تتعدد النظم البيئية في محافظة "الرقة"، ويعد التنوع الحيوي الموجود فيها محل جذب طبيعي، عدا الشواهد الأثرية الماثلة، بإمكانات هائلة في التوظيف السياحي. وتوصف "الرقة" كذلك بتمايز بيئاتها الجغرافية، ما بين رطوبة النهر، وجفاف "البادية" والأوابد الأثرية المنتشرة في ربوعها، الأمر الذي يساعدها في التأسيس لصناعة سياحية واعدة.

انحصر الاهتمام السياحي في "الرقة"، على قلته، على ضفاف نهر "الفرات" وبحيرة "الأسد"، ولم تجد المشاريع السياحية طريقها نحو "البادية"، رغم أنها تمتد على رقعة واسعة تزيد على نصف مساحة المحافظة، وتتمتع بتنوعها الحيوي، ووجود أودية عديدة فيها، وأوابد أثرية ما زالت ماثلة، وشاهدة على حضارات الأزمنة الغابرة.

أعلنت الهيئة العامة لإدارة وتنمية "البادية" "طوال العبا" محمية بيئية، وسارعت لوضعها موضع التنفيذ، وبدأ فرع الهيئة في "الرقة" بتأهيل المحمية، وتسوير الموقع المخصص لتربية الغزلان، بطول ثلاثة كيلو مترات، وعلى مساحة /540/ دونماً كمرحلة أولى، على أن تقوم الهيئة باستجلاب غزلان "الريم" و"المها" من محميتي "التليلة" في "تدمر" و"العظامة" في "حلب" لتربيتها في محمية "طوال العبا". وقام الفرع بشق الطرق ضمن المحمية، وزراعتها بأشجار "الصبار" و"النخيل"، حيث زرعت الهيئة نحو ألف غرسة "نخيل" بذري في محيط الموقع المسوّر، كنواة لواحات "نخيل" ثمري في المحمية، إضافة لزراعة نباتات الصبار، وتخصيص مساحة عشرة دونمات للنباتات العطرية، وإقامة حديقة نباتية تضم جميع الأصناف الموجودة في المحمية والمواقع المجاورة لها، وتأمين مصادر المياه اللازمة لسقاية هذه الأشجار

وعن إمكانية استغلال "البادية" للأغراض السياحية، تحدث لموقعنا الباحث "حمصي فرحان الحمادة"، قائلاً: «تزخر بادية "الرقة" بإمكانات واسعة، ومقومات كبيرة، يمكن استغلالها وتوظيفها للأغراض السياحية، ومنها تحويل واديي "الخرار" و"النهر" إلى محميات بيئية، وإقامة احتفالية سنوية خاصة في موقع "الرصافة" الأثري، وإعادة إحياء طريق "الحرير" التجاري، وإقامة سباقات الخيول والهجن، والمعارض التي تهتم بالصناعات التقليدية التي تشتهر بها البوادي.

المهندس علي حمود

انحصر عمل الجهات والهيئات التي تهتم بـ"البادية"، وإعادة إحيائها، على تنمية المراعي، وتأمين مصادر المياه فيها، والاهتمام بتحصين ثروتها الغنمية، وتنمية مجتمعها المحلي، ومنها مشروع تنمية "البادية"، ورغم أهمية هذه المشاريع في إعادة الحياة للبادية، وحفظ نظمها البيئية، وتأمين مصادر علفية طبيعية دائمة فيها، إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن السياحة البيئية، وهذا ما سعت لاستغلاله هيئة إدارة وتنمية "البادية"، التي وضعت ضمن برامج عملها الإعلان عن إقامة محميات بيئية في "البادية"».

وحول مشروع إعلان محمية "طوال العبا" محمية بيئية، والبرامج والخطط المتخذة في هذا المجال، والمشاريع المزمع إطلاقها في المحمية، تحدث المهندس "علي حمود"، مدير عام هيئة إدارة وتنمية "البادية"، قائلاً: «أعلنت الهيئة العامة لإدارة وتنمية "البادية" "طوال العبا" محمية بيئية، وسارعت لوضعها موضع التنفيذ، وبدأ فرع الهيئة في "الرقة" بتأهيل المحمية، وتسوير الموقع المخصص لتربية الغزلان، بطول ثلاثة كيلو مترات، وعلى مساحة /540/ دونماً كمرحلة أولى، على أن تقوم الهيئة باستجلاب غزلان "الريم" و"المها" من محميتي "التليلة" في "تدمر" و"العظامة" في "حلب" لتربيتها في محمية "طوال العبا".

المهندس حسن السليمان

وقام الفرع بشق الطرق ضمن المحمية، وزراعتها بأشجار "الصبار" و"النخيل"، حيث زرعت الهيئة نحو ألف غرسة "نخيل" بذري في محيط الموقع المسوّر، كنواة لواحات "نخيل" ثمري في المحمية، إضافة لزراعة نباتات الصبار، وتخصيص مساحة عشرة دونمات للنباتات العطرية، وإقامة حديقة نباتية تضم جميع الأصناف الموجودة في المحمية والمواقع المجاورة لها، وتأمين مصادر المياه اللازمة لسقاية هذه الأشجار».

وحول تأمين كافة المرافق الخدمية في المحمية، يضيف "حمود"، قائلاً: «لا يتوقف العمل في إنشاء المحميات عند حدود الإعلان عنها، بل لا بد من توفير البنى الأساسية والمرافق الخدمية اللازمة، كشرط أساسي لنجاح المشروع، وفي هذا السياق بدأت الهيئة بشق طرق ضمن المحمية بطول ثلاثة كيلو مترات، وبناء خزان للبئر الموجود ضمن المحمية للاستفادة منه في سقاية الأشجار، مع لحظ حفر بئر جديد في خطة العام القادم /2011/، علماً أن الهيئة، وضمن خطتها لإعادة تأهيل المحمية، استفادت من الإشادات والبنى التحتية الموجودة سابقاً، بإعادة ترميمها وصيانتها وتوظيفها كوحدات سكنية للعاملين في المحمية، وإنشاء مركز توعية بيئي، ومحطات رصد للطيور المستوطنة والمهاجرة.

الباحث حمصي الحمادة

ولدى الهيئة خطة مستقبلية متكاملة لإعادة تأهيل المحمية، تتضمن إقامة ملاهٍ ودار للضيافة، وتجهيز مبنى متعدد الأغراض يضم قاعات استقبال، ودار للسينما، وأجنحة لعرض الصناعات اليدوية التقليدية التي تشتهر بها بادية "الرقة"، ومكتبة، وصالة ألعاب ترفيهية، ومطعم وكافيتريا، كما وضعت الهيئة ضمن خططها المستقبلية، إيصال خدمات المياه والكهرباء للموقع، وزراعة غراس رعوية على كامل مساحة المحمية لتأمين مصادر علفية متجددة، وإقامة سدات على مسارات الأودية وحفائر تخزينية».

وعن دور المحمية في إعادة الحياة للمنطقة، ولفت أنظار الجهات المعنية لواقع "البادية" الحالي ومستقبلها المنتظر، يقول المهندس "حسن السليمان"، مدير زراعة "الرقة"، قائلاً: «كانت "طوال العبا" سابقاً محمية رعوية، ومركزاً لتربية أغنام العواس، وهي تمتد على مساحة /18/ ألف هكتار، واختيرت كمحمية بيئية لموقعها الجغرافي المميز، ووجود تنوع حيوي فيها يتمثل بغطاء نباتي واسع الانتشار وكائنات حية متعددة، ومرور عدة أنواع من الطيور المهاجرة فيها، ومن أهمها طائر "القطقاط الاجتماعي" النادر الوجود، حيث تحتضن باديتي "الرقة" و"دير الزور" نحو /2500/ طائراً منها، من أصل /7500/ طائر موجود على مستوى العالم.

محمية "طوال العبا" هي الأولى من نوعها في بادية "الرقة"، وستسهم حال إنشائها في رعاية وحماية أنواع عديدة من الحيوانات، وخاصة تلك المهددة بالانقراض، إضافة إلى دورها في تنشيط السياحة الصحراوية، كأحد أبرز أقطاب السياحة المنتظرة في المحافظة، والجديد في محمية "طوال العبا" وقوعها في عمق "البادية"، رغم أن العادة درجت في اختيار مواقع المحميات في الأماكن الخضراء والرطبة، وسيسهم اختيار الموقع في زيادة الاهتمام بـ"البادية"، ولفت الأنظار إليها، وتوفير الإمكانات اللازمة لتنشيط السياحة الصحراوية، ويجب أن يترافق ذلك مع تأمين كافة البنى التحتية والمرافق الخدمية في الموقع، واعتبار المحمية جزءاً من طموحنا المشروع في تفعيل الواقع السياحي في محافظة "الرقة"».