرز استبعدت زراعته لاعتبارات وأسباب فنية، لما وجدنا حبة رز في العالم، لذلك يجب أن يكون هناك بحث فني لحل المشكلات كافة التي تصادف زراعة الرز، ولابد من إنشاء المصارف الزراعية وتحديد الحقول المزروعة بالرز بمصارف حقلية، وخصوصاً هذا الصنف الهوائي، الذي لا يتطلب كمية مياه زائدة.

    وحول تجربة زراعة الرز الهوائي في "الرقة"، ذكر المهندس "عمر ناصر"، رئيس مركز البحوث العلمية الزراعية بـ"الرقة"، قائلاً: «من خلال البحوث الزراعية العلمية المتواصلة لتوفير البدائل التي تستهدف تأمين ما تحتاجه سورية من أغذية كان إدخال هذه التجربة التي نفذت زراعتها لأول مرة في أراضي المركز في العام الماضي /2010/م باستخدام أحد عشر صنفاً ومدخلاً من الأرز الهوائي في مصر، وطبقت بصددها التعليمات الفنية كافة، وجاءت النتائج المسجلة حينها جيدة ومن خلال التقييم الأولي الذي تم بالتعاون بين وزارة الزراعة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بدأ العمل في هذا العام /2011/ بمشروع لتطبيق تقنيات هذه الزراعة ومن خلال جانبين أولهما بحثي لمتابعة هذه الزراعة بشكل علمي ومنهجي، والآخر إرشادي من خلال حقول منتخبة لدى الإخوة الفلاحين، وبما يؤسس لمواكبة ما هو بحثي على أرض الواقع وبإشراف مباشر من القائمين على التجربة ميدانياً وبشكل متواصل».

    وحول طريقة زراعة الرز الهوائي وتجربة الفلاح "محمود عبد الله الحمود"، يتابع "ناصر" قائلاً: «تعد تجربة "أبو جوهر" من التجارب الرائدة في مجال زراعة الرز الهوائي، فقد عمد بعد التسوية الجيدة بالليزر وحراثة الأرض وتنعيمها بشكل جيد إلى زراعة بذرة جافة في أرض جافة وتحديداً في أواخر شهر حزيران، وتم تحديد كمية البذار بواسطة البذارة الآلية وبـمعدل /15/ كيلوغراماً للدونم الواحد، وعلى عمق/2/ سم للبذرة، وخطوط بتباعد /20/ سنتيمتراً بينها، وبما يعطي كثافة نباتية تقدر بنحو /400/ سنبلة في المتر المربع، وكان معدل الري رية واحدة في كل أسبوع، وتمت عمليات التسميد على مرحلتين بحيث بدأت الأولى منها بوضع سماد "سلفات الأمونيوم" بعد ثلاثة أسابيع من الزراعة، وبمعدل /160/ وحدة في الهكتار الواحد، ومن ثم التعشيب، وبعد ذلك بأسبوعين أضاف الدفعة الثانية من السماد، حيث استفاد النبات من الدفعة الأولى، أما عمليات الحصاد فقد تمت في شهر تشرين الأول وباستخدام الحصادة الآلية المخصصة لهذه الغاية».

    ويتابع "ناصر" حديثه قائلاً: «سيشهد هذا العام /2012/ بعد هذه التجربة الناجحة توسعاً في تعميم هذا التجارب، وبما يؤسس لإدخالها بشكل رسمي خاصة على ضوء ما قررته اللجنة الزراعية الفرعية، ووزارة الزراعة، وتعميمها وتطبيق تقنياتها الخاصة، بما يسهم باعتبار محصول الرز من البدائل الغذائية الممكنة، التي تغني عن استيراده من الدول المنتجة للرز».

    يذكر أن الفلاح "محمود عبد الله الحمود" من مواليد /1957/م قرية "الدلحة" نحو /20/كم شرق مدينة "الرقة"، ويعيش فيها، حيث يملك قطعة أرض ورثها عن أبيه، إضافة إلى قطعة أرض أخرى في مزرعة "الأسدية" نحو /6/كم شمال مدينة "الرقة"، وهي الأرض التي تم اعتمادها حقلاً نموذجياً لزراعة الرز الهوائي، وهو متزوج وله سبعة أولاد يعمل كلهم في الزراعة، إضافة إلى أن أحدهم يدرس الهندسة المدنية والثاني يدرس الهندسة الميكانيكية، والبقية في مراحل التعليم المختلفة.